الموسوعة الفقهية

الفرعُ الثالثُ: بَيعُ الوقْفِ وصَرْفُه إلى غَيرِه إذا لم تَتعطَّلْ مَصلحةُ الوقْفِ كُلِّيَّةً


اختَلَفَ العُلماءُ في حُكْمِ بَيعِ الوقْفِ وصَرْفِه إلى غَيرِه إذا لم تَتعطَّلْ مَصلحةُ الوقفِ كُلِّيَّةً؛ على قولَين:
القولُ الأوَّلُ: لا يَجوزُ بَيعُ الوقفِ وصَرْفُه إلى غيرِه إذا لم تَتعطَّلْ مَصلحةُ الوقفِ كُلِّيةً، وذلك باتِّفاقِ المذاهبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحنَفيَّةِ -في الأصحِّ المختارِ عندَهم- [904] ((حاشية ابن عابدين)) (4/384)، ((الفتاوى الهندية)) (2/401). ، والمالكيَّةِ [905] لا يجوزُ عِندَهم بَيعُ المنقولِ إلَّا إذا صار لا يُنتفَعُ به، ولا يجوزُ بَيعُ العقارِ ولو خَرِبَ. ((مختصر خليل)) (ص: 213)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (4/90، 91). ، والشَّافعيَّةِ [906]((روضة الطالبين)) للنووي (5/357)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/291، 292). ويُنظر: ((البيان)) للعمراني (8/99). ، والحَنابلةِ [907] ((الإنصاف)) للمَرْداوي (7/77)، ((كشاف القناع)) للبُهُوتي (4/392).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لإدامةِ الوقْفِ في العَينِ المَوقوفةِ؛ مُراعاةً لمعْنى الوقْفِ وقصْدِ الواقفِ [908] ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/391).
ثانيًا: لأنَّه ما زال المِلْكُ فيه لحقِّ اللهِ تعالَى؛ فلا يَبطُلُ باختِلالِ الانتِفاعِ به [909] ((البيان)) للعمراني (8/99).
القولُ الثاني: يَجوزُ بَيعُ الوقفِ وصَرْفُه إلى ما هو أصلَحُ منه حتى لو لم تَتعطَّلْ مَصلحةُ الوقفِ كُلِّيةً، وهو قولُ أبي يُوسفَ مِن الحنَفيَّةِ [910] ((البحر الرائق)) لابن نُجيم (5/241)، ((حاشية ابن عابدين)) (4/388). ، ورِوايةٌ عن أحمدَ [911] ((المبدع)) لبرهان الدِّين ابن مُفلِح (5/270)، ((الإنصاف)) للمَرْداوي (7/77). ، واختارَهُ ابنُ تَيميَّةَ [912] ((مجموع الفتاوى)) (31/212)، وقد تقدَّم كلامُه. ويُنظر: ((المبدع)) لبرهان الدِّين ابن مُفلِح (5/270)، ((الإنصاف)) للمَرْداوي (7/77). ، والشَّوكانيُّ [913] قال الشَّوكانيُّ: (قد تقرَّر أنَّ الوقفَ مِلكٌ للهِ مُحبَّسٌ للانتِفاعِ به، وما كان هكذا فلا يُنظَرُ فيه إلى جانبِ الواقفِ إلَّا مِن جِهةِ العنايةِ بمَصيرِ ثوابِ وقْفِه إليه على أكمَلِ الوجوهِ وأتَّمِها، مهْما كان ذلك ممكِنًا، ومَعلومٌ أنَّ الاستِبدالَ بالشَّيءِ إلى ما هو أصلَحُ منه باعتِبارِ الغرَضِ المقصودِ مِن الوقفِ والفائدةِ المطلوبة مِن شَرعيَّتِه؛ حَسَنٌ سائغٌ شرْعًا وعقْلًا؛ لأنَّه جلْبُ مَصلحةٍ خالصةٍ عن المعارِضِ، وقد عرَّفْناك غيرَ مرَّةٍ أنَّ مَن عرَفَ هذه الشريعةَ كما يَنْبغي، وجَدَها مَبنيَّةً على جلْبِ المصالحِ ودفْعِ المفاسدِ، وهاهنا قد وُجِدَ المُقتضي؛ وهو جلْبُ المصلحةِ -بظُهورِ الأرجحيَّةِ- وانتِفاءُ المانعِ -وهو وُجودُ المفسدةِ-، فلمْ يَبْقَ شكٌّ ولا رَيبٌ في حُسنِ الاستِبدالِ). ((السيل الجرار)) (ص: 650). ؛ وذلك لأنَّ الاستِبدالَ إلى ما هو أصلَحُ منه باعتِبارِ الغرَضِ المقصودِ مِن الوَقفِ والفائدةِ المطلوبةِ مِن شَرعيَّتِه؛ حسَنٌ سائغٌ شرْعًا وعقْلًا؛ لِما فيه مِن جَلْبِ مَصلحةٍ [914] ((السيل الجرار)) للشوكاني (ص: 650).

انظر أيضا: