الموسوعة الفقهية

الفَصلُ الرَّابِعُ: التَّسويةُ بينَ الأولادِ في الوَقفِ


اختلف العُلَماءُ في حُكمِ التَّسويةِ بين الأولادِ في الوَقفِ؛ على قَولَينِ: القول الأول: لا تجِبُ التَّسويةُ بينَ الأولادِ في الوَقفِ، وذلك باتِّفاقِ المذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [1410]   المفتى به عند الحَنَفيَّةِ: جوازُ التَّفضيلِ إذا كان لزيادةِ فَضلٍ في الدِّينِ، ويُكرَهُ إن كانوا سواءً في الدِّينِ إذا لم يقصِدِ الإضرارَ. ((المبسوط)) للسرخسي (12/50)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (7/288)، ((الدر المختار وحاشية ابن عابدين)) (4/444، 445). ، والمالِكيَّةِ [1411]   ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (4/87)، ((كفاية الطالب الرباني مع حاشية العدوي)) (4/87). ويُنظر: ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (4/105). ، والشَّافِعيَّةِ [1412]   ((روضة الطالبين)) للنووي (5/339)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (6/247). ، والحَنابِلةِ [1413]   عند الحَنابِلة: إذا كان لأَثَرةٍ -بأنْ لم يكُنْ لغَرَضٍ شَرعيٍّ- كُرِه؛ لأنَّه يؤدِّي إلى التقاطُعِ بينهم، أمَّا إذا كان لغَرَضٍ شَرعيٍّ، كالمُشتغِلِ بالعِلمِ، أو المريضِ، فيجوزُ؛ لأنَّه لغَرَضٍ مَقصودٍ شَرعًا. ((الإقناع)) للحجاوي (3/23)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (4/284).  
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الآثارِ
عن عبدِ اللهِ بنِ الزُّبَيرِ رضي الله عنه: (أنَّه وَقَف على وَلَدِه، وجعل للمَردودةِ مِن بناتِه أن تَسكُنَ غيرَ مُضِرَّةٍ ولا مُضَرٍّ بها، فإذا استغنَتْ بزوجٍ فلا حَقَّ لها فيه ) [1414]   أخرجه البخاريُّ مُعلَّقًا بصيغةِ الجَزمِ قبل حديث (2778)، وأخرجه موصولًا الدارمي (3300) واللفظ له، والبيهقي (12281). صَحَّحه الألباني في ((إرواء الغليل)) (1595).
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ ابنَ الزُّبَيرِ رضي الله عنه خَصَّ بعضَ أولادِه بصَدَقةٍ زائدةٍ عنهم [1415]   ((المغني)) لابن قدامة (6/18).
ثانيًا: لأنَّ ابتداءَ الوَقفِ مُفَوَّضٌ إليه، فكذلك تفضيلُه وترتيبُه [1416]   ((المغني)) لابن قدامة (6/18). القول الثاني: تجب التَّسويةُ بينَ الأولادِ في الوَقفِ [1417]   كالتَّسويةِ بين الأبناءِ فيما بينهم، والتَّسويةِ بين البنينَ والبَناتِ. ، نَصَّ عليه بعضُ الحَنَفيَّةِ [1418]   ((الدر المختار للحصكفي وحاشية ابن عابدين)) (4/444). ، وحكاه ابنُ حَجَرٍ  الهيتمي عن جَمعٍ من العُلمَاء [1419]   قال ابن حجر الهيتمي: (إن لم يعْدِل لغير عُذر كُرِه عند أكثر العلماء، وقال جمْعٌ: يحرُم). ((تحفة المحتاج)) الهيتمي (6/307). ، واختاره ابنُ حَزمٍ [1420]   قال ابن حزم: (التَّسويةُ بين الولَدِ فَرضٌ في الحَبسِ؛ لِقَولِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((اعدِلوا بين أبنائِكم))، فإن خَصَّ به بعضَ بَنيه فالحَبسُ صَحيحٌ، ويدخُلُ سائِرُ الولَدِ في الغَلَّةِ والسُّكنى مع الذي خَصَّه). ((المحلى)) (8/159). ، وابنُ باز [1421]   قال ابنُ باز: (إذا وقَفَ على الذُّكورِ دونَ الإناثِ، قال: هذا على بنيَّ دون بناتي، فهذا لا يجوزُ؛ هذا وقفٌ مُحرَّمٌ بلا شكٍّ؛ لأنَّه ظُلمٌ وليس بعَدلٍ، والنبيُّ عليه السَّلامُ قال: ((اتَّقوا اللهَ واعدِلوا بينَ أولادِكم)) والذي يُوقِفُ مِلكَه أو بعضَ مِلكِه على أولادِه الذُّكورِ دونَ بناتِه: هذا وَقفٌ لا يصِحُّ على الصَّحيحِ مِن أقوالِ أهلِ العِلمِ، بل يجِبُ نَقضُه). ((فتاوى نور على الدرب)) (19/360). ، وابنُ عُثيمين [1422]   قال ابنُ عثيمين: (لا يجوزُ له أن يَخُصَّ الوقفَ ببَنيه؛ لأنَّه إذا فعل ذلك دخَلَ في قَولِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «اتَّقوا اللهَ واعدِلوا بين أولادِكم»، فيكونُ بهذا العملِ غيرَ مُتَّقٍ لله تعالى، وسمَّى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تخصيصَ بَعضِ الأبناءِ جَورًا، فقال: ((لا أَشهَدُ على جَورٍ))، ولا شَكَّ أنَّ مَن وقف على بَنِيه دونَ بناتِه أنَّه جَورٌ). ((الشرح الممتع)) (11/48). وقال: (لا يجوزُ للأبِ أن يتصَرَّفَ هذا التصَرُّفَ ويُفَضِّلَ بعضَ أولادِه على بعضٍ؛ وذلك لأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال حينما أخبَرَه بَشيرُ بنُ سَعدٍ بأنَّه نحَلَ ابنَه النُّعمانَ نِحلةً، قال له عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: «أفعلْتَ ذلك بولَدِك كُلِّهم؟ قال: لا. فقال النبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: اتَّقوا اللهَ واعدِلوا بين أولادِكم» فعطيَّةُ الأبِ لأولادِه الذكورِ والإناثِ يجِبُ أن تكونَ على سبيلِ العَدلِ؛ فإذا أعطى الذَّكرَ سَهمَينِ أعطى الأنثى سَهمًا، وإذا أعطاها سَهمًا أعطاه سَهمَينِ، أمَّا أن يحابيَ أحَدَهم دون الآخَرِ، فإنَّ هذا حرامٌ عليه ولا يصِحُّ). ((فتاوى نور على الدرب)) (9/304). ، وبه أفتَت اللَّجنةُ الدَّائِمةُ [1423]   جاء في فتاوى اللَّجنةِ الَّدائِمةِ: (لا يجوزُ له أن يُوقِفَ على بعضِ أولادِه دونَ بَعضٍ؛ لأنَّه وَقْفٌ جَنَفٌ، وهو مُحَرَّمٌ). ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (16/114).
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّةِ:
عن النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ رَضِيَ الله عنهما قال: ((سألتْ أمِّي أبِي بعضَ المَوهِبةِ لي مِن مالِه، ثمَّ بدا له فوَهَبَها لي، فقالت: لا أرضى حتَّى تُشْهِدَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأخَذَ بيدِي وأنا غُلامٌ، فأتى بي النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: إنَّ أمَّهُ بنتَ رواحَةَ سألَتْني بعضَ المَوهِبةِ لهذا، قال: ألكَ ولَدٌ سِوَاهُ؟ قال: نعم، قال: فأُراهُ قال: لا تُشهِدْني شَهادةَ جَورٍ )) [1424]   أخرجه البخاري (2650).
وَجهُ الدَّلالةِ:
الحديثُ فيه دَلالةٌ على وجوبِ العَدلِ بين الأولادِ في العطيَّةِ، والوَقفُ مِن جُملةِ العَطايا [1425]   ((حاشية ابن عابدين)) (4/444). ويُنظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (11/48).
ثانيًا: أنَّ عدم التَّسْوية بين الأولاد يؤدِّي إلى العَدَاوة والبغْضَاء والتقاطُع بينهم [1426]   ((المنتقى)) للباجي(6/93)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (4/284).






 



انظر أيضا: