الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الأوَّلُ: الطَّلاقُ بثلاثِ تَطليقاتٍ بلَفظٍ واحِدٍ (أنتِ طالِقٌ ثلاثًا)


اختلف العُلَماءُ فيمَن طَلَّق غيرَ المدخولِ بها ثلاثَ تَطليقاتٍ بلَفظٍ واحِدٍ: (أنت طالِقٌ ثلاثًا)؛ على قولينِ:

القول الأول: إذا طُلِّقَت غيرُ المدخولِ بها ثلاثَ تَطليقاتٍ بلَفظٍ واحدٍ (أنتِ طالِقٌ ثلاثًا)، يقَعُ الطَّلاقُ بائِنًا، ولا تحِلُّ له إلَّا أن تَنكِحَ زَوجًا غيرَه، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [1867]   ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (5/61)، ((المبسوط)) للسرخسي (6/73)، ((كنز الدقائق)) للنسفي (ص: 275)، ((البناية شرح الهداية)) للعيني (5/354). ، والمالِكيَّةِ [1868]   ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبد البر (2/1046)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (2/364). ، والشَّافِعيَّةِ [1869]   ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (9/5)، ((روضة الطالبين)) للنووي (7/124)، ((حاشيتا قليوبي وعميرة)) (3/247). ، والحَنابِلةِ [1870]   ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/240). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (7/370). ، وهو قَولُ بَعضِ السَّلَفِ، وبه قال أكثر أهل العلم [1871]   قال ابنُ قدامة: (إنْ طَلَّق ثلاثًا بكَلِمةٍ واحدةٍ، وقَعَ الثَّلاثُ، وحُرِّمَت عليه حتى تنكِحَ زَوجًا غيرَه، ولا فَرقَ بين قبلَ الدُّخولِ وبَعدَه. رُوِيَ ذلك عن ابنِ عبَّاسٍ، وأبي هريرة، وابنِ عمر، وعبد الله ابن عمرٍو، وابن مسعود، وأنس. وهو قَولُ أكثَرِ أهلِ العِلمِ مِن التابعينَ والأئمَّةِ بَعدَهم). ((المغني)) لابن قدامة (7/370).
وذلك للآتي:     
أوَّلًا: لأنَّها كَلِمةٌ واحِدةٌ جَمَعت الثَّلاثَ بخِلافِ العَطفِ [1872]   ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/213).
ثانيًا: لأنَّ النِّكاحَ مِلكٌ يَصِحُّ إزالتُه مُتفَرِّقًا، فصَحَّ مجتَمِعًا [1873]   ((المغني)) لابن قدامة (7/370).


القول الثاني:
إذا طُلِّقَت غيرُ المدخولِ بها ثلاثَ تَطليقاتٍ بلَفظٍ واحِدٍ (أنتِ طالِقٌ ثلاثًا)، تقع طلقةً واحِدةً، وتَبِينُ منه بَينونةً صُغرى، وهو قَولُ طائفةٍ مِنَ السَّلَفِ [1874]   قال ابنُ قدامة: (كان عطاء، وطاوس، وسعيد بن جبير، وأبو الشعثاء، وعمرو بن دينار، يقولون: من طَلَّق البِكرَ ثلاثةً فهي واحِدةٌ). ((المغني)) (7/370). وقال ابنِ تيميَّةَ [1875]   قال ابنِ تيميَّةَ رحمه الله). ((الشرح الممتع)) (13/41).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق: 1]
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الطَّلاقَ الثَّانيَ وما بَعدَه يَقَعُ لِغَيرِ العِدَّةِ، فيكونُ مَردودًا؛ لِقَولِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن عَمِلَ عَمَلًا ليس عليه أمرُنا، فهو رَدٌّ )) [1881]   ))الشرح الممتع)) لابن عثيمين (13/41). والحديثُ أخرجه مسلم (1718)، عن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها.
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كان الطَّلاقُ على عَهدِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأبي بكرٍ، وسَنَتينِ مِن خِلافةِ عُمَرَ؛ طَلاقُ الثَّلاثِ: واحِدةً، فقال عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: إنَّ النَّاسَ قد استعجَلوا في أمرٍ قد كانت لهم فيه أَناةٌ، فلو أمضَيناه عليهم، فأمضاه عليهم )) [1882]   أخرجه مسلم (1472).
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ إمضاءَ الثَّلاثِ مِن اجتِهاداتِ عُمَرَ، وأنَّه رَضِيَ اللهُ عنه إنَّما صنع ذلك سياسةً [1883]   ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (13/42).
ثالثًا: أنَّه إذا قيل للرَّجُلِ: سَبِّحْ مَرَّتين، أو سَبِّحْ ثلاثَ مَرَّاتٍ، أو مِئةَ مَرَّةٍ؛ فلا بُدَّ أن يقولَ: سُبحانَ اللهِ، سُبحانَ الله، حتى يستوفيَ العَدَدَ، فلو أراد أن يُجمِلَ ذلك فيَقولَ: سُبحانَ اللهِ مَرَّتينِ أو مِئةَ مَرَّةٍ، لم يكُنْ قد سَبَّحَ إلَّا مَرَّةً واحِدةً [1884]   ((مجموع الفتاوى)) لابن تَيميَّةَ (23/11).


انظر أيضا: