الموسوعة الفقهية

الفصل الثالث: التحلُّلُ مِنَ الإحصارِ


تمهيدٌ: حِكمةُ مَشروعيَّةِ التحلُّلِ
شَرَعَ اللهُ التحلُّلَ لحاجةِ المُحصَر إليه، ورفعًا للحَرَج والضَّرَرِ عنه، حتى لا يظَلَّ مُحرِمًا إلى أن يندفِعَ عنه المانِعُ من إتمامِ الحَجِّ أو العمرةِ قال الشافعي في حكمة مشروعيَّة التحلُّل: (جعَلَ اللهُ على النَّاس إتمامَ الحجِّ والعمرةِ، وجعلَ التحلُّلَ للمُحصَرِ رخصةً) ينظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (4/3). وقال الكاساني: (المُحصَر محتاجٌ إلى التحلُّلِ؛ لأنَّه مُنِعَ عن المضيِّ في موجِبِ الإحرامِ على وجهٍ لا يمكِنُه الدفعُ، فلو لم يَجُزْ له التحلُّلُ لبَقِيَ محرِمًا لا يحِلُّ له ما حَظَرَه الإحرامُ إلى أن يزولَ المانِعُ، فيمضي في موجِبِ الإحرامِ، وفيه مِنَ الضَّررِ والحَرَج ما لا يخفى، فمَسَّتِ الحاجةُ إلى التحلُّل والخروجِ من الإحرامِ؛ دفعًا للضَّرَر والحرج، وسواءٌ كان الإحصارُ عن الحجِّ أو عن العمرةِ، أو عنهما عند عامَّةِ العلماء) ((بدائع الصنائع)) (2/177).
المبحث الأوَّل: كيفيَّةُ تحلُّلِ المُحصَر
المطلب الأوَّل: نيَّةُ التحلُّلِ
تُشتَرَطُ نيَّةُ التحلُّلِ عند ذبحِ الهَدْيِ، وهو مَذهَب الشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/304)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/534). ، والحَنابِلَة ((الإقناع)) للحجاوي (1/307)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/455)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/330).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّة
قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى )) رواه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ثانيًا: لأنَّه يريدُ الخُروجَ من العبادةِ قبل إكمالِها، فافتقَرَ إلى قَصْدِه، ولأنَّ الذَّبحَ قد يكون لغيرِ الحِلِّ، فلم يتخَصَّصْ إلَّا بقَصْدِه ((المغني)) لابن قُدامة (3/330).
المطلب الثاني: ذَبْحُ هَدْيِ الإحصارِ
الفرع الأوَّل: مكانُ ذَبْحِ هَدْيِ الإحصارِ وزمانه
المُحْصَرُ يذبَحُ الهَديَ في المكانِ الذي أُحصِرَ فيه وقت حصره فلا يتوقت بيوم النحر. ، سواءٌ كان في الحِلِّ، أو في الحَرَمِ، وهو مَذهَب المالكيَّة ((مواهب الجليل)) لحطاب (4/294)، ويُنظر: ((التمهيد)) لابن عَبدِ البَرِّ (15/195). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/303، 298- 299). ، والحنابلة ((الإقناع)) (1/372)، ((المبدع)) لابن مفلح (3/ 122)، وينظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/327). ، وهو قولُ أكثَرِ أهلِ العِلْمِ قال البغوي: (والهدايا كلُّها يختَصُّ ذبحُها بالحَرَم، إلَّا هَدْيَ المُحصَر، فإنَّ مَحِلَّ ذبحِه حيث يُحصَر؛ عند أكثر أهل العلم) ((شرح السنة)) (7/285).
الأدلَّة:
أدلة ذبح الهدي في مكان الإحصار
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّة
 أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَحَرَ هَدْيَه بالحُدَيبيَة حيثُ أُحصِرَ، وهي خارجُ الحَرَمِ ينظر ما رواه البخاري (2731)
ثانيًا: لأنَّ ذلك يُفضِي إلى تعذُّرِ الحِلِّ، لتعذُّرِ وصولِ الهَدْيِ إلى مَحِلِّه ((المغني)) لابن قُدامة (3/328).
ثالثًا: ولأنه موضع تحلله فكان موضع ذبحه ((المبدع)) لابن مفلح (3/122).
دليل كون ذبح الهدي وقت الإحصار
الدَّليل مِنَ الكِتابِ:
قوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: 196]
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّه أطلَقَ عندما ذَكَرَ الهَدْيَ ولم يُوَقِّتْه بزمانٍ ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/79)، ((أحكام القرآن للجصاص)) (1/ 342).  
الفرع الثاني: العَجْزُ عن الهَدْيِ
اختلفَ الفُقهاءُ فيما إذا عجَزَ المُحصَر عن الهَديِ هل عليه بدَلٌ أو لا؟ على أقوالٍ؛ منها:
القول الأوّل: أنَّ مَن لم يجِدِ الهَديِ ليس عليه بدَلٌ، وله أن يتحَلَّلَ، وهو قولٌ عند الشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/299). ، واختارَه ابنُ عُثيمين ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/184).
 وذلك للآتي:
أوَّلًا: لَمَّا سكت اللهُ عزَّ وجلَّ عن الصِّيامِ في الإحصارِ، وأوجَبَه في التمتُّعِ لِمَن عَدِمَ الهديَ؛ دلَّ على أنَّ مَن لم يجِدِ الهَديَ من المُحصَرينَ ليس عليه شيءٌ، فيحِلُّ بدون شيءٍ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/184).
ثانيًا: أنَّ الظَّاهِرَ مِن حالِ كثيرٍ مِنَ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم أنَّهم فقراءُ، ولم يُنقَلْ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَرَهم بالصِّيامِ، والأصلُ بَراءةُ الذِّمَّةِ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/184).
القول الثاني: مَن لم يجِدِ الهَديَ يَلزَمُه أنْ يصومَ عَشَرةَ أيَّامٍ ثمَّ يحِلُّ، وهو مَذهَب الحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/455)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/330). ، وأشهبَ مِنَ المالكيَّة ((الذخيرة)) للقرافي (3/189). ، وقولٌ عند الشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/299). ، واختارَه ابنُ باز ((مجموع فتاوى ابن باز)) (18/7).
وذلك للآتي:
أولا: لأنَّه دَمٌ واجِبٌ للإحرامِ، فكان له بدَلٌ، كدمِ التمتُّعِ والطِّيبِ واللِّباسِ، ويتعيَّنُ الانتقالُ إلى صيامِ عَشَرةِ أيَّامٍ، كبَدَلِ هَديِ التَّمتُّعِ ((المغني)) لابن قُدامة (3/330)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/455).
ثانيًا: المُحصَر ليس له أن يتحلَّلَ إلَّا بعد الصِّيامِ، كما لا يتحَلَّلُ واجِدُ الهَديِ إلَّا بنَحْرِه ((المغني)) لابن قُدامة (3/330).
الفرع الثالث: ما يجِبُ مِنَ الهَديِ على المُحصَرِ القارِنِ
اختلف الفقهاءُ فيما يجِبُ على المُحصَر القارِنِ مِنَ الهَديِ على قولين:
القول الأوّل: يجِبُ على المُحصَر القارِنِ هَدْيٌ واحِدٌ، وهو مَذهَب الشَّافعيَّة ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/534). ، والحَنابِلَة ((الإقناع)) للحجاوي (1/399). ؛ وذلك لأنَّه مُحْرِمٌ بإحرامٍ واحدٍ، ويدخلُ إحرامُ العمرةِ في الحَجَّةِ، فيكفيه دمٌ واحدٌ ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/179).
القول الثاني: المُحصَر القارِنُ عليه هَدْيانِ، وهو مَذهَب الحَنَفيَّة ((البناية شرح الهداية)) للعيني (4/ 437)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/179). ، وذلك لأنَّه مُحرِمٌ بإحرامينِ؛ فلا يحِلُّ إلَّا بهَدْيَينِ ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/179).
المطلب الثالث: الحَلْقُ أو التَّقصيرُ
الحَلْقُ أو التَّقصيرُ واجِبٌ لتحَلُّلِ المُحصَر من الإحرامِ، وهو الأظهَرُ عند الشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/286)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/534). ، وقولٌ عند الحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/526)، ((المغني)) لابن قُدامة (3/330). ، وهو قول مالك ((المدونة)) لسحنون (1/398)، ((الاستذكار)) لابن عَبدِ البَرِّ (4/313). وروايةٌ عن أبي يوسف ((شرح مختصر الطحاوي)) (2/577-578). واختارَه الطحاويُّ قال الطحاوي: (وإذا كان حُكمُه في وقتِ الحَلْق عليه وهو مُحصَر؛ كحُكْمِه في وجوبِه عليه وهو غيرُ مُحصَرٍ- كان تركُه إيَّاه أيضًا وهو مُحصَر؛ كتَرْكه إياه وهو غير مُحصَر. وقد رُوي عن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما قد دلَّ على أنَّ حُكمَ الحَلْق باقٍ على المُحصَرين، كما هو على مَن وصل إلى البيت) ((شرح معاني الآثار)) (2/252). ، والشنقيطيُّ قال الشنقيطي: (الذي يظهَرُ لنا رُجحانَه بالدَّليلِ: هو ما ذهب إليه مالكٌ وأصحابه مِن لزومِ الحَلْق). ((أضواء البيان)) (1/86). ، وابنُ باز قال ابن باز: (والصوابُ أنَّ الإحصارَ يكون بالعدوِّ، ويكون بغيرِ العدوِّ كالمرض، فيُهْدِي ثم يحلِقُ أو يقَصِّر ويتحلَّل، هذا هو حُكْمُ المُحصَر) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (18/7). ، وابنُ عُثيمين قال ابن عُثيمين بعد ذِكرِه للحديثِ: (ففي هذا الحديثِ دليلٌ على وجوبِ الحَلْقِ، وإن لم يكُنْ مذكورًا في القرآنِ، لكنْ جاءت به السنَّة، والسنَّةُ تُكَمِّل القرآن) ((الشرح الممتع)) (7/183).
الدَّليل مِنَ السُّنَّة:
 أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فعَلَه عامَ الحُدَيبِيَةِ؛ فإنَّه حَلَقَ، وأمَرَ أصحابَه أن يحلِقوا.
فعَن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لأصْحابِه ((قُومُوا فانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا، قال: فواللَّهِ ما قام منهم رجلٌ حتَّى قال ذلك ثلاثَ مَرَّاتٍ، فلَمَّا لم يَقُمْ منهم أحدٌ، دَخَل عَلَى أُمِّ سَلَمةَ، فَذكَر لها ما لَقِيَ مِنَ النَّاسِ، فقالت أُمُّ سَلَمةَ: يا نَبِيَّ اللهِ، أتُحِبُّ ذلك؟ اخْرُجْ ثمَّ لا تُكَلِّمْ أحدًا منهم كلِمَةً، حتَّى تَنحَرَ بُدُنَك وتَدْعُوَ حالِقَك فيحْلِقَك، فخَرَج فلم يُكَلِّمْ أحدًا منهم حتَّى فَعَل ذلك؛ نَحَر بُدْنَه ودَعا حالِقَه فحَلَقَه، فلمَّا رَأَوْا ذلك قاموا فنَحَروا، وجَعَل بَعْضُهم يحلِقُ بعضًا )) رواه البخاري (2731) و(2732).
المبحث الثاني: اشتراطُ التحلُّلِ مِنَ الإحصارِ
المطلب الأوَّل: ما يلزَمُ المُحصَرَ إذا اشتَرَط
مَنِ اشتَرَط قبلَ حَجِّه وعُمْرَتِه؛ فإنْ أُحصِرَ تحلَّلَ ولم يلزَمْه شيءٌ مُطلقًا، وهو مَذهَبُ الحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 307)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/265). ، والأصَحُّ مِنْ مَذهَبِ الشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/310). لكنْ عند الشافعيَّة الاشتراطُ في الإحرامِ يُفيدُ المُحْرِمَ المشترِطَ جوازَ التحلُّلِ إذا طرأ له مانِعٌ مِمَّا لا يُعتَبَر سببًا للإحصارِ عندهم كالمرض ونَفادِ النَّفَقة، وضلالِ الطريقِ، ولأن التَّحَلُّل بالإحصارِ- كحصر العدوِّ- جائِزٌ بلا شَرْطٍ، فالشَرْطُ فيه لاغٍ، بينما الحنابِلَة سَوَّوْا في الاشتراطِ بينَ الموانِعِ التي تُعْتَبَرُ سَبَبًا للإحصارِ كالعدُوِّ، وبينَ الموانِعِ التي لا تُعتبرُ سببًا للإحصارِ عندَهم. ينظر: ((مغني المحتاج)) (1/534)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (2/215). ، واختيارُ ابنِ باز قال ابن باز: (لكن إذا كان المُحصَر قد قال في إحرامِه: فإنْ حَبَسَني حابسٌ فمَحَلِّي حيث حبَسْتَني؛ حَلَّ ولم يكن عليه شيءٌ؛ لا هَدْيٌ ولا غيرُه) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (18/10). ، وابنِ عُثيمين قال ابن عُثيمين: (فإذا كان قد اشترَطَ ووجَدَ ما يمنعه من إتمام النُّسُكِ، قلنا له: حِلَّ بلا شيءٍ) ((الشرح الممتع)) (7/73).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّة
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((دخل النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على ضُباعةَ بنتِ الزُّبيرِ، فقالت: يا رسولَ اللهِ، إنِّي أريدُ الحَجَّ، وأنا شاكيةٌ، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: حُجِّي، واشتَرِطي أنَّ مَحَلِّي حيث حبَسْتَني )) رواه البخاري (5089)، ومسلم (1207) واللفظ له.
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّه لَمَّا أمَرَها بالاشتراطِ أفاد شيئينِ؛ أحدُهما: أنَّه إذا عاقها عائقٌ مِن عدُوٍّ، أو مرضٍ، أو ذَهابِ نفقةٍ، ونحو ذلك؛ أنَّ لها التحلُّلَ. والثاني: أنَّه متى حلَّتْ بذلك، فلا دمَ عليها ولا صومَ ((المغني)) لابن قُدامة (3/265)..
ثانيًا: مِنَ الآثار
1- عن سُوَيد ِبنِ غَفَلةَ قال: (قال لي عُمَرُ: يا أبا أميَّةَ، حُجَّ واشتَرِطْ؛ فإنَّ لك ما شرَطْتَ، وللهِ عليك ما اشتَرَطْتَ) رواه الشافعي في ((الأم)) (7/200)، والبيهقي (5/222) (10411) وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (8/309)
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت لعُروةَ: (هل تستثني إذا حجَجْتَ؟ فقال: ماذا أقولُ؟ قالت: قُل: اللهُمَّ، الحجَّ أردْتُ، وله عَمَدْتُ، فإنْ يَسَّرْتَه فهو الحَجُّ، وإن حبَسَني حابسٌ فهو عمرةٌ) رواه الشافعي في ((مسنده)) (816)، والبيهقي (10414).  صحح إسناده على شرط الشيخين النووي في ((المجموع)) (8/309)
المطلب الثاني: حُكْمُ المُحصَرِ إذا وقع في بعضِ محظوراتِ الإحرامِ قبل التحلُّلِ
إذا فعَل المحصَرُ قبلَ إحلالِه شيئًا مِن محظوراتِ الإحرامِ، ممَّا يُوجبُ الفديةَ، كالطِّيبِ واللباسِ، وغيرِهما ، فالفديةُ واجبةٌ عليه، كغيرِ المحصَرِ، باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهية الأربعةِ: الحَنَفيَّة ((الفتاوى الهندية)) (1/ 255)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/178). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) لحطاب (4/304-305). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/ 303)، ويُنظر:((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/356). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/527)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/330).
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:
عن كَعْبِ بنِ عُجْرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((أتى عليَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم زمَنَ الحُدَيبِيَةِ والقَمْلُ يتناثَرُ على وجهي، فقال: أيُؤْذيكَ هوامُّ رأسِكَ؟ قلتُ: نعم. قال: فاحْلِقْ وصُمْ ثلاثةَ أيَّامٍ، أو أطعِمْ سِتَّةَ مساكينَ، أو انسُكْ نَسيكةً )) رواه البخاري (4190) واللفظ له، ومسلم (1201) ، وكان ذلك بعد الإحصارِ ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/356).
المطلب الثالث: القضاءُ على من أُحْصِرَ
مَن تحلَّلَ بالإحصارِ فليس عليه القَضاءُ لكنْ يَبقى وجوبُ أداءِ الحَجِّ في ذِمَّتِه؛ إن لم يكن حجَّ حَجَّةَ الإسلام، ويؤدِّيها على الفَورِ حالَ استطاعَتِه. ، وهو مَذهَب المالكيَّة ((شرح الزرقاني على مختصر خليل وحاشية البناني)) (2/ 590)، ويُنظر: ((التمهيد)) لابن عَبدِ البَرِّ (15/195). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/306). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (4/52)، ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/523).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة: 196]
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الله تعالى ذكَرَ الهَدْيَ والحَلْقَ، ولم يذكُرْ شيئًا سوى ذلك؛ فدلَّ على أنَّه لا قضاءَ على المُحصَرِ ((تفسير القرطبي)) (2/378).
ثانيًا: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يأمُرِ الذين أُحْصِروا في غزوةِ الحُدَيبِيَةِ أن يقضُوا تلك العمرةَ التي أُحْصِروا عنها ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عُثيمين)) (23/434).
المطلب الرابع: هلْ يَسقُطُ الفرضُ عنِ المُحصَرِ إذا تَحلَّلَ؟
المُحصَرُ لا يَسقُطُ عنه الحجُّ الواجبُ إذا تحلَّل، بل يَبقَى في ذِمَّتِه.
الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ:   
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابن تيميَّة [3623] قال ابنُ تيميَّة: (...المحصر عن البيت مطلقًا لعُذر، فإنَّه يتحلَّل من إحرامه، ولكن لم يسقطِ الفرضُ عنه، بل هو باقٍ في ذِمَّته باتِّفاق العلماء). ((مجموع الفتاوى)) (26/226).

انظر أيضا: