الموسوعة الفقهية

الفَصلُ الثَّاني: الوَصِيَّةُ للزَّوجةِ والزَّوجِ والوالِدَينِ والأولادِ والوَرَثةِ من الأقارِبِ


تَحرُمُ الوَصِيَّةُ للوَرَثةِ؛ كالزَّوجِ والزَّوجةِ، والوالِدَينِ، والأولادِ، ومَن يرِث مِن الأقاربِ [1535]   فإن أجازها الورثَةُ فقد نُقِل الإجماع على جوازها، كما سيأتي، ونُقِل عن بعْضِ العُلماء عدمُ جواز الوصيَّة للوارِث أجازها الورَثَةُ أمْ لا؛ وفي ذلك يقول ابن عبد البرِّ: (قال المُزَني، وداود ابنُ عليٍّ، وجماعةُ أهلِ الظَّاهِرِ: لا تجوزُ الوَصِيَّةُ للوارِثِ أجازها الوَرَثةُ أو لا؛ لأنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «لا وَصِيَّة لوارِثٍ»، ولم يَقُلْ: إلَّا أن يجيزَها الوَرَثةُ، وحَسْبُهم أن يُعطوه مِن أموالهم ما شاؤوا. وقال المُزَني: إنَّما مُنِعَ الوارِثُ مِنَ الوَصِيَّةِ؛ لئلَّا يأخُذَ مالَ الميِّتِ مِن وجهَينِ مختَلِفَينِ). ((الاستذكار)) (7/267).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن أبي أُمامةَ قال: سَمِعتُ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((إنَّ اللهَ قد أعطى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّه، فلا وَصِيَّةَ لوارِثٍ )) [1536]   أخرجه أبو داود (2870)، والترمذي (2120)، وابن ماجه (2713)، وأحمد (22294). قال الترمذي: حسن صحيح. وحَسَّنه الإمام أحمد كما في ((بلوغ المرام)) لابن حجر (286)، وابن عبد البر في ((التمهيد)) (24/439)، وابن الملقِّن في ((البدر المنير)) (7/263)، وابنُ حجر في ((موافقة الخُبْر الخَبَر)) (2/315)، وصَحَّحَه الذهبي في ((تنقيح التحقيق)) (2/157)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (2713).
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نقَلَ الإجماعَ على ذلك [1537]   الإجماعُ هنا على تحريمِ الوَصِيَّةِ للوارِثِ إذا لم يُجِزْها الوَرَثةُ. : ابنُ المنذِرِ [1538]   قال ابنُ المنذرِ: (أجمع كُلُّ من نحفَظُ عنه من عُلماءِ الأمصارِ؛ من أهلِ المدينةِ، وأهلِ مكَّةَ، وأهلِ الكوفة، والبصرة، وأهل الشَّام، ومصر، وسائِرِ العُلَماءِ مِن أهل الحديثِ، وأهل الرأي: على أنْ لا وَصِيَّةَ لوارثٍ إلَّا أن يجيزَ ذلك الوَرَثةُ). ((الأوسط)) (8/22). وقال: (أجمعوا على أنَّه لا وَصِيَّةَ لوارثٍ إلَّا أن يجيزَ ذلك الوَرَثةُ). ((الإجماع)) (ص: 76). ونقله عنه ابنُ قدامة في ((المغني)) (6/141). ، وابنُ عبدِ البَرِّ [1539]   قال ابن عبد البر: (هذا إجماعٌ مِن عُلَماءِ المسلمينَ أنَّه لا وَصِيَّةَ لوارثٍ). ((الاستذكار)) (7/263). وقال: (أجمع العُلماءُ على القَولِ بأنْ لا وَصِيَّةَ لوارثٍ، وعلى العَمَلِ بذلك؛ قَطعًا منهم على صِحَّةِ هذا الحديثِ، وتلقِّيًا منهم له بالقَبولِ، فسقَطَ الكلامُ في إسنادِه). ((الاستذكار)) (7/265). ونقله عنه ابن قدامة في ((المغني)) (6/141). ، وابنُ رُشدٍ [1540]   قال ابن رشد: (أمَّا الموصَى له فإنَّهم اتَّفَقوا على أنَّ الوَصِيَّةَ لا تجوزُ لوارثٍ... وأجمعوا -كما قلنا- أنَّها لا تجوزُ لوارثٍ إذا لم يُجِزْها الوَرَثةُ). ((بداية المجتهد)) (4/119). ، وابنُ قُدامةَ [1541]   قال ابنُ قدامة: (إذا وصَّى لوارِثِه بوَصِيَّةٍ فلم يُجِزْها سائِرُ الوَرَثةِ، لم تَصِحَّ بغير خلافٍ بينَ العلماءِ). ((المغني)) (6/141). ، وابنُ تيميَّةَ [1542]   قال ابنُ تيمية: (قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عامَ حَجَّةِ الوَداعِ: «إنَّ اللهَ قد أعطى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّه، فلا وَصِيَّةَ لوارِثٍ». رواه أهل السُّنَنِ؛ كأبي داود وغيره، ورواه أهلُ السِّيَر، واتَّفَقَت الأمَّةُ عليه). ((منهاج السنة)) (4/203). وقال: (لو صَرَّح الوصيُّ بتخصيصِ بعضِ الوَرَثةِ بالمالِ، لم يجُزْ ذلك بدونِ إجازةِ الباقينَ، باتِّفاقِ الأئمَّةِ). ((مجموع الفتاوى)) (30/393). ، والشَّوكانيُّ [1543]   قال الشوكاني عن حديثِ: ((لا وَصِيَّةَ لوارثٍ)): (الحُجَّةُ في هذا إجماعُ العُلَماءِ على مقتضاه، كما صَرَّح به الشافعيُّ وغيرُه). ((نيل الأوطار)) (6/50).
ثالثًا: لأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم منَعَ مِن عطيَّةِ بَعضِ ولَدِه، وتفضيلِ بَعضِهم على بعضٍ، في حالِ الصِّحَّةِ، وقُوَّةِ المِلكِ، وإمكانِ تلافي العَدلِ بينهم بإعطاءِ الذي لم يُعْطِه فيما بعدَ ذلك؛ لِما فيه من إيقاعِ العداوةِ والحَسَدِ بينهم؛ ففي حال موتِه أو مَرَضِه، وضَعفِ مِلكِه، وتعَلُّقِ الحُقوقِ به، وتعَذُّرِ تلافي العَدلِ بينهم: أَولى وأَحرى [1544]   ((المغني)) لابن قدامة (6/141).
رابعًا: أنَّ الوَصِيَّةَ للوَرَثةِ بَيعٌ لحَقِّ الوَرَثةِ، فإذا أجازوا الوَصِيَّةَ فقد أجازوا حَقَّهم [1545]   ((بداية المجتهد)) لابن رشد (4/119). وهذا الدَّليلُ خاصٌّ بجوازِها إذا أجازها الوَرَثةُ.

انظر أيضا: