الموسوعة الفقهية

المطلبُ الأولُ: وقْفُ المفلِسِ قبْلَ الحَجْرِ عليه


لا يصِحُّ الوقْفُ إذا كان على الواقفِ دَينٌ مُستغرِقٌ للوَقفِ، ولو كان قبْلَ الحَجْرِ عليه، وهو روايةٌ عن أحمدَ اختارَها ابنُ تيميَّةَ [200] قال ابنُ تيميَّةَ: (ومَن ضاق مالُه عن دُيونِه صار مَحجورًا عليه بغيرِ حُكمِ حاكمٍ بالحَجرِ، وهو روايةٌ عن أحمدَ). ((الفتاوى الكبرى)) (5/398). وقال ابنُ مُفلِح: (وتصرُّفُه قبْلَ الحَجرِ نافذٌ، نُصَّ عليه، مع أنَّه يَحرُمُ إنْ أضَرَّ بغريمِه، ذكَره الآدميُّ البغداديُّ. وقيل: لا يَنفُذُ، ذكَره شيخُنا واختارَه، وذكَره أيضًا روايةً). ((الفروع)) (6/464). ، وهو اختيارُ ابنِ القيِّمِ [201] قال ابنُ القيِّم: (إنِ استغَرَقت الدُّيونُ مالَه لم يصِحَّ تبرُّعُه بما يَضُرُّ بأربابِ الدُّيونِ، سواءٌ حجَر عليه الحاكمُ أو لم يَحجُرْ عليه، هذا مذهبُ مالكٍ واختيارُ شَيخِنا. وعندَ الثلاثةِ: يصِحُّ تصرُّفُه في مالِه قبْلَ الحجْرِ بأنواعِ التصرُّفِ. والصَّحيحُ هو القولُ الأوَّلُ). ((إعلام الموقعين)) (4/8). ، وابنِ عُثيمين [202] قال ابن عُثيمين: (إنَّ المَدينَ إذا كان قد حُجِر عليه، فإنَّ وقْفَه لا يصِحُّ، لكنْ إذا لم يُحجَرْ عليه وأوقَفَ، وكان عليه دَينٌ يَستغرِقُ الوقفَ؛ فظاهرُ كلامِ المؤلِّفِ: أنَّ الوقفَ لازِمٌ. والقولُ الثاني -وهو الراجحُ-: أنَّ الوقفَ في هذه الصورةِ ليس بلازِمٍ، ولا يجوزُ تَنفيذُه؛ لأنَّ قضاءَ الدَّينِ واجبٌ، والوقْفَ تطوُّعٌ، ولا يَجوزُ أن نُضيِّقَ على واجبٍ لِتَطوُّع، وهذا اختيارُ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميَّةَ رحمه الله. فإنْ طرَأ الدَّينُ بعْدَ الوقفِ -كما لو وقَف بَيتَه، ثمَّ افتقَر واستدانَ- فهل يَنفسِخُ الوقفُ، أو نقولُ: إنَّه لا ينفسِخُ؛ لأنَّه تمَّ بدون وُجودِ المانعِ فيَستمِرُّ؟ الأقربُ الثاني، وقال شيخُ الإسلامِ رحمه الله: له أن يَبيعَه في دَينِه؛ لأنَّ هذا ليس أشَدَّ مِن المدبَّرِ، وهو العبدُ الذي عُلِّق عتْقُه بموتِ سيِّدِه، وقد باعه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الدَّينِ، لكنِ الأرجحُ الأوَّلُ، يعني: أنَّه إذا حدَث الدَّينُ بعد الوقفِ فإنَّ الوقفَ يَمضي، والدَّينُ يُيسِّرُ الله أمْرَه). ((الشرح الممتع)) (11/58). وقال: (الراجحُ أنَّ الإنسانَ الذي عليه دَينٌ يَستغرِقُ مالَه، فإنَّه إذا أوقَف شيئًا مِن مالِه لا يصِحُّ). ((الشرح الممتع)) (11/27).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ مالَه تعلَّقَ به حقُّ الغُرماءِ [203] ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (1/27).
ثانيًا: لأنَّ وفاءَ الدَّينِ واجبٌ، والوقْفَ سُنَّةٌ، ولا يُمكِنُ أنْ تَقوى سُنَّةٌ على إسقاطِ واجبٍ [204]((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (1/28).

انظر أيضا: