الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: من الأحكام المُترَتِّبة على اللِّعانِ: نَفيُ الزَّوجِ الحَمْلَ منه


إذا لاعَنَ الزَّوجُ امرأتَه وهي حامِلٌ ونفى حَمْلَها، فإنَّه ينتفي عنه [675]     نصَّ المالِكيَّةُ والشَّافِعيَّةُ على أنَّ النَّفيَ يكونُ على الفَورِ، ولا يؤخَّرُ إلَّا لِعُذرٍ. يُنظر: ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/109)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/380،373). ، وهذا مَذهَبُ المالِكيَّةِ [676]     ((التاج والإكليل)) للمواق (4/133)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/109). ، والشَّافِعيَّةِ [677]     ((الغرر البهية)) زكريا الأنصاري (4/336)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/380). ، وهو قَولٌ للحنابِلةِ اختاره ابنُ قُدامةَ [678]     قال ابنُ قدامة: (اختلف أصحابُنا فيما إذا لاعن امرأتَه وهي حامِلٌ، ونفى حَمْلَها في لِعانِه، فقال الخرقي وجماعة: لا ينتفي الحَملُ بنَفيِه قبل الوَضعِ، ولا ينتفي حتى يلاعِنَها بعد الوَضعِ، وينتفي الولَدُ فيه... وقال مالك، والشافعي، وجماعة من أهل الحجاز: يصِحُّ نَفيُ الحَملِ، وينتفي عنه، محتجِّينَ بحديث هلالٍ، وأنَّه نفى حَمْلَها، فنفاه عنه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم... وهذا القَولُ هو الصَّحيحُ؛ لموافقتِه ظواهِرَ الأحاديثِ، وما خالف الحديثَ لا يُعبَأُ به كائنًا ما كان). ((المغني)) (8/75). ويُنظر: ((الإنصاف)) للمرداوي (9/187). ، وبه قال ابنُ القَيِّمِ [679]     قال ابنُ القيِّم: (إذا لاعَنَها وهي حامِلٌ وانتفى مِن حَمْلِها، انتفى عنه، ولم يحتَجْ إلى أن يلاعِنَ بعد وَضْعِه، كما دلَّت عليه السُّنَّةُ الصَّحيحةُ الصَّريحةُ). ((زاد المعاد)) (5/346). وقال: (مَذهَبُ من يَقولُ: إنَّه لا يَصِحُّ اللِّعانُ على الحَملِ حتى تَضَعَ، كما يقولُ أحمد، وأبو حنيفة، والصَّحيحُ صِحَّتُه على الحَملِ، وعلى الولَدِ بعد وَضعِه، كما قاله مالِكٌ والشافعي). ((زاد المعاد)) (5/346). ، والصَّنعانيُّ [680]     قال الصنعاني: (في الحديثِ دَليلٌ على أنَّه يَصِحُّ اللِّعانُ للمرأةِ الحامِلِ، ولا يؤخَّرُ إلى أن تَضَعَ، وإليه ذهب الجمهورُ؛ لهذا الحديث، وقالت الهادوية، وأبو يوسف، ومحمد، ويروى عن أبي حنيفة، وأحمد: لا لِعانَ لِنَفيِ الحَملِ؛ لجواز أن يكونَ رِيحًا، فلا يكونُ للِّعانِ حينئذٍ مَعنًى. (قلتُ): وهذا رأيٌ في مُقابَلةِ النَّصِّ، وكأنَّهم يريدونَ أنَّه لا لِعانَ بمجَرَّدِ ظَنِّ الحَملِ مِنَ الأجنبيِّ، لا لوِجدانِه معها الذي هو صورةُ النَّصِّ). ((سبل السلام)) (2/282). ، والشَّوكانيُّ [681]     قال الشوكاني: (وقد استدلَّ بأحاديثِ البابِ من قال: إنَّه يَصِحُّ اللِّعانُ قبلَ الوَضعِ مُطلَقًا، ونَفْيُ الحَملِ. وقد حكاه في الهدي عن الجُمهورِ، وهو الحَقُّ؛ للأدلَّةِ المذكورةِ). ((نيل الأوطار)) (6/326). ، والشِّنقيطيُّ [682]     قال الشنقيطي: (اعلَمْ أنَّ الذي يظهَرُ لنا أنَّه الصَّوابُ: أنَّ مَن نفى حَمْلَ امرأتِه بلعانٍ، أنَّه ينتفي عنه، ولا يلزَمُه لِعانٌ آخَرُ بَعدَ وَضعِه، وهذا هو التَّحقيقُ إن شاء الله تعالى). ((أضواء البيان)) (5/482). ، وابنُ عُثيمين [683]     قال ابنُ عثيمين: (يَصِحُّ الانتِفاءُ مِنَ الوَلَدِ قَبلَ وَضعِه، وهذا هو الصَّوابُ). ((الشرح الممتع)) (13/301).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن محمَّدِ بنِ سيرين قال: ((سألتُ أنسَ بنَ مالِكٍ، وأنا أرى أنَّ عندَه منه عِلمًا، فقال: إنَّ هِلالَ بنَ أُمَيَّةَ قَذَف امرأتَه بشَريكِ ابنِ سَحماءَ، وكان أخا البراءِ بنِ مالكٍ لأمِّه، وكان أوَّلَ رجُلٍ لاعَنَ في الإسلامِ، قال: فلاعَنَها، فقال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أبصِروها، فإن جاءت به أبيَضَ سَبِطًا [684]     سَبِطًا: أي: مُسترسِلَ الشَّعرِ. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (10/129). قَضيءَ العَينَينِ [685]     قَضِيءَ العينينِ: أي:  فاسِدَهما؛ بكثرةِ دَمعٍ، أو حُمرةٍ، أو غيرِ ذلك. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (10/129). ، فهو لهِلالِ بنِ أميَّةَ، وإنْ جاءت به أكحَلَ جَعْدًا [686]     جَعْدًا: غيرَ مُسترسِلِ الشَّعْرِ. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (10/129). حَمْشَ السَّاقَينِ [687]     حَمْشَ السَّاقينِ: أي: رقيقَهما، والحُموشةُ: الدِّقَّةُ. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (10/129). ، فهو لِشَريكِ ابنِ سَحْماءَ. قال: فأُنبِئْتُ أنَّها جاءت به أكحَلَ جَعْدًا حَمْشَ السَّاقَينِ )) [688]     أخرجه مسلم (1496).
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لاعَنَ بينَ هلالِ بنِ أميَّةَ وزَوجتِه، وكانت حامِلًا، ونفى هِلالٌ الحَمْلَ [689]     ((الغرر البهية)) لزكريا الأنصاري (4/336).
2- عن سَهلِ بنِ سَعدٍ: ((أنَّ رجُلًا أتى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال: يا رسولَ اللهِ، أرأيتَ رجُلًا رأى مع امرأتِه رجُلًا، أيقتُلُه فتَقتُلونَه، أم كيف يَفعَلُ؟ فأنزل اللهُ فيهما ما ذُكِرَ في القُرآنِ مِنَ التَّلاعُنِ، فقال له رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: قضى اللهُ فيكَ وفي امرأتِك، وكانت حامِلًا، فأنكَرَ حَمْلَها، وكان ابنُها يُدعَى إليها، ثمَّ جَرَت السُّنَّةُ في الميراثِ: أنْ يَرِثَها وتَرِثَ منه ما فَرَضَ اللهُ لها )) [690]     أخرجه البخاري (4746) واللفظ له، ومسلم (1492).
ثانيًا: أنَّ الزَّوجَ قد يموتُ قَبلَ الوِلادةِ، فلو لم يُلاعِنْ لَحِقَه الوَلَدُ؛ لأنَّ النَّسَبَ لا ينقَطِعُ بالموتِ، ولأنَّه قد يَسقُطُ عنه بذلك مُؤنةُ تَجهيزِه [691]     ((الغرر البهية)) لزكريا الأنصاري (4/336).
ثالثًا: أنَّ نَفيَ الحَملِ أقوى مِنَ الرُّؤيةِ؛ لأنَّه قد ظهَرَت فيه ثَمرةُ الفِعلِ [692]     ((أحكام القرآن)) لابن العربي (3/352).

انظر أيضا: