الموسوعة الفقهية

المطلَبُ السابعُ: إذا وَهَب الأبُ أولادَه ثمَّ وُلِد له وَلَدٌ بعدَ موتِه


ليس للولدِ المولودِ بعْدَ موتِ أبيه الرُّجوعُ على إخوَتِه المَوهوبِ لهم، نصَّ عليه الحَنابِلةُ [356] يُستحبُّ عندَهم العدلُ بيْنَ المولودِ الحادثِ وبيْنَ إخوتِه في العطيَّةِ. ((الإنصاف)) للمَرْداوي (7/107)، ((كشَّاف القِناع)) للبُهُوتي (4/312)، ((مطالب أولي النُّهى)) للرُّحَيْباني (4/403). ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (6/61). ، وهو الظَّاهرُ مِن مَذهبِ الجُمهورِ [357] قال ابنُ قُدامةَ: (إذا فاضَلَ بيْنَ ولَدِه في العطايا، أو خصَّ بعضَهم بعطيَّةٍ، ثمَّ مات قبْلَ أنْ يَسترِدَّه؛ ثَبَتَ ذلك للمَوهوبِ له، ولَزِمَ، وليس لبَقيَّةِ الورثةِ الرُّجوعُ. هذا المنصوصُ عن أحمدَ في روايةِ محمدِ بنِ الحكمِ، والميمونيِّ، وهو اختيارُ الخلَّالِ، وصاحبِه أبي بكرٍ. وبه قال مالكٌ، والشافعيُّ، وأصحابُ الرأيِ، وأكثرُ أهلِ العلمِ). ((المغني)) (6/60). : الحَنفيَّةِ [358] يُكرَهُ عندَهم التَّفضيلُ في الهِبةِ، ويُستحَبُّ التَّسويةُ، فإنْ فضَّل بعضَهم على بعضٍ جاز مع الكراهةِ، وإنْ وهَبَ مالَه كلَّه لواحدٍ منهم، جاز قضاءً وأثِمَ الواهبُ، وهذا يعني: أنه لا يَرجِعُ على المَوهوبِ له إذا وُلِدَ للواهبِ ولَدٌ بعْدَ موتِه؛ وذلك لجوازِ التَّفضيلِ. ((البحر الرائق)) لابن نُجَيْم (7/288)، ((الفتاوى الهندية)) (4/391)، ((حاشية ابن عابدين)) (5/696). ، والمالِكيَّةِ [359] مَذهبُ المالكيَّةِ: جوازُ الهِبةِ لبعضِ الأولاد دون بعضٍ، وهذا يعني: أنه لا رُجوعَ عليهم فيمَن يُولَدُ للواهبِ بعد موتِه؛ لأنه يَجوزُ التفضيلُ. يُنظر: ((الكافي)) لابن عبد البر (2/1003)، ((الرسالة)) لابن أبي زيد القَيْرَواني (ص 118)، ((شرح مختصر خليل)) للخَرَشي (7/82). ، والشَّافعيَّةِ [360] يُسَنُّ عندَهم للوالدِ أنْ يَعدِلَ بيْنَ أولادِه في الهِبةِ، ويُسَنُّ له إذا فضَّل البعضَ أنْ يُعطِيَ الآخَرينَ مِثلَهم، وهذا يعني: أنَّه لا يَرجِعُ عليهم المولودُ بعْدَ موتِ الأبِ بشَيءٍ. ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (6/307، 308)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (5/415).
الأدِلَّةُ:
أولًا: مِنَ الآثارِ
1- عن عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها، أنَّها قالَت: (إنَّ أبا بكرٍ كانَ نَحَلها جُذاذَ عِشرين وَسْقًا مِن مالِه بالعاليةِ، فلمَّا حَضَرَتْه الوفاةُ قال: واللهِ يا بُنيَّةُ، ما مِنَ النَّاسِ أحدٌ أحبَّ إلَيَّ غِنًى بعدي مِنكِ، ولا أعزَّ علَيَّ فقرًا مِنكِ، وإنِّي كنتُ نَحَلتُك مِن مالي جُذاذَ عِشرين وَسْقًا، فلو كُنتِ جَذَذتِيه واحتَزْتِيه كانَ لكِ، فإنَّما هو اليومَ مالُ وارِثٍ، وإنَّما هو أخوكِ وأُختاكِ، فاقسِموه على كتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ... ) [361] تقدم تخريجه (ص: 377).
وَجْهُ الدَّلالةِ:
في قَولِه رضِيَ اللهُ عنه: (فلو كُنتِ جَذَذتِيه واحتَزْتِيه كانَ لكِ) دليلٌ على أنَّها لو كانَت حازَتْه لم يَكُنْ له الرُّجوعُ [362] ((المغني)) لابن قُدامة (6/61). ويُنظر: ((القبس في شرح موطأ مالك بن أنس)) لأبي بكر ابن العربي (ص: 939).
2- عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ عبدٍ القارِيِّ، أنَّ عُمرَ بنَ الخطَّابِ رضِيَ اللهُ عنه قال: (ما بالُ أقوامٍ يَنحَلون أولادَهم، فإذا ماتَ أحدُهُم قال: مالي وفي يدِي، وإذا ماتَ هو قال: كنتُ نَحلْتُه ولدِي؟! لا نِحلةَ إلَّا نِحلةٌ يَحوزُها الولدُ دونَ الوالدِ) [363] أخرجه من طرقٍ عبد الرزَّاق (16509)، وابنُ أبي شَيْبةَ (20495)، والبيهقيُّ (12305). صحَّحه الألباني في ((إرواء الغليل)) (6/69).
ثانيًا: أنَّ العطيَّةَ لَزِمَت بمَوتِ أبيه، كما لوِ انفَرَد [364] ((المغني)) لابن قُدامة (6/61).

انظر أيضا: