الموسوعة الفقهية

المبحث الثَّاني: المسح على الجوارب


المطلب الأوَّل: حُكمُ المسحِ على الجَواربِ
يجوزُ المسحُ على الجَوربينِ في الجملة الجوربان: تثنيةُ جَوربٍ، وهو لِباسُ الرِّجل، ويُسمِّيه العامَّة (شراب). انظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (1/259)، ((تاج العروس)) للزبيدي (2/156). ، وهو مذهب الشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/499)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/364). ، والحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/124، 125)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/215). ، والظَّاهريَّة ((المحلى)) لابن حزم (1/321). ، وبه قال أبو يوسفَ، ومحمَّد بن الحسن ((المبسوط)) للسرخسي (1/96)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/10) ، ورُوي رجوعُ أبي حنيفة إليه في مرَضِه ((المبسوط)) للسرخسي (1/96)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/10) ، وبه قال بعضُ السَّلف قال ابن حزم: (فَهُم- عمر وعليٌّ، وعبد الله بن عمرو، وأبو مسعود، والبراء بن عازب، وأنس بن مالك، وأبو أُمامة، وابن مسعود، وسعد، وسهل بن سعد، وعمرو بن حريث- لا يُعرَفُ لهم ممَّن يُجيزُ المسحَ على الخفَّينِ مِن الصَّحابة رَضِيَ اللهُ عنهم مخالِفٌ. ومن التَّابعين: سعيدُ بن المسيَّب وعطاء، وإبراهيمُ النَّخَعي والأعمش، وخِلَاس بن عمرو، وسعيد بن جبير، ونافع مولى ابن عمر، وهو قولُ سفيان الثوريِّ، والحسن بن حي، وأبي يوسف، ومحمَّد بن الحسن، وأبي ثور، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وداود بن عليٍّ، وغيرهم). ((المحلى بالآثار)) (1/323).  قال النوويُّ: (حكَى أصحابنا عن عُمر وعليٍّ رَضِيَ اللهُ عنهما جوازَ المسحِ على الجورَبِ، وإنْ كان رقيقًا). ((المجموع)) (1/500). ، واختاره ابنُ باز قال ابنُ باز: (يجوزُ المَسحُ على الجوربين، وهما: ما يُنسَجُ لِسَترِ القدَمينِ من قُطنٍ أو صوفٍ أو غيرهما، كالخفَّين في أصحِّ قولَي العلماء؛ لأنَّه قد ثبَت عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه (مسح على الجَوربينِ والنَّعلين)، وثبَت ذلك عن جماعةٍ من أصحاب النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ورَضِيَ اللهُ عنهم؛ ولأنَّهما في معنى الخفَّينِ في حُصولِ الارتفاقِ بهما). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/112). ، وابنُ عثيمين قال ابنُ عثيمين: (القول الراجح: أنَّه يجوزُ المسحُ على الجَوربِ المخرَّقِ، والجوربِ الخفيف الذي تُرى من ورائِه البَشَرة؛ لأنَّه ليس المقصودُ مِن جواز المسحِ على الجورَبِ ونحوه أن يكون ساترًا). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/167).
الدليلُ مِن الآثار:
عمَلُ الصَّحابة رَضِيَ اللهُ عنهم، وحكَى فيه إجماعَهم: ابنُ حزم قال ابن حزم: (وقد رُوي أيضًا عن عبد الله بن مسعود وسعد بن أبي وقَّاص، وسَهْل بن سعد وعمرو بن حُرَيث، وعن سعيد بن جُبَير ونافع مولى ابن عمر؛ فَهُم- عمر وعليٌّ، وعبد الله بن عمرو وأبو مسعود، والبراء بن عازب وأنس بن مالك، وأبو أُمامة وابن مسعود، وسعد، وسهل بن سعد، وعمرو بن حُرَيث- لا يُعرف لهم ممَّن يُجيزُ المسحَ على الخفَّين من الصَّحابة رَضِيَ اللهُ عنهم مخالِفٌ). ((المحلى)) (1/324). ، وابن قُدامة قال ابن قدامة: (... لأنَّ الصَّحابةَ رَضِيَ اللهُ عنهم مسَحوا على الجوارِبِ، ولم يظهرْ لهم مخالِفٌ في عَصرِهم؛ فكان إجماعًا). ((المغني)) (1/215).
المطلب الثَّاني: المسحُ على الجوارِبِ إذا لم تكُن صفيقةً
اختلف أهلُ العِلمِ في جوازِ المَسحِ على الجوارِبِ، إذا لم تكُن صفيقةً صفيقةٌ: جمع صَفيقٍ: أي ثَخينٍ غيرِ شفَّاف، بحيث لا تُرى البَشَرةِ معه. ((لسان العرب)) لابن منظور (10/204)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/231). ، وذلك على قولينِ:
القول الأوّل: يجوزُ المسحُ على الجَوربينِ مطلقًا، ولو لم يكونا صَفيقينِ، وهذا مَذهَبُ الظَّاهريَّة ((المحلى)) لابن حزم (1/321). ، وبه قال بعضُ السَّلف قال النوويُّ: (حكَى أصحابُنا عن عمر وعليٍّ رَضِيَ اللهُ عنهما جوازَ المسحِ على الجورب، وإنْ كان رقيقًا). ((المجموع)) (1/500) ، واختاره ابنُ عُثيمين قال ابنُ عثيمين: (القول الرَّاجح: أنَّه يجوز المسحُ على الجورَبِ المخرَّق، والجورَبِ الخفيف الذي تُرى مِن ورائه البَشَرة؛ لأنَّه ليس المقصودُ مِن جواز المسحِ على الجورب ونحوه أن يكونَ ساترًا). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/167). ؛ وذلك لأنَّ المقصودَ مِن جوازِ المَسحِ على الخفِّ والجوربِ، ونحوهما، الرُّخصةُ للمُكلَّف، والتسهيلُ عليه، بحيث لا يلزَمُه خلْعُ الجورَبِ، أو الخفِّ عند الوضوءِ، وهذه العلَّة يستوي فيها الخفُّ أو الجورَبُ؛ المخرَّقُ والسَّليمُ، والخفيفُ والثَّقيلُ ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/167).
القول الثاني: لا يجوزُ المسحُ على الجوارِبِ إذا لم تكن صفيقةً، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (1/269)، ((الفتاوى الهندية)) (1/32). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/499). ، والحنابلة ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/61)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/215). ، وهو اختيارُ ابنِ باز قال ابن باز: (مِن شرْطِ المسحِ على الجوارِبِ: أن يكونَ صفيقًا ساترًا، فإنْ كان شفَّافًا لم يجُزِ المسحُ عليه؛ لأنَّ القدَم- والحال ما ذُكر- في حُكمِ المكشوفة). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/110).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّه إذا لم يكن صفيقًا، فإنَّه لا يُمكِنُ متابعةُ المشيِ عليه؛ ولذا لم يجُزِ المسحُ عليه ((المجموع)) للنووي (1/500).
ثانيًا: أنَّ الرَّقيقَ ليس بساتر، فإذا كان شفَّافًا، فالقدَمُ في حُكمِ المكشوفة ((المغني)) لابن قدامة (1/215)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/110).

انظر أيضا: