الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الثَّالِثُ: سُكنى المُتوَفَّى عنها زَوجُها في العِدَّةِ


اختلف العُلَماءُ في حُكمِ سُكنى المُتوَفَّى عنها زَوجُها في العِدَّةِ؛ على قَولَينِ:القول الأول: لا تجِبُ السُّكنى للمُتوَفَّى عنها زَوجُها في العِدَّةِ، وهو مَذهَبُ الحَنَفيَّة [67] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/37)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (4/217). ، والحَنابِلةِ [68] ((الإنصاف)) للمرداوي (9/272، 273)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/431). ، وقَولٌ للشَّافعيَّةِ [69] ((منهاج الطالبين)) للنووي (ص: 256)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/402). ، وهو اختيار ابنِ حَزمٍ [70] قال ابنُ حزم: (تعتَدُّ المُتوَفَّى عنها، والمُطَلَّقةُ ثلاثًا أو آخِرَ ثلاثٍ، والمُعتَقةُ تختارُ فِراقَ زَوجِها: حيث أحبَبْنَ، ولا سُكنى لهنَّ لا على المُطَلِّقِ، ولا على وَرَثةِ الميِّتِ، ولا على الذي اختارت فِراقَه؛ ولا نَفَقةَ). ((المحلى)) (10/73-76). ، والشَّوكانيِّ [71] قال الشوكاني: (لا نَفَقةَ ولا سُكنى للمُتوَفَّى عنها زوجُها؛ لعَدَمِ الدَّليلِ على ذلك، وقد مات الزَّوجُ وانتقل حَقُّها إلى تركتِه؛ فليس لها إلَّا الميراثُ، وأمَّا ما ورد مِن أنَّها تعتَدُّ في منزلِها الذي بلَغَها فيه موتُ زَوجِها، فذلك تعَبُّدٌ لها لا لِزَوجِها). ((السيل الجرار)) (ص: 433). ، وابنِ عُثيمين [72] قال ابنُ عثيمين: (المُتوَفَّى عنها زَوجُها لا نَفَقةَ لها ولا سُكنى، ولو كانت حامِلًا، أمَّا إذا لم تكن حامِلًا فالأمرُ ظاهِرٌ؛ لأنَّها بانت، وأمَّا إن كانت حامِلًا فلا نَفَقةَ لها أيضًا). ((الشرح الممتع)) (13/479).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ اللهَ تعالى إنَّما جَعَل للزَّوجةِ ثُمُنَ التَّرِكةِ أو رُبُعَها، وجَعَل باقيَها لسائِرِ الوَرَثةِ، والمسكَنُ مِنَ التَّرِكةِ؛ فوجبَ ألَّا يُستَحَقَّ منه أكثَرُ مِن ذلك [73] ((المغني)) لابن قدامة (8/160).
ثانيًا: أنَّه لا سُكنى لها كما أنَّه لا نَفَقةَ لها [74] ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/402).
ثالثًا: أنَّها بائِنٌ مِن زَوجِها، فأشبَهَت المطَلَّقةَ ثلاثًا التي لا سُكنى لها [75] ((المغني)) لابن قدامة (8/160).
رابعًا: أنَّ السُّكنى تجِبُ لها؛ لِتَمكينِها الزَّوجَ للاستِمتاعِ بها، وقد فات بالموتِ [76] ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/431). القول الثاني: تجِبُ السُّكنى للمُتوَفَّى عنها زَوجُها في العِدَّةِ، وهو مَذهَبُ المالِكيَّةِ [77] وذلك بشرطين: أن يكونَ الزَّوجُ قد دخل بها، وأن يكونَ المسكَنُ للمَيِّت؛ إمَّا بمِلكٍ، أو بمَنفعةٍ مُؤقَّتةٍ، أو بإجارةٍ. ((مختصر خليل)) (1/132)، ((التاج والإكليل)) للمواق (4/162). ، والشَّافِعيَّةِ -في الأظهَرِ- [78] ((منهاج الطالبين)) للنووي (ص: 256)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/402). ، وهو قَولُ طائِفةٍ مِنَ السَّلَفِ [79] قال العمراني: (تجِبُ لها السُّكنى، وبه قال عمر، وابن عمر، وابن مسعود، وأم سلمة. ومن الفقهاء: مالك، والثوري، وأبو حنيفة وأصحابُه). ((البيان في مذهب الإمام الشافعي)) (11/59). ، وروايةٌ عن أحمَدَ إن كانت حامِلًا [80] ((الإنصاف)) للمرداوي (9/272، 273)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/431).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن فُرَيعةَ بنتِ مالِكٍ؛ أختِ أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ، قالت: ((تُوُفِّيَ زَوجي بالقَدُومِ، فأتيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فذكَرْتُ له أنَّ دارَنا شاسِعةٌ، فأذِنَ لها، ثمَّ دعاها فقال: امكُثي في بَيتِكِ أربَعةَ أشهُرٍ وعَشرًا حتى يَبلُغَ الكِتابُ أجَلَه )) [81] أخرجه أبو داود (2300)، والترمذي (1204)، والنسائي (3532) واللفظ له، وابن ماجه (2031)، وأحمد (27087). صَحَّحه الذهلي كما في ((المحرر)) لابن عبد الهادي (385)، و((خلاصة البدر المنير)) لابن الملقن (2/245)، وقال الترمذي (1204): حسنٌ صحيحٌ. وصَحَّحه ابنُ العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/158)، وابن القيم في ((زاد المعاد)) (5/603)، وابن الملقِّن في ((البدر المنير)) (8/243)، والألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (3532).
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّه لو لم تجِبِ السُّكنى لم يكُنْ لها أن تَسكُنَ إلَّا بإذنِهم، كما أنَّها ليس لها أن تتصَرَّفَ في شَيءٍ مِن مالِ زَوجِها بغيرِ إذنِهم، وقد أمَرَها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالسَّكَنِ دونَ استِئذانٍ [82] ((المغني)) لابن قدامة (8/160).
ثانيًا: لأنَّ السُّكنى لصِيانةِ مائِه، وهي موجودةٌ بعدَ الوَفاةِ، كالحياةِ [83] ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/402).
ثالثًا: لأنَّ السُّكنى حَقُّ اللهِ تعالى، فلم تَسقُطْ [84] ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/402).

انظر أيضا: