الموسوعة الفقهية

الفرْعُ الأولُ: الوقْفُ على غَيرِ الوارِثِ في المرَضِ المَخُوفِ [279] ألْحَقَ بعضُ العلماءِ بالمرضِ المَخوفِ بعضَ الحالاتِ، قال ابنُ قُدامةَ: (ويَحصُلُ الخوفُ بغيرِ ما ذكَرْناه في مواضعَ خمسةٍ تقومُ مقامَ المرضِ؛ أحدُها: إذا الْتحَمَ الحربُ، واختلَطَت الطَّائفتانِ للقتالِ، وكانت كلُّ طائفةٍ مُكافئةً للأخرى أو مَقهورةً وبه قال مالكٌ، والأَوْزاعيُّ، والثَّوْريُّ، ونحوُه عن مكحولٍ، وعن الشافعيِّ قولانِ؛ أحدُهما: كقولِ الجماعةِ والثاني: ليس بمَخوفٍ؛ لأنَّه ليس بمريضٍ الثانية: إذا قدِمَ ليُقتَلَ، فهي حالةُ خوفٍ، سواءٌ أُريدَ قتْلُه للقِصاصِ، أو لغيرِه وللشافعيِّ فيه قولانِ؛ أحدُهما: أنه مَخوفٌ والثاني: إن جُرِح فهو مَخوفٌ، وإلَّا فلا؛ لأنَّه صحيحُ البدَنِ، والظاهرُ العفْوُ عنه الثالثةُ: إذا ركِبَ البحرَ؛ فإنْ كان ساكنًا فليس بمَخوفٍ، وإنْ تموَّجَ واضْطَرب وهبَّتِ الرِّيحُ العاصفُ، فهو مَخُوفٌ الرابعةُ: الأسيرُ والمحبوسُ، إذا كان مِن عادتِه القتلُ، فهو خائفٌ، عطيَّته مِن الثُّلثِ، وإلَّا فلا وهذا قولُ أبي حنيفةَ، ومالكٍ، وابنِ أبي ليلى، وأحدُ قَوْلَيِ الشافعيِّ وقال الحسَنُ لمَّا حبَس الحَجَّاجُ إياسَ بنَ معاويةَ: ليس له مِن مالِه إلَّا الثُّلُثُ والصحيحُ -إن شاء اللهُ- ما ذكَرْنا مِن التفصيلِ) ((المغني)) (6/204- 206)


يصِحُّ الوقْفُ لغَيرِ الوارِثِ في المرَضِ المَخُوفِ في حُدودِ الثُّلثِ، أو ما يَزيدُ عليه إذا أقرَّ الورَثةُ الزِّيادةَ، وذلك باتِّفاقِ المذاهبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحنفيَّةِ [280] ((الهداية)) للمَرْغِيناني (3/16)، ((الفتاوى الهندية)) (2/451)، ((حاشية ابن عابدين)) (4/396). ، والمالكيَّةِ [281] ((التاج والإكليل)) للمَوَّاق (6/26)، ((شرح الزُّرْقاني على مختصر خليل)) (7/145)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (4/102)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (6/310). ، والشافعيَّةِ [282] ((روضة الطالبين)) للنووي (6/110)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/377)، ((حاشيتا قليوبي وعميرة)) (3/102). ، والحنابلةِ [283] ((الإقناع)) للحَجَّاوي (3/35)، ((كشاف القِناع)) للبُهُوتي (4/312). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [284] قال ابن قُدامةَ: (الوقفُ في مرضِ الموتِ بمنزلةِ الوصيَّةِ في اعتبارِه مِن ثُلثِ المالِ؛ لأنَّه تبرُّعٌ، فاعتُبِرَ في مرضِ الموتِ مِن الثُّلثِ، كالعِتقِ والهِبَةِ، وإذا خرَج مِن الثُّلثِ جاز من غيرِ رِضا الورَثةِ ولَزِم، وما زاد على الثُّلثِ لَزِمَ الوقفُ منه في قدْرِ الثُّلثِ، ووقفَ الزائدُ على إجازةِ الورثةِ. لا نَعلَمُ في هذا خلافًا عندَ القائلينَ بلُزومِ الوقفِ). ((المغني)) (6/25).
الأدِلَّةُ:
أولًا: مِن السُّنةِ
عن عامرِ بنِ سعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ، أنَّ أباهُ رضِيَ اللهُ عنه قال: ((عادَنِي النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حَجَّةِ الوَداعِ، مِن وجَعٍ أشْفَيْتُ منه علَى المَوْتِ، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، بَلَغَ بي مِنَ الوَجَعِ ما تَرَى، وأنا ذُو مالٍ، ولا يَرِثُنِي إلَّا ابْنَةٌ لي واحِدَةٌ، أفَأَتَصَدَّقُ بثُلُثَيْ مالِي؟ قالَ: لا قُلتُ: أفَأَتَصَدَّقُ بشَطْرِهِ؟ قالَ: لا. قُلتُ: فالثُّلُثِ؟ قالَ: والثُّلُثُ كَثِيرٌ... )) [285]أخرجه البخاري (4409) واللفظُ له، ومسلم (1628).
وَجهُ الدَّلالةِ:
دلَّ هذا الحديثُ بنصِّه على جَوازِ الوصيَّةِ في مرَضِ الموتِ المَخوفِ بشرْطِ ألَّا يَزيدَ على الثُّلثِ [286] ((المغني)) لابن قُدامة (6/192).
ثانيًا: لأنَّ حقَّ الورَثةِ تعلَّقَ بالمالِ بوُجودِ المرضِ، فمُنِعَ التبرُّعُ بزِيادةٍ على الثُّلثِ، كالعَطايا والعِتقِ [287]((المغني)) لابن قُدامة (6/25).

انظر أيضا: