الموسوعة الفقهية

الفصلُ الأوَّلُ: تعريفُ اللِّباسِ وأهمِّيَّتُه وحِكمةُ مَشروعيَّتِه


المبحث الأول: تعريفُ اللِّباسِ
اللِّباسُ، والمَلبَسُ: هو كُلُّ ما يَستُرُ الجِسمَ مِن ثِيابٍ ودِرعٍ [1] ((مُعجَم مقاييس اللُّغة)) لابن فارِس (5/230)، ((لسان العرب)) لابن منظور (6/202)، ((المُعجَم الوسيط)) (2/813).
المبحث الثاني: اهتمامُ الإسلامِ باللِّباسِ وحِكمةُ مَشروعيَّتِه
المطلب الأول: اهتمامُ الإسلامِ باللِّباسِ
أولى الإسلامُ اللِّباسَ عِنايةً بالغةً واهتمامًا كبيرًا، ويتجلَّى ذلك في أمورٍ؛ منها:
1- أنَّ اللِّباسَ مِمَّا امتَنَّ اللهُ به على الإنسانِ وميَّزَه عن الحيوانِ؛ قال تعالى يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا [2] قال ابنُ كثيرٍ: (يمتَنُّ تبارك وتعالى على عبادِه بما جعَلَ لهم مِن اللِّباسِ والرِّيشِ؛ فاللِّباسُ المذكورُ هاهنا لسَترِ العَوراتِ، وهي السَّوآتُ. والرِّياشُ والرِّيشُ: هو ما يتجَمَّلُ به ظاهِرًا، فالأوَّلُ من الضروريَّاتِ، والريشُ مِن التَّكمِلاتِ والزياداتِ). ((تفسير ابن كثير)) (3/399). [الأعراف: 26]
2- النَّهيُ عن نَزعِ اللِّباسِ، وتَسميةُ ذلك فِتنةً؛ قال تعالى:يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عنهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا [الأعراف: 27]
المطلب الثاني: حِكمةُ مَشروعيَّةِ اللِّباسِ
1- أنَّه سَترٌ للعَورةِ وفي ذلك حِفظٌ للأعراضِ وصيانةٌ للمُجتَمَع
قال تعالى: يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ [الأعراف: 26]
2- اللِّباسُ يقي الإنسانَ الحَرَّ والبَردَ
قال تعالى: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ * يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ [النحل: 81 - 83]
فقَولُه تعالى: وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ أي: ألبِسةً وثِيابًا [3] ((تفسير السعدي)) (ص: 445).
3- فيه إظهارُ نِعمةِ الله وشُكرِه عليها
إنَّ اللهَ تعالى جميلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، ومِن الجَمالِ الذي يُحِبُّه جَمالُ الثِّيابِ؛ لذا أنزل اللهُ تعالى على عبادِه لِباسًا وزِينةً تُجَمِّلُ ظَواهِرَهم، وتَقْوى تُجَمِّلُ بواطِنَهم، فقال: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ [الأعراف: 26] وهو سُبحانَه يُحِبُّ ظُهورَ أثَرِ نِعمتِه على عبدِه، فيُحِبُّ أنْ يرى على عَبدِه الجَمالَ الظَّاهرَ بالنِّعمةِ، والجَمالَ الباطِنَ بالشُّكرِ عليها [4] يُنظر: ((الفوائد)) لابن القيم (ص: 184).
وعن أبي الأحوصِ، عن أبيه رضي الله عنه، قال: ((أتيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في ثوبٍ دُونٍ، فقال: ألك مالٌ؟ قال: نعم، قال: مِن أيِّ المالِ؟ قال: قد آتاني اللهُ مِن الإبِلِ والغَنَمِ، والخَيلِ والرَّقيقِ، قال: فإذا آتاك اللهُ مالًا فلْيُرَ أثَرُ نِعمةِ اللهِ عليك، وكرامتِه )) [5] أخرجه أبو داود (4063) واللَّفظُ له، والنَّسائي (5224)، وأحمد (15928). قال الدَّارقُطني في ((الإلزامات والتتبُّع)) (72): يلزمُ مسلمًا إخراجُه، وصحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سُنن أبي داود)) (4063)، والوادعي في ((الصحيح المُسنَد)) (1109) وقال: على شرط مُسلمٍ.
ومَن تناولَ ما أباحه اللهُ مِن الطَّعامِ واللِّباسِ مُظهِرًا لنِعمةِ اللهِ مُستعينًا على طاعةِ اللهِ، كان مُثابًا على ذلك [6] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (22/138).

انظر أيضا: