الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الثَّاني: صُوَرُ الهَجرِ المرأة الناشز


المَسألةُ الأولى: هَجرُ المَضْجَعِ فلا ينامُ معها
يَهجُرُ الرَّجُلُ امرأتَه النَّاشِزَ في المضجَعِ فلا ينامُ معها في الفِراشِ [1190]   قال ابن عثيمين: (اهجُرها في البيتِ، ولا يطَّلِع على هَجرِك أحدٌ، حتى إذا اصطلَحْتَ معها رجعَ كُلُّ شيءٍ على ما يرام، دون أن يطَّلِعَ عليه أحدٌ مِن النَّاسِ). ((شرح رياض الصالحين)) (3/132). ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ [1191]   عندَ المالكيَّةِ أنَّ غايةَ مدَّةِ الهَجرِ شَهرٌ، وأمَّا الشَّافعيَّةُ والحنابلةُ فلم يحَدِّدوا مُدَّةً للهَجرِ، وقالوا: يهجُرُها في المضجَعِ ما شاء. : المالِكيَّةِ [1192]   ((مواهب الجليل)) للحطاب (5/262)، ((الشرح الكبير)) للدردير (2/343). ، والشَّافِعيَّةِ [1193]   ((روضة الطالبين)) للنووي (7/367)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/259). ويُنظر: ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) للهيتمي (2/74). ، والحَنابِلةِ [1194]   ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/209)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (5/287). ، وقَولٌ عند الحَنَفيَّةِ [1195]   ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/334)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/236). ، وهو قَولُ طائفةٍ مِن السَّلَفِ [1196]   قال القرطبي: («اهجُروهُنَّ» مِن الهِجرانِ، وهو البُعدُ، يقال: هجَرَه، أي: تباعَدَ ونأى عنه، ولا يُمكِنُ بُعدُها إلَّا بتَركِ مُضاجَعتِها. وقال معناه: إبراهيمُ النَّخَعيُّ، والشَّعبيُّ، وقتادةُ، والحَسَنُ البَصريُّ، ورواه ابنُ وهبٍ وابنُ القاسِمِ عن مالكٍ، واختاره ابنُ العربيِّ). ((تفسير القرطبي)) (5/171).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قال تعالى: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا [النساء: 34]
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن أمِّ سَلَمةَ رَضِيَ الله عنها قالت: ((إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَلَف ألَّا يَدخُلَ على بَعضِ أهلهِ شَهرًا، فلمَّا مضى تِسعةٌ وعِشرونَ يومًا، غدا عليهم -أو راح- فقيلَ له: حلَفْتَ يا نبيَّ اللهِ ألَّا تَدخُلَ علينا شَهرًا. قال: إنَّ الشَّهرَ يكونُ تِسعةً وعِشرينَ يَومًا )) [1197]   أخرجه مسلم (1085).  
ثالثًا: أنَّ هَجْرَ المرأةِ في الفِراشِ قد يكونُ أشَدَّ عليها مِن كُلِّ شَيءٍ [1198]   ((اللقاء الشهري)) لابن عثيمين، رقم اللقاء (21).
المَسألةُ الثَّانيةُ: هَجرُ الكلامِ
يُرخَّصُ للرَّجُلِ هَجرُ امرأتِه النَّاشِزِ بتَركِ الكلامِ ثلاثةَ أيَّامٍ، ولا يزيدُ عليها، وهو مَذهَبُ الشَّافِعيَّةِ [1199]   ((روضة الطالبين)) للنووي (7/367)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/259). ، والحَنابِلةِ [1200]   ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/209)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (5/287). ، وقَولُ ابنِ باز [1201]   قال ابن باز: (يحرِصُ على تأديبها أولًا بالكلامِ والنصيحةِ والتوجيهِ، أو الهجرِ؛ يهجُرُها في المضجَعِ والكلامِ ثلاثةَ أيام، وفي المضجَعِ ما شاء، حتى تستقيمَ، فإذا لم تنفَعِ النصيحةُ والهَجرُ، لا بأس أن يؤدِّبَها، كما قال تعالى: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا [النساء: 34] ، لكنْ ضَربٌ غيرُ مُبَرِّح). ((فتاوى نور على الدرب)) (21/282). ، وابنِ عثيمين [1202]   قال ابن عثيمين: (لك رخصةٌ أن تهجُرَها في الكلامِ ثلاثةَ أيام؛ لأنَّه لا يحِلُّ أن يهجُرَ أخاه فوقَ ثلاثةٍ، يلتقيان فيُعرِض هذا ويُعرِض هذا، وخَيرُهما الذي يبدأ بالسَّلامِ). ((شرح رياض الصالحين)) (6/139).
الدَّليل مِنَ السُّنَّة:
عن أبي أيوبَ الأنصاريِّ رضي الله عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا يحِلُّ لمُسلمٍ أن يَهجُرَ أخاه فوقَ ثلاثِ ليالٍ، يلتقيانِ فيُعرِضُ هذا ويُعرِضُ هذا، وخَيرُهما الذي يبدأُ بالسَّلامِ )) [1203]   أخرجه البخاري (6077)، ومسلم (2560) واللفظ له.
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الحديثَ نَصٌّ في عدَمِ جَوازِ الهَجرِ بالكلامِ لأكثَرَ مِن ثلاثةِ أيَّامٍ، فلا يحِلُّ له الزِّيادةُ عليها [1204]   ((إرشاد الساري)) للقسطلاني (8/101).

انظر أيضا: