الموسوعة الفقهية

المَطلبُ الأوَّلُ: العجزُ عن النَّذرِ عَجزًا دائمًا


مَن عجَزَ عن النَّذرِ بعَجزٍ بدَنيٍّ دائمٍ تَلزَمُه الكفَّارةُ في الجُمْلة [264] على اختلافٍ بيْنهم في نوعِ الكفَّارةِ. ، وذلك باتِّفاقِ المذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّةِ [265] نَصَّ الحَنفيَّةُ على أنَّ مَن عجَزَ عن الصَّومِ عليه أنْ يُطعِمَ لكلِّ يَومٍ نِصفَ صاعٍ مِن بُرٍّ أو قيمتَه. ((المبسوط)) للسَّرَخْسي (8/118)، ((البحر الرائق)) لابن نُجَيم (2/308)، ((مراقي الفلاح)) للشُّرُنْبُلالي (ص: 259). ، والمالكيَّةِ [266] نصَّ المالكيَّةُ على أنَّ النَّذرَ إنْ كان مُعَيَّنًا، كالحجِّ والعُمرةِ، وفاتَ وقْتُه بالعجزِ؛ فلا شَيءَ عليه، وإنْ كان النَّذرُ مُطلَقًا فهو في ذِمَّتِه. ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبد البر (1/458)، ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (4/296)، ((شرح الزُّرقاني على مختصر خليل)) (3/175)، ((الفواكه الدواني)) للنَّفَراوي (2/932)، ((منح الجليل)) لعُلَيْش (3/116). ، والشافعيَّةِ [267] نصَّ الشافعيَّةُ على أنَّ مَن عجَزَ عن الصيامِ فعليه المُدُّ عن كلِّ يَومٍ، ومَن عجَزَ عن الحجِّ يَستنيبُ غيرَه ولو بأُجرةٍ، ومَن عجَزَ عن الحجِّ المُعَيَّنِ بوقتٍ ولم يتمكَّنْ مِن وفائِه حتى مضى إمكانُ الحجِّ في تلك السَّنةِ فلا يَلزَمُه القضاءُ. ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (10/89) و(3/439)، ((مغني المحتاج)) للشِّرْبِيني (4/364) و(1/440). ، والحنابِلةِ [268] نصَّ الحنابِلةُ على أنَّ مَن عجَزَ عن الصلاةِ فعليه كفَّارةُ اليمينِ فقط، ومَن عجَزَ عن الحجِّ يُنيبُ مَن يَحُجُّ عنه أو يأتي بما يُطيقُ ويُكَفِّرُ، ومَن عجَزَ عن الصيامِ إنْ كان العَجزُ لا يُرجى بُرؤُه أطعَمَ عن كلِّ يَومٍ مِسكينًا وكفَّرَ كفَّارةَ اليمينِ، وإنْ كان يُرجى بُرؤُه انتظَرَ زَوالَه ولا تَلزَمُه الكفَّارةُ. ((الإنصاف)) للمَرْداوي (11/110)، ((الإقناع)) للحَجَّاوي (4/362)، ((كشاف القناع)) للبُهُوتي (6/282).
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّةِ:
عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((جاء رجُلٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رسولَ اللهِ، إنَّ أُختي نذَرَتْ -يعني: أنْ تَحُجَّ ماشيةً- فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:إنَّ اللهَ لا يَصنَعُ بشَقاءِ أُختِكَ شَيئًا، فلتَحُجَّ راكبةً، ولْتُكفِّرْ عن يَمينِها )) [269] أخرجه أبو داود (3295) واللَّفظُ له، وأحمد (2828). صحَّحه الطَّحاويُّ في ((شرح معاني الآثار)) (3/130)، وقال الشَّوْكاني في ((نيل الأوطار)) (9/145): رجاله رجالُ الصحيح. وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (4/298)، وقوَّى سندَه ابنُ باز في ((حاشية بلوغ المرام)) (743)، وحسَّن الحديثَ شعيبٌ الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (2828). وفي روايةٍ: ((أنَّ أُختَ عُقْبةَ بنِ عامِرٍ نذَرَتْ أنْ تَمشيَ إلى البَيتِ، فأمَرَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ تَركَبَ وتُهديَ هَدْيًا))، وفي لفظٍ: ((بَدَنةً )) [270] أخرجه أبو داود (3296) و (3303) واللَّفظُ له، ، وأحمد (2134). صحَّح إسنادَه النووي في ((المجموع)) (8/490)، وصحَّح الحديثَ ابنُ دقيقِ العيدِ في ((الاقتراح)) (100)، وجوَّد إسنادَه ابنُ كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/374)، وقال الهَيْثَميُّ في ((مجمع الزوائد)) (4/191): رجاله رجالُ الصحيح. وصحَّح إسنادَه ابنُ حجَرٍ في ((التلخيص الحبير)) (4/1547)، وذكر ثبوتَه الصَّنْعانيُّ في ((سُبُل السلام)) (4/173) وقال: قيل: وهو على شرط الشيخين. وقال الشَّوْكانيُّ في ((نيل الأوطار)) (9/145): رجاله رجالُ الصحيح. وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (4/14)، وقال ابن باز في ((حاشية بلوغ المرام)) (743): سندُه جيِّدُ لولا عنعنةُ قَتادةَ، وروايةُ كفَّارةِ اليمينِ أثبَتُ. وصحَّح الحديثَ الألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (3296)، وصحَّح إسنادَه على شرط البخاريِّ: شعيبٌ الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (2134).
وَجهُ الدَّلالةِ:
في قولِه: ((فلتَحُجَّ راكِبةً، ولْتُكَفِّرْ عن يمينِها)) فأَسقَطَ عنها ما نذرَتْ للعجزِ، وأَوجَبَ عليها الكفَّارةَ؛ فدَلَّ على تعلُّقِ النَّذرِ بذِمَّتِها [271] ((المفاتيح في شرح المصابيح)) للمُظْهِري (4/182).

انظر أيضا: