الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الثَّاني: ما لا يُشتَرَطُ في الزَّوجةِ المُرتَجَعةِ


المسْأَلة الأُولى: إعلامُ الزَّوجةِ بالرَّجعةِ
لا يُشتَرَطُ إعلامُ الزَّوجةِ بالرَّجعةِ، فإن راجَعَها الزَّوجُ دونَ عِلمِها صَحَّت الرَّجعةُ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [2152]   نصَّ الحَنَفيَّةُ على استحبابِ إعلامِها بالرَّجعةِ. ((الهداية)) للمرغيناني (2/7)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/252)، ((الفتاوى الهندية)) (1/468). ، والمالِكيَّةِ [2153]   ((الشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقي)) (2/422)، ((منح الجليل)) لعليش (4/189). ، والشَّافِعيَّةِ [2154]   ((الأم)) للشافعي (5/261). ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (10/315)، ((كفاية النبيه)) لابن الرفعة (19/67). ، والحَنابِلةِ [2155]   ((الإقناع)) للحجاوي (4/66)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/343). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [2156]   قال ابنُ رشد: (قد أجمعوا على أنَّ الرَّجعةَ صحيحةٌ وإن لم تعلَمْ بها المرأةُ). ((بداية المجتهد)) (2/86). وقال ابنُ قدامة: (الرَّجعةُ لا تفتَقِرُ إلى وليٍّ، ولا صَداقٍ، ولا رِضا المرأةِ، ولا عِلمِها: بإجماعِ أهلِ العِلمِ). ((المغني)) (7/522). وقال الصنعاني: (إجماعُ العُلَماءِ على أنَّ الرَّجعةَ صَحيحةٌ وإن لم تعلَمْ بها المرأةُ). ((سبل السلام)) (2/182). وخالف في ذلك ابنُ حزمٍ، فرأى وجوبَ إعلامِ المرأةِ، فقال: (فإنْ وَطِئَها لم يكن بذلك مُراجِعًا لها حتى يَلفِظَ بالرَّجعةِ ويُشهِدَ، ويُعلِمَها بذلك قبل تمامِ عِدَّتِها، فإن راجَعَ ولم يُشهِدْ فليس مُراجِعًا... فالرَّجعةُ هي الإمساكُ، ولا تكونُ -بنَصِّ كلامِ اللهِ تعالى- إلَّا بمعروفٍ، والمعروفُ هو إعلامُها، وإعلامُ أهلِها إن كانت صغيرةً أو مجنونةً، فإنْ لم يُعلِمْها لم يُمسِكْ بمعروفٍ، ولكِنْ بمُنكَرٍ). ((المحلى)) (10/21-17). ؛ وذلك لأنَّ الرَّجعةَ إمساكٌ للمَرأةِ بحُكمِ الزَّوجيَّةِ، فلا يُعتَبَرُ فيها شَيءٌ، كالإعلامِ ونَحوِه [2157]   ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/343).
المسْأَلة الثَّانيةُ: رضا المرأةِ بالرَّجعةِ
لا يُشتَرَطُ في الرَّجعةِ رضا الزَّوجةِ؛ فللزَّوجِ ارتِجاعُ زَوجتِه شاءت أم أبَت.
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
1- قَولُ الله تعالى: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ [البقرة: 228]
وَجهُ الدَّلالةِ:
قَولُه تعالى: أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ أي: في العِدَّةِ، فجَعَل الحَقَّ للأزواجِ [2158]   ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (8/471).
2- قولُه سُبحانَه وتعالى: فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ [البقرة: 231]
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الله تعالى خاطَبَ الأزواجَ بالأمرِ، ولم يجعَلْ لهُنَّ اختيارًا [2159]   ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (8/471).
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنذِرِ [2160]   قال ابنُ المنذر: (أجمعوا أنَّ الرَّجعةَ إلى الرَّجُلِ ما دامت في العِدَّةِ، وإن كَرِهَت ذلك المرأةُ). ((الإجماع)) (ص: 126). ، وابنُ حَزمٍ [2161]   قال ابنُ حزم: (اتَّفَقوا أنَّ مَن طلَّقَ امرأتَه التي نكَحَها نكاحًا صحيحًا طلاقَ سُنَّةٍ، وهي ممَّن يلزَمُها عِدَّةٌ مِن ذلك، فطَلَّقَها مرةً، أو مرةً بعد مرةٍ: فله مراجَعتُها شاءت أو أبت، بلا وليٍّ ولا صَداقٍ، ما دامت في العِدَّةِ). ((مراتب الإجماع)) (ص: 75). ، وابنُ رُشدٍ [2162]   قال ابنُ رشد: (أجمع المسلِمونَ على أنَّ الزَّوجَ يملِكُ رجعةَ الزَّوجةِ في الطَّلاقِ الرَّجعيِّ ما دامت في العِدَّةِ، من غيرِ اعتبارِ رضاها). ((بداية المجتهد)) (2/85). ، وابنُ قُدامةَ [2163]   قال ابنُ قدامة: (الرَّجعةُ إمساكٌ للمرأةِ بحُكمِ الزَّوجيَّةِ، فلم يُعتَبَرْ رضاها في ذلك، كالتي في صُلبِ نِكاحِه، وأجمع أهلُ العِلمِ على هذا). ((المغني)) (7/519). ، والقُرطبيُّ [2164]   قال القرطبي: (أجمع العُلَماءُ على أنَّ الحُرَّ إذا طلَّق زوجتَه الحُرَّةَ -وكانت مدخولًا بها- تطليقةً أو تطليقتينِ: أنَّه أحَقُّ برَجعتِها ما لم تنقَضِ عِدَّتُها، وإن كَرِهَت المرأةُ). ((تفسير القرطبي)) (3/120). ، وابنُ حَجَرٍ [2165]   قال ابنُ حجر: (أجمعوا على أنَّ الحُرَّ إذا طلَّق الحُرَّةَ بعد الدُّخولِ بها تطليقةً أو تطليقتينِ: فهو أحَقُّ برجعتِها ولو كَرِهَت المرأةُ ذلك). (9/483). ، والعينيُّ [2166]   قال العيني: («إذا طَلَّق الرجُلُ امرأتَه تطليقةً رَجعيَّةً أو تطليقتينِ، فله أن يراجِعَها في عِدَّتِها، رَضِيَت بذلك أو لم تَرْضَ»... وهذا بإجماعِ أهلِ العِلمِ). ((البناية)) (5/455).
ثالثًا: لأنَّ الرَّجعةَ إمساكٌ للمرأةِ بحُكمِ الزَّوجيَّةِ، فلم يُعتَبَرْ رِضاها في ذلك، كالتي في صُلبِ نِكاحِه [2167]   ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (8/471).
المسْأَلة الثَّالثةُ: الولي في الرجعة
تَصِحُّ الرَّجعةُ بلا وَليٍّ.
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكتابِ
قال تعالى: فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ [الطلاق: 2]
وجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الله تعالى سمَّى الرَّجعةَ إمساكًا؛ فدَلَّ على عدَمِ اعتبارِ رِضا الوليِّ [2168]   ((المغني)) لابن قدامة (7/522).
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حَزمٍ [2169]   قال ابنُ حزم: (اتَّفَقوا أنَّ مَن طلَّقَ امرأتَه التي نكَحَها نكاحًا صحيحًا طلاقَ سُنَّةٍ، وهي ممَّن يلزَمُها عِدَّةٌ مِن ذلك، فطَلَّقَها مرةً، أو مرةً بعد مرةٍ: فله مراجَعتُها شاءت أو أبت، بلا وليٍّ ولا صَداقٍ، ما دامت في العِدَّةِ). ((مراتب الإجماع)) (ص: 75). ، وابنُ قُدامةَ [2170]   قال ابنُ قدامة: (الرَّجعةُ لا تفتقِرُ إلى وَليٍّ ولا صَداقٍ، ولا رِضا المرأةِ ولا عِلمِها: بإجماعِ أهلِ العِلمِ). ((المغني)) (7/522). ، والبهوتي [2171]   قال البهوتي: («وليس مِن شَرطِها» أي: الرَّجعةِ «الإشهادُ» عليها؛ لأنَّها لا تفتَقِرُ إلى قَبولٍ، كسائر حقوقِ الزَّوجِ، وكذا لا تفتَقِرُ إلى وليٍّ ولا صداقٍ، ولا رضا المرأةِ -كما مَرَّ- ولا عِلمِها: إجماعًا). ((شرح منتهى الإرادات)) (3/148). ، والصنعاني [2172]   قال الصنعاني: (أجمع العُلَماءُ على أنَّ الزَّوجَ يَملِكُ رجعةَ زوجتِه في الطَّلاقِ الرجعيِّ ما دامت في العِدَّةِ من غيرِ اعتبارِ رضاها ورضا وليِّها، إذا كان الطَّلاقُ بعد المسيسِ، وكان الحُكمُ بصِحَّةِ الرَّجعةِ مُجمَعًا عليه لا إذا كان مُختَلَفًا فيه). ((سبل السلام)) (2/266).
ثالثًا: لأنَّ الرَّجعيَّةَ زَوجةٌ [2173]   ((المغني)) لابن قدامة (7/522).
رابعًا: لأنَّها إمساكٌ، فلا يُعتَبَرُ رِضا الوليِّ [2174]   ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/148)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/343).

انظر أيضا: