الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الثَّاني: صَدَقةُ المرأةِ مِن مالِ زَوجِها بدونِ إذنِه


ليس للمَرأةِ أن تتصَدَّقَ مِن مالِ زَوجِها بدونِ إذنٍ منه، ما لم يكُنْ يسيرًا لا يَضُرُّ الزَّوجَ، وقد جَرَت العادةُ بمِثلِه [1113]   كصلةِ الجيرانِ والسَّائلينَ، إلَّا أن يمنَعَها الزَّوجُ عن اليسيرِ. قال البغوي: (العمَلُ على هذا عند عامَّةِ أهلِ العِلمِ: أنَّ المرأةَ ليس لها أن تتصَدَّقَ بشَيءٍ مِن مال الزوج دون إذنِه، وكذلك الخادِمُ، ويأثمانِ إن فعلا ذلك... وفي الجملة ليس لأحدهما أن يتناولَ مِن مال الآخَرِ ما يقَعُ به الضِّنَّةُ دون إذنِه). ((شرح السُّنَّة)) (6/205، 206). وقال النووي: (اعلَمْ أنَّ هذا كلَّه مَفروضٌ في قَدرٍ يسيرٍ يُعلَمُ رِضا المالكِ به في العادةِ، فإن زاد على المتعارَفِ لم يجُزْ، وهذا معنى قولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إذا أنفَقَت المرأةُ من طعامِ بيتها غيرَ مُفسِدةٍ»، فأشار صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى أنَّه قَدرٌ يُعلَمُ رضا الزوجِ به في العادة، ونبَّه بالطعامِ أيضًا على ذلك؛ لأنَّه يُسمَحُ به في العادةِ -بخلافِ الدَّراهم والدنانير- في حَقِّ أكثَرِ النَّاسِ، وفي كثيرٍ مِن الأحوالِ). ((شرح صحيح مسلم)) (7/113). ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [1114]   ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (5/208)، ((البناية شرح الهداية)) للعيني (11/145). ، والمالِكيَّةِ [1115]   ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبد البر (2/563). ، والشَّافِعيَّةِ [1116]   ((المجموع)) للنووي (6/244). ويُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (7/112). ، والحَنابِلةِ [1117]   ((الإنصاف)) للمرداوي (5/261)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/460)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (3/426).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّة
1- عن أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّها سألَت النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالت: إنَّ الزُّبيرَ رَجلٌ شديدٌ، ويأتيني المِسكينُ فأتصَدَّقُ عليه مِن بيتِه بغيرِ إذنِه، فقال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ارضَخِي [1118]   الرَّضْخُ: العطيَّةُ القليلةُ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (2/228). ولا تُوعِي فيُوعِيَ اللهُ عليكِ [1119]   لا توعي فيوعِيَ الله عليك: لا تجمَعي في الوعاءِ وتبخلي بالنَّفَقةِ، فتجازَيْ بمثل ذلك. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (5/218). ) [1120]   رواه أحمد (6/353) (27029). والحديث أصلُه في الصحيحين؛ رواه البخاري (1434)، ومسلم (1029).
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا أنفَقَت المرأةُ مِن طَعامِ بَيتِها غيرَ مُفسِدةٍ، كان لها أجرُها بما أنفَقَت، ولِزَوجِها أجرُه بما كَسَب، وللخازِنِ مِثلُ ذلك، لا ينقُصُ بَعضُهم أجرَ بَعضٍ شَيئًا [1121]   قال النووي: (اعلَمْ أنَّ المرادَ بما جاء في هذه الأحاديثِ مِن كونِ الأجرِ بينهما نِصفَينِ: أنَّه قِسمانِ، لكلِّ واحدٍ منهما أجرٌ، ولا يلزَمُ أن يكونا سَواءً؛ فقد يكونُ أجرُ صاحِبِ العطاءِ أكثَرَ، وقد يكون أجرُ المرأةِ والخازنِ والمملوك أكثَرَ، بحَسَبِ قَدْرِ الطَّعامِ، وقَدْرِ التَّعَب في إنفاذِ الصَّدَقةِ وإيصالِها إلى المساكينِ). ((المجموع)) (6/245). وقال ابن حجر: (يحتَمِلُ أن يكون المرادُ بالتنصيفِ في حديثِ البابِ الحَملَ على المالِ الذي يعطيه الرَّجُلُ في نفقةِ المرأة، فإذا أنفَقَت منه بغير علمِه، كان الأجرُ بينهما؛ للرجُلِ لكونه الأصلَ في اكتسابِه، ولكونِه يؤجَرُ على ما ينفِقُه على أهلِه). ((فتح الباري)) (9/297). ) [1122]   رواه البخاري (1425)، ومسلم (1024).
وَجهُ الدَّلالةِ مِن الحَديثَينِ:
هذان الحديثانِ يدُلَّانِ على جوازِ التصَدُّقِ بالشَّيءِ اليَسيرِ مِن مالِ الزَّوجِ الذي يُتسامَحُ به في العادةِ [1123]   ((طرح التثريب في شرح التقريب)) للعراقي (4/146). ، ومفهومُه عدمُ جوازِ التصَدُّقِ بغيرِ اليَسيرِ.
3- حديثُ أبي أُمامةَ الباهليِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: سَمِعتُ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ في خُطبتِه عامَ حَجَّةِ الوداعِ: ((لا تُنفِقُ امرأةٌ مِن بَيتِ زَوجِها إلَّا بإذنِ زَوجِها. قيل: يا رَسولَ اللهِ، ولا الطَّعامَ؟ قال: ذلك أفضَلُ أموالِنا )) [1124]   أخرجه أبو داود (3565)، والترمذي (2120) واللفظ له، وابن ماجه (2295)، وأحمد (22294). قال الترمذي: حسن صحيح. وحسَّن إسناده الذهبي في ((المهذب)) (3/1559)، وحسَّن الحديث ابن حجر في ((موافقة الخُبْر الخَبَر)) (2/315)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2120).
ثانيًا: أنَّ العادةَ تَسمَحُ من ذلك بالشَّيءِ اليَسيرِ بطِيبِ النَّفسِ، فجرى مجرى صَريحِ الإذنِ، كما أنَّ تَقديمَ الطَّعامِ بين يدَي الأكَلةِ قام مقامَ صَريحِ الإذنِ في أكلِه [1125]   ((المغني)) لابن قدامة (4/350). ويُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (5/208).

انظر أيضا: