الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الخامِسُ: إعطاءُ بَعضِ الوَرَثةِ هِبةً دونَ بَعضٍ


يجوزُ أن يُعطِيَ الشَّخصُ مِن مالِه ما شاء لبَعضِ الوَرَثةِ، إذا كان في صِحَّتِه وغيرَ مَريضٍ مَرَضَ الموتِ، على ألَّا يُفَضِّلَ أحَدَ أولادِه على أحدٍ، نَصَّ عليه ابنُ باز [1480]   قال ابن باز: (إذا كان أوصى بالمالِ لبناتِه أو لبَعضِ ورَثتِه، فالوصيَّةُ باطلةٌ؛ لأنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «إنَّ الله قد أعطى كلَّ ذي حَقٍّ حَقَّه؛ فلا وَصيَّةَ لوارِثٍ»... أمَّا إن كان قد أعطاهم في الصِّحَّةِ، قد أعطى بناتِه في صِحَّتِه وسلامتِه، وليس له أولادٌ آخَرونَ، بل بناتٌ فقط، أو أعطى أولادَه جميعًا وسَوَّى بينهم في صِحَّتِه، قَسَم بينهم: فإنَّ هذا نافِذٌ، وليس لأحدٍ الاعتراضُ عليه ما دام في الصِّحَّةِ، ما هو في المَرَضِ، وليس وصيَّةً، إذا كان مثلًا في صِحَّتِه عِندَه بِنتانِ وولَدٌ، فأعطاهم أراضيَ، أعطاهم بيوتًا أو نقودًا قسَّمَها بينهم؛ فلا بأسَ، وعَدَلَ بينهم، لا حَرَجَ، للذَّكَرِ مِثلُ حَظِّ الأُنثَيينِ، أو له زوجةٌ وأعطاها في صِحَّتِه بَيتًا، أو أعطاها أرضًا، أو سيارةً؛ لا بأس، أو أعطى بعضَ أقارِبِه الوارثينَ، أعطى إخوتَه الوَرَثةَ في صِحَّتِه؛ فلا بأسَ). ((فتاوى نور على الدرب)) (19/424). وورد إليه أيضًا سؤالٌ جاء فيه: أنا متزوِّجٌ امرأةً صالحةً، ولم يرزُقْني اللهُ منها بولَدٍ، وقد أكَّد الأطبَّاءُ على عدَمِ قُدرتِها على الإنجابِ، ولا أملِكُ غيرَ البيتِ الذي نسكُنُ فيه، فهل يمكِنُني أن أُسَجِّلَ البيتَ الذي نسكُنُ فيه باسمِها حتى يكونَ عَونًا لها في حياتِها، أم أنَّ هذا محرَّمٌ؟ عِلمًا بأنَّها زوجتي الوحيدةُ، ولا أنوي الزواجَ مرَّةً أخرى، ولي سِتَّةٌ مِن الإخوةِ والأخواتِ. فأجاب: (لا حرجَ في ذلك إذا أعطيتَها بَيتَك، سجَّلْتَه باسمِها في صِحَّتِك، فلا بأس، أمَّا في حالةِ المرَضِ فلا). ((فتاوى نور على الدرب)) (19/378). ، وابنُ عُثيمين [1481]   قال ابن عثيمين: (إذا أوصى شخصٌ لأحَدِ ورثتِه بزائدٍ على ميراثِه، فقد تعدَّى حدودَ اللهِ، أمَّا إذا كَتَبَت المنزِلَ لأولادِها في حياتِها؛ بأن وهبَتْه لهم في حياتِها دون زوجِها، فإنَّ هذا لا بأسَ به إذا كانت حينَ الهبةِ صَحيحةً غيرَ مريضةٍ مَرَضَ الموتِ المَخُوفِ؛ فإنَّ هِبتَها لأولادِها مَنزِلَها دونَ زَوجِها: هِبةٌ صَحيحةٌ). ((فتاوى نور على الدرب)) (9/313). وقال في جوابٍ عن سؤال آخرَ: (هذه المرأةُ -كما قال السَّائِلُ- وَرِثَت من أبيها ثمَّ أعطَت أخاها جميعَ ما وَرِثَته من أبيها، وأحَدُ أبنائِها يسألُ: هل هذه العطيَّةُ جائزةٌ، فنقولُ: إذا كانت هذه العطيَّةُ في حالِ صِحَّتِها فإنَّها جائزةٌ؛ فلها أن تتصَرَّفَ في مالِها بما شاءت غيرَ أنَّها لا تفَضِّلُ أحدًا من أولادِها على أحدٍ، أمَّا أن تعطِيَ أخاها أو أحدًا من أقاربِها سِوى أولادِها، فلها الحَقُّ في ذلك، ولا أحَدَ يمنَعُها منه... أمَّا إذا كانت أعطت أخاها هذا الميراثَ التي ورِثَتْه من أبيها، في مَرَضِ مَوتِها المَخُوفِ أو ما في حُكمِه، فلا؛ فإنَّه ليس لها أن تتصَرَّفَ فيما زاد على الثُّلُثِ، فإن كان إرثُها من أبيها أكثَرَ مِن ثُلُثِ مالِها، فإنَّه يتوقَّفُ على إجازةِ الوَرَثةِ، وأمَّا إذا كان أقَلَّ مِن ثُلُثِ مالِها عند موتِها، فإنَّ عَطيَّتَها تامةٌ). ((فتاوى نور على الدرب)) (9/313). ،  وبه أفتتِ اللَّجنةُ الدَّائمةُ [1482]   ورد على اللَّجنةِ الدَّائمةِ السُّؤالُ التالي: أريدُ أن أهَبَ الثُّلُثَ ممَّا أملِكُ لزوجتي مقابِلَ تفانيها والسَّهرِ على خِدمتي، فهل يجوزُ لي ذلك؟ فأجابت اللَّجنةُ: (يجوزُ لك أن تهَبَ لزَوجتِك ما ذكَرْتَ هِبةً مُنجَزةً في حياتِك؛ لِقاءَ إحسانِها إليك وخِدمتِها لك). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (16/187). ؛ وذلك لأنَّ الأصلَ إباحةُ تصَرُّفِ الإنسانِ في مالِه كيف شاء، وإنَّما وَجَبَت التَّسويةُ بين الأولادِ بالحَديثِ، وليس غيرُهم في معناهم [1483]   ((المغني)) لابن قدامة (6/54). ويُنظر: ((فتاوى نور على الدرب)) لابن عثيمين (9/313).

انظر أيضا: