الموسوعة الفقهية

المطلَبُ الأوَّلُ: العُمرَى المُطلَقةُ [529] وهي التي لم تُقيَّدْ مِن صاحبِها بشرطٍ


مَن قال لشَخصٍ: (جَعَلتُ لك دارِي هذِه مُدَّةَ حياتِك) أو: (ما عِشتَ)، ونحوَ ذلك [530] أو قال: أعمَرْتُك هذه الدارَ، أو قال: هذه الدارُ لك عُمرى، أو ما حَيِيتَ. ؛ فهو تَمليكٌ له، ولا تَرجِعُ إلى الواهِبِ [531] ما لم يشْترِط رُجُوعَها إليه بعد موتِه كما سيأتي. ، وهو مَذهبُ الجُمهورِ: الحَنفيَّةِ [532] ((مختصر اختلاف العلماء)) للطَّحاوي (4/146، 150)، ((شرح مختصر الطحاوي)) للجَصَّاص (4/34). ، والشَّافعيَّةِ -في الأظهَرِ- [533] ((روضة الطالبين)) للنووي (5/370). ، والحَنابِلةِ [534] ((الإقناع)) للحَجَّاوي (3/34)، ((منتهى الإرادات)) لابن النجار (3/402). ، وهو قَولُ طائفةٍ مِنَ السَّلفِ [535] قال ابنُ قُدامةَ: (العُمرى تَنقُلُ الملْكَ إلى المُعمَرِ. وبهذا قال جابرُ بنُ عبدِ الله، وابنُ عُمرَ، وابنُ عباسٍ، وشُرَيحٌ، ومجاهدٌ، وطاوسٌ، والثوريُّ). ((المغني)) (6/68). ويُنظر: ((البناية شرح الهداية)) للعَيْني (10/213). ، وبه قال ابنُ حَزمٍ [536] قال ابنُ حزمٍ: (العُمرى والرُّقبى: هِبةٌ صحيحةٌ تامَّةٌ، يَملِكُها المُعمَرُ والمُرقَبُ، كسائرِ مالِه؛ يَبيعُها إنْ شاء، وتُورَثُ عنه، ولا تَرجِعُ إلى المُعمِرِ ولا إلى وَرثتِه، سواءٌ اشترَطَ أنْ تَرجِعَ إليه أو لم يَشترِطْ، وشرْطُه لذلك ليس بشَيءٍ). ((المحلى)) (8/130).
الأدِلَّةُ:
أولًا: مِن السُّنةِ
1- عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((أمسِكُوا عليكُم أموالكُم، ولا تُفسِدوها؛ فإنَّه مَن أَعمَرَ عُمرَى، فهِيَ للذي أُعمِرَها حيًّا وميِّتًا، ولعَقِبِه )) [537] أخرجه مسلم (1625).
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ العُمرَى تَنقُلُ الأموالَ وتَذهَبُ بأموالِ النَّاسِ إلى غَيرِهم، فأخبَرَهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ الواجِبَ أنْ يكونوا على بَيِّنةٍ، وعلى بَصيرةٍ، وأنْ يُمسِكوا عليهِم أموالَهُم؛ حتَّى لا تَخرُجَ عنهم إلَّا عن عِلمٍ وعن بَصيرةٍ بانتِقالِها عنهُم [538] ((الإفهام في شرح عمدة الأحكام)) لابن باز (ص: 581).
2- عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((قَضَى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالعُمرَى أنَّها لِمَن وُهِبَت له )) [539] أخرجه البخاري (2625) واللفظ له، ومسلم (1625).
3- عن زيدِ بنِ ثابتٍ رضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((مَن أَعمَرَ شَيئًا فهُو لمُعْمَرِه مَحياهُ ومَماتَه، ولا تَرقُبوا؛ فمَن أَرقَبَ شَيئًا فهو سَبيلُه )) [540] أخرجه أبو داود (3559) واللفظُ له، والنسائي (3723)، وأحمد (21651). قال الألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (3559): (حسَنٌ صحيحُ الإسنادِ). وصحَّح الحديثَ شعيبٌ الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (3559).
وَجهُ الدَّلالةِ مِن الأحاديثِ المُتقدِّمةِ:
هذه الأحاديثُ تدُلُّ على أنَّ العُمرَى هِبةٌ صَحيحةٌ، وأنَّ شَرْطَ المُعطِي فيها حَياتَه باطِلٌ [541] ((شرح مختصر الطحاوي)) للجَصَّاص (4/35).
ثانيًا: لأنَّها تَمليكٌ للعَينِ؛ فأشبَهَتِ الهِبةَ [542] ((المغني)) لابن قُدامة (6/69).

انظر أيضا: