الموسوعة الفقهية

المبحث الأوَّل: حيوانُ البحرِ الَّذي لا يعيشُ إلَّا فيه


يُباحُ أكْلُ جميعِ حيوانِ البحرِ [383] ولا فرْقَ في الحُكمِ بيْن ماءِ البحرِ المِلْحِ والماءِ العَذْبِ، والماءِ الجاري والماءِ الرَّاكدِ، والماءِ المُستبحِرِ والماءِ القليلِ، كماءِ البِرَكِ الصِّناعيَّةِ والمَزارعِ وغيرِها.   الَّذي لا يعيشُ إلَّا فيه [384] ومِن ذلك: الجِرِّيُّ، والقِرِّيثُ، والمَارْمَاهِي، والصِّلَّورُ، والسِّلَّورُ، والإِنكَليسُ (الإِنقَليس)، والحَلَزونُ، وجميعُ أنواعِ حَيوانِ البحرِ.   ، وهو مذهبُ الجمهورِ: المالكيَّةِ [385] ((الشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقي)) (2/115)، ((منح الجليل)) لعُلَيْش (2/453).   ، والشَّافعيَّةِ- في أصحِّ الأوجُهِ- [386] ((المجموع)) للنَّووي (9/32)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/298).   ، والحنابلةِ [387] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (9/176)، ((الإنصاف)) للمَرْداوي (10/274).   ، وهو قولُ طائفةٍ مِنَ السَّلفِ [388] قال القُرطُبيُّ: (قال مالكٌ والشَّافعيُّ وابنُ أبي ليلى والأَوزاعيُّ والثَّوريُّ في روايةِ الأَشجَعيِّ: يُؤكَلُ كلُّ ما في البحرِ مِنَ السَّمكِ والدَّوابِّ، وسائرُ ما في البحرِ مِنَ الحيوانِ، وسواءٌ اصطيدَ أو وُجِد مَيتًا). ((تفسير القُرطُبي)) (6/319). ويُنظر: ((المحلى)) لابن حَزْم (6/62).   ، وحُكيَ الإجماعُ على ذلك [389] قال ابنُ قُدامةَ: (فأمَّا ما لا يعيشُ إلَّا في الماءِ، كالسَّمكِ وشَبَهِه، فإنَّه يُباحُ بغيرِ ذَكاةٍ، لا نَعلَمُ في هذا خلافًا) ((المغني)) (9/425).  
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكتاب
1 - قولُه: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ [الأنعام: 145]
وجهُ الدَّلالةِ:
 أنَّ حيواناتِ البحرِ دَخلَتْ تحتَ ما سِوَى المذكورِ في هذه الآيةِ ممَّا أَحَلَّ اللهُ [390] قال الشَّوكانيُّ: (فإنَّ حيواناتِ البحرِ قد دَخلَتْ تحتَ قولِه: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً وما وَردَ في معناه). ((السيل الجرار)) (ص 727).  
2 - قولُه تبارك وتعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ [المائدة: 96]
وجهُ الدَّلالةِ:
 أنَّ اسمَ الصَّيدِ يَقَع على ما سِوَى السَّمكِ مِن حَيوانِ البحرِ؛ فيَقتَضي أنْ يَكونَ الكلُّ حلالًا [391] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/35).  
ثانيًا: مِنَ السُّنَّة
1- عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه، قال: سَأل رَجُلٌ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رسولَ اللهِ، إنَّا نَركَبُ البحرَ، ونَحمِلُ معنا القليلَ مِنَ الماءِ، فإنْ تَوضَّأْنا به عَطِشْنا، أفنَتَوضَّأُ مِنَ البحرِ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((هو الطَّهورُ ماؤُه، الحِلُّ مَيْتتُه )) [392] أخرجه أبو داودَ (83)، والتِّرْمذيُّ (69)، والنَّسائيُّ (59)، وابنُ ماجَهْ (386)، وأحمدُ (8735). وصحَّحه البُخاريُّ كما في ((الاستذكار)) لابن عبدِ البَرِّ (1/197). وقال التِّرْمذيُّ: حسَنٌ صحيحٌ. وأخرجه ابنُ حِبَّانَ في ((صحيحه)) (1243). وصحَّحه ابنُ عبدِ البَرِّ في ((التَّمهيد)) (16/217)، وقال: لأنَّ العلماء تَلقَّوْه بالقَبول. وكذا صحَّحه النَّوويُّ في ((المجموع)) (1/82).  
وجهُ الدَّلالةِ:
أنَّه وَصَف مَيْتةَ البحرِ بالحِلِّ مِن غيرِ فصْلٍ بيْن السَّمكِ وغيرِه [393] ((التمهيد)) لابن عبدِ البَرِّ (23/13)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/35).   ، وقد تَقرَّر في الأصولِ أنَّ المُفرَدَ إذا أُضيفِ إلى معرفةٍ كان مِن صِيَغِ العُمومِ؛ فقولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَيْتَتُه)) يَعُمُّ بظاهِرِه كلَّ مَيْتةٍ ممَّا في البحرِ [394] ((أضواء البيان)) للشِّنقيطي (1/51).  
2 - عن جابر رضيَ اللهُ عنه، قال: ((غَزَوْنا جيشَ الخَبَطِ، وأُمِّرَ أبو عُبَيدةَ، فجُعْنا جوعًا شديدًا، فأَلْقى البحرُ حُوتًا مَيِّتًا لم يُرَ مِثلُه، يُقالُ له العَنْبرُ، فأكَلْنا منه نِصفَ شهرٍ، فأخذ أبو عُبَيدةَ عَظْمًا مِن عِظامِه، فمَرَّ الرَّاكِبُ تحتَه... فأخبَرَني أبو الزُّبَيرِ، أنَّه سمِع جابرًا يقولُ: قال أبو عُبَيدَةَ: كُلوا. فلمَّا قدِمْنا المدينةَ ذكَرْنا ذلك للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: كُلوا رِزقًا أخرَجه اللهُ، أَطعِمونا إنْ كان معَكم. فأتاه بعضُهم بعُضوٍ فأَكَله )) [395] أخرجه البُخاري (4362) واللَّفظُ له، ومسلم (1935).  
وجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ هذا يَدُلُّ على أنَّ دَوابَّ البحرِ كلَّها حلالٌ، مِنَ السَّمكِ وغيرِه [396] ((الأوسط)) لابن المُنذِر (1/394).  
3- عن زَيدِ بنِ أَسلَمَ، عن عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رضي الله عنهما، أنَّه قال: ((أُحِلَّتْ لنا مَيْتتان ودَمانِ: الجَرادُ والحِيتانُ، والكَبِدُ والطِّحالُ )) [397] تقدم تخريجه.  
رابعًا: أنَّ الأصلَ حِلُّ كلِّ حَيوانٍ بحْريٍّ إلَّا ما أَخرَجه الدَّليلُ مِن هذا الأصلِ ومِن عُمومِ الأدلَّةِ، أو كان مُستخبَثًا [398] ((السيل الجرار)) للشَّوكاني (ص 727).  

انظر أيضا: