الموسوعة الفقهية

المطلبُ الخامسُ: الوقْفُ على القَرابةِ


إذا أُطلِقَ الوقْفُ على القرابةِ دخَلَ فيه قرابتُه مِن جِهةِ أبيهِ وأُمِّه [433] المذهبُ عندَ الحنابلةِ في لفظ القَرابةِ: لا يَدخُلُ فيه أُمُّه ولا قرابتُه مِن قِبَلِها، ويَشملُ قرابتَه مِن جهةِ أبيه بالسَّويَّةِ بيْن الذكَرِ والأنثى، ومِن أولادِه وأولادِ أبيه وجدِّه وجدِّ أبيه، ولا يَدخُلُ فيه إذا كان اختلافٌ في الدِّينِ بيْن الواقفِ والموقوفِ عليه. ((الإنصاف)) للمَرْداوي (7/65)، ((كشاف القِناع)) للبُهُوتي (4/287). ، وهذا مَذهبُ الجُمهورِ [434] على اختِلافٍ بيْنهم في تفاصيلِ ما يَشملُه لفظُ القَرابةِ: فعندَ الحنفيَّةِ: يَشملُ لفظُ القَرابةِ كلَّ مَن يُناسِبُه إلى أقصى أبٍ له في الإسلامِ مِن قِبَلِ أبيه أو مِن قِبَل أُمِّه، ولا يدخُلُ فيه أبواهُ وولدُه لصُلْبِه، ولا فرْقَ عندَهم بيْن المسلمِ والكافرِ. وعندَ المالكيَّةِ: يَشملُ لفظُ القَرابةِ مَن كان مِن جِهة أبيه وجِهة أُمِّه مطلقًا، ولا فرْقَ عندَهم بيْن المسلمِ والكافرِ. وعندَ الشافعيَّةِ: يَدخُلُ في القَرابةِ مَن كان مِن جهةِ أبيه وأُمِّه، ما خلا الأبَ والأمَّ وولَدَ الصُّلبِ. : الحنفيَّةِ [435] ((الدر المختار للحَصْكَفي وحاشية ابن عابدين)) (4/472)، ((الفتاوى الهندية)) (2/379). ويُنظر: ((فتح القدير)) لابن الهُمام (6/246). ، والمالكيَّةِ [436] ((شرح الزُّرْقاني على مختصر خليل)) (7/164)، ((الشرح الكبير)) للدَّرْدِير (4/94). ، والشافعيَّةِ [437]((فتح العزيز)) للرافعي (6/280) و(7/98)، ((روضة الطالبين)) للنووي (5/338) و(6/173). ، وقولٌ للحنابلةِ [438] ((الإنصاف)) للمَرْداوي (7/66).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِن السُّنة
عن أنسِ بنِ مالكٍ رضِيَ اللهُ عنه، قال: ((لمَّا نزَلَت هذه الآيةُ: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ[آل عمران: 92] ، قال أبو طَلحةَ: أرى ربَّنا يَسألُنا مِن أموالِنا، فأُشهِدُك يا رسولَ اللهِ أنِّي قد جعَلْتُ أرْضي بِيرُحا للهِ. قال: فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: اجعَلْها في قرابتِك. قال: فجَعَلَها في حسَّانَ بنِ ثابتٍ، وأُبيِّ بنِ كعْبٍ )) [439] أخرجه البخاري (1461)، ومسلم (998) واللفظُ له.
وَجهُ الدَّلالةِ:
قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأبي طَلحةَ: ((اجعَلْها في قَرابتِك))، فجَعَلَها في حسَّانَ بنِ ثابتٍ وأُبيِّ بنِ كعْبٍ، وهما يَجتمعانِ معه في قرابةٍ بعيدةٍ؛ في الجَدِّ السابعِ [440] ((شرح النووي على مسلم)) (7/86)، ((نخب الأفكار)) للعَيْني (16/204).
عن عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((لمَّا نزَلَت هذهِ الآيةُ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ[الشعراء: 214] ، قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: يا صفيَّةُ بنتَ عبدِ المطَّلبِ، يا فاطمةُ بنتَ محمَّدٍ، يا بَني عبدِ المطَّلبِ، إنِّي لا أملِكُ لكُم منَ اللهِ شيئًا، سَلُوني مِن مالي ما شِئتُمْ )) [441] أخرجه مسلم (205).
وَجهُ الدَّلالةِ:
فيه دليلٌ على أنَّ جميعَ مَن ناداهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُطلَقُ عليهم لفظُ الأقربينَ؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فعَل ذلك مُمتثلًا لقولِه تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ[الشعراء: 214] [442] ((نيل الأوطار)) للشَّوْكاني (6/36).
ثانيًا: لأنَّ الاسمَ واقعٌ على قَرابتِه مِن جِهةِ أبيهِ وأُمِّه لُغةً وعُرفًا [443] ((الكافي)) لابن قُدامة (2/257).

انظر أيضا: