الموسوعة الفقهية

المطلَبُ الثَّاني: التَّسوِيةُ في الهِبةِ بيْنَ الأقاربِ غَيرِ الأولادِ والآباءِ


لا تجِبُ التَّسوِيةُ في الهِبةِ بيْنَ الأقاربِ، نصَّ عليه الشَّافعيَّةُ [404] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (6/308،  309)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (5/416). ، وبعضُ الحَنابِلةِ [405] ((المغني)) لابن قُدامة (6/54)، ((الإنصاف)) للمَرْداوي (7/104). ، وهو الظَّاهرُ مِن مَذهبِ الحَنفيَّةِ [406] الحنفيَّةُ يَرَون جوازَ تَفضيلِ بعضِ الأبناءِ إذا كان التفضيلُ لزيادةٍ في الدِّينِ، ويُكرَهُ إن كانوا سواءً، فإذا لم يُوجِبوه في الأبناءِ فمِن بابِ أَولى على الأقاربِ. ((البحر الرائق)) لابن نُجَيْم (7/288)، ((حاشية ابن عابدين)) (4/444). ، والمالِكيَّةِ [407] المالكيَّةُ يَرَون الكراهةَ في التَّفضيلِ بيْنَ الأبناءِ، فإذا لم يُوجِبوا العدلَ في الأبناءِ فمِن باب الأَولى على الأقاربِ. ((الكافي)) لابن عبد البر (2/1017)، ((كفاية الطالب الرباني لأبي الحسن المالكي مع حاشية العدوي)) (2/262). ويُنظر: ((الثمر الداني)) للآبي الأزهري (ص: 555).
الأدِلَّةُ:
أولًا: مِن السُّنةِ
عن النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ رضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((سألتْ أُمِّي أبِي بعضَ المَوهِبةِ لِي مِن مالِهِ، ثمَّ بدَا لَه فوَهَبَهَا لي، فقالَت: لا أَرضَى حتَّى تُشْهِدَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ، فأَخَذَ بيدِي وأنَا غلامٌ، فأَتَى بي النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: إنَّ أُمَّهُ بنتَ رواحَةَ سأَلَتْني بعضَ المَوهِبَةِ لهذَا، قال: ألَكَ ولَدٌ سِوَاهُ؟ قال: نعَمْ، قال: فأُرَاهُ قال: لا تُشْهِدْني شَهادةَ جَوْرٍ )) [408] أخرجه البخاري (2650).
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد عَلِمَ أنَّ لبشيرٍ زَوجةً، ولم يَأمُرْه بإعطائِها شَيئًا حينَ أمَرَه بالتَّسوِيةِ بيْنَ أولادِه، ولم يَسألْهُ: هل لك وارِثٌ غيرُ وَلدِك [409] ((المغني)) لابن قُدامة (6/54). ؟
ثانيًا: لأنَّ الأصلَ إباحةُ تَصرُّفِ الإنسانِ في مالِه كيف شاءَ، وإنَّما وجَبَتِ التَّسوِيةُ بيْنَ الأولادِ بالخبَرِ، وليس غيرُهُم في معناهُم؛ لأنَّ الأولادَ استَوَوْا في وُجوبِ بِرِّ والِدِهِم؛ فاستَوَوْا في عَطِيَّتِه، ولم يُوجَدْ هذا في غَيرِهم [410] ((المغني)) لابن قُدامة (6/54).
ثالثًا: لأنَّ الأولادَ -لشدَّةِ محبَّةِ الوالدِ لهُم، وصَرْفِ مالِه إليهِم عادةً- يَتَنافَسون في ذلك، ويَشتدُّ عليهِم تَفضيلُ بعضِهِم، وتَبرُزُ بيْنَهمُ الغَيرةُ، ولا يُبارِيهِم في ذلك غيرُهم؛ فلا يَصِحُّ قِياسُه عليهِم [411] ((المغني)) لابن قُدامة (6/54).

انظر أيضا: