الموسوعة الفقهية

المبحثُ الثاني: الوَصيَّةُ بالمجهولِ


تَصِحُّ الوصيَّةُ بالمَجهولِ [379] كما لو أَوصى بجُزءٍ مِن مالِه، ولم يُبيِّنِ المِقدارَ، أو أوصى له بشاةٍ مِن غَنَمِه، أو بثَوبٍ مِن ثِيابِه، ولم يُعيِّنْ، أو قال: أعْطُوه ما شِئتُم، أو ما شاء الوصيُّ. ، وذلك باتِّفاقِ المذاهبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحنَفيَّةِ [380] ((الهداية)) للمَرْغِيناني (4/519)، ((تبيين الحقائق)) للزَّيْلَعي (4/159). ، والمالكيَّةِ [381] ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني لأبي الحسن المالكي)) (2/226). ويُنظر: ((الذخيرة)) للقَرافي (7/29). ، والشَّافعيَّةِ [382] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (7/17)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/44). ، والحنابلةِ [383] ((المبدع)) لبرهان الدِّين ابن مفلِح (6/48). ، ونقَلَ ابنُ تَيميَّةَ اتِّفاقَ الأئمَّةِ على ذلك [384] قال ابنُ تَيميَّةَ: (ولو وصَّى لمعيَّنٍ إذا فَعَلَ فِعلًا، أو وصَّى لمُطلَقٍ مَوصوفٍ؛ فكلٌّ مِن الوصيتينِ جائزٌ باتِّفاقِ الأئمَّةِ؛ فإنَّهم لا يُنازِعون في جوازِ الوَصيَّة بالمجهولِ، ولم يَتنازَعوا في جَوازِ الإقرارِ بالمجْهولِ). ((مجموع الفتاوى)) (31/320).
الأدِلَّةُ:
أولًا: مِن السُّنةِ
عن سَعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ رضِيَ اللهُ عنه، قال: ((جاءَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يَعودُني وأنا بمكَّةَ، وهو يَكرَهُ أنْ يَموتَ بالأرضِ التي هاجَرَ منها، قال: يَرحَمُ اللهُ ابنَ عَفْراءَ. قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أُوصي بمالي كلِّه؟ قال: لا. قلتُ: فالشَّطرِ؟ قال: لا. قلتُ: الثُّلثِ، قال: فالثلُثُ، والثلثُ كثيرٌ... )) [385] أخرجه البخاري (2742) واللفظُ له، ومسلم (1628).
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللهَ تَعالى جوَّزَ للمُسلمِ أنْ يُوصِيَ بثلُثِ مالِه في آخِرِ عُمرِه، وقد لا يَعرِفُ حينَئذٍ ثلُثَ هذا المالِ؛ لكثرتِه، أو غَيبتِه، أو غيرِ ذلك، فاشتِراطُ الثُّلثِ يُؤذِنُ بدُخولِ المجهولِ في المالِ الموصَى به [386] ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (3/35).
ثانيًا: لأنَّ الموصى له يَخلُفُ المَيتَ في ثلُثِه كما يَخلُفُه الوارِثُ في ثُلثَيهِ، فلمَّا جاز أنْ يَخلُفَ الوارِثُ المَيتَ في المَجهولِ؛ جاز أنْ يَخلُفَه الموصَى له في الوصيَّةِ بالمَجهولِ [387] ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/44).
ثالثًا: لأنَّها إذا صَحَّت بالمَعدومِ؛ فالمَجهولُ أَولى [388] ((المبدع)) لبرهان الدِّين ابن مفلِح (6/48).

انظر أيضا: