الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: حُكمُ طلاقِ الحائِضِ والطَّلاقِ في طُهرٍ جامَعَها فيه


إذا طَلَّق الرَّجُلُ امرأتَه في حالِ حَيضِها أو في طُهرٍ جامَعَها فيه: فهو طَلاقٌ مُحَرَّمٌ، وذلك باتِّفاقِ المذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنَفيَّةِ [1843]   ((كنز الدقائق)) للنسفي (ص: 269)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/193،189). ، والمالِكيَّةِ [1844]   ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبد البر (2/572)، ((منح الجليل)) لعليش (4/35). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (4/28). ، والشَّافِعيَّةِ [1845]   ((روضة الطالبين)) للنووي (1/136) و (8/3)، ((منهاج الطالبين)) للنووي (ص: 236). ، والحَنابِلةِ [1846]   ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/78)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (5/331). ، وحُكِيَ فيه الإجماعُ [1847]   قال الجصَّاص: (ما نعلَمُ أحدًا أباح طلاقَها في الطُّهرِ بعد الجِماعِ إلَّا شَيئًا رواه وكيعٌ عن الحسَنِ بن صالح عن بيان عن الشَّعبيِّ، قال: إذا طَلَّقها وهي طاهِرٌ فقد طَلَّقها للسُّنَّةِ وإن كان قد جامَعَها. وهذا القَولُ خِلافُ السُّنَّةِ الثابتةِ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وخلافُ إجماعِ الأمَّةِ). ((أحكام القرآن)) (5/347). وقال القاضي عبد الوهاب: (طلاقُ الحائِضِ محرَّمٌ بإجماعٍ). ((المعونة)) (ص: 834). وقال الماوردي: (طلاقُ البدعةِ في حَيضٍ أو في طُهرٍ مُجامَعٍ فيه: فهو محظورٌ محرَّمٌ بوِفاقٍ). ((الحاوي الكبير)) (10/115). وقال ابنُ حزم: (لا خِلافَ بين أحدٍ مِن أهلِ العِلمِ قاطِبةً -وفي جملتِهم جميعُ المخالِفينَ لنا في ذلك- في أنَّ الطَّلاقَ في الحَيضِ أو في طُهرٍ جامَعَها فيه: بِدعةٌ نَهى عنها رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، مُخالِفةٌ لأمرِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ). ((المحلى)) (9/377). وقال ابنُ رشد: (أجمع العُلَماءُ على أنَّ المطَلِّقَ للسُّنَّةِ في المدخولِ بها: هو الذي يطَلِّقُ امرأتَه في طُهرٍ لم يَمَسَّها فيه طلقةً واحدةً، وأنَّ المطَلِّقَ في الحَيضِ أو الطُّهرِ الذي مَسَّها فيه: غيرُ مُطَلِّقٍ للسُّنَّةِ). ((بداية المجتهد)) (2/63). وقال ابنُ قدامة: (أمَّا المحظورُ فالطَّلاقُ في الحيضِ، أو في طُهرٍ جامَعَها فيه، أجمع العُلَماءُ في جميعِ الأمصارِ وكُلِّ الأعصارِ على تحريمِه، ويُسَمَّى طلاقَ البِدعةِ؛ لأنَّ المطَلِّقَ خالَفَ السُّنَّةَ). ((المغني)) (7/364). وقال القرطبي: (حصل الإجماعُ على أنَّ الطَّلاقَ في الحَيضِ ممنوعٌ، وفي الطُّهرِ مأذونٌ فيه). ((تفسير القرطبي)) (18/153). وقال النووي: (أجمعت الأمَّةُ على تحريمِ طَلاقِ الحائِضِ الحائِلِ). ((شرح النووي على مسلم)) (10/60). وقال ابنُ تَيميَّةَ: (الطَّلاقُ في الحَيضِ محَرَّمٌ بالكتابِ والسُّنَّةِ والإجماعِ؛ فإنَّه لا يُعلَمُ في تحريمِه نزاعٌ، وهو طلاقُ بِدعةٍ). ((الفتاوى الكبرى)) (3/247). وقال: (فإنْ طَلَّقَها وهي حائِضٌ، أو وَطِئَها وطَلَّقها بعدَ الوطءِ قبلَ أن يتبيَّنَ حَملُها؛ فهذا طلاقٌ مُحرَّمٌ بالكتابِ والسُّنَّةِ وإجماعِ المسلمينَ). ((مجموع الفتاوى)) (33/72).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطَّلاق: 1]
وَجهُ الدَّلالةِ:
في قوله: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ أي: إذا طَلَّقتُم نساءَكم فطَلِّقوهُنَّ لِطُهرِهنَّ الذي يُحصِينَه مِن عِدَّتِهنَّ، طاهِرًا مِن غيرِ جِماعٍ، ولا تُطَلِّقوهنَّ بحَيضِهنَّ الذي لا يَعتَدِدْنَ به مِن قُرئِهنَّ [1848]   ((تفسير الطبري)) (23/431). ويُنظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (13/44).
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن سالمِ بنِ عبدِ اللهِ، أنَّ عبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ رضي اللهُ عنه قال: ((طَلَّقتُ امرأتي وهي حائِضٌ، فذكَرَ ذلك عُمَرُ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فتغَيَّظَ رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثمَّ قال: مُرْه فلْيُراجِعْها حتى تحيضَ حَيضةً أُخرى مُستَقبَلةً سِوى حَيضتِها التي طَلَّقَها فيها، فإنْ بدا له أن يُطَلِّقَها فلْيُطَلِّقْها طاهِرًا مِن حَيضتِها قبل أن يَمَسَّها، فذلك الطَّلاقُ للعِدَّةِ كما أمَرَ اللهُ. وكان عبدُ اللهِ طَلَّقها تطليقةً واحِدةً، فحُسِبَت مِن طلاقِها، وراجَعَها عبدُ اللهِ كما أمَرَه رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم )) [1849]   أخرجه البخاري (4908)، ومسلم (1471) واللفظُ له.

انظر أيضا: