الموسوعة الفقهية

الفصل الرابع: الاستئجارُ على الحَجِّ


يجوزُ الاستئجارُ على الحَجِّ، وهو مذهَبُ المالكيَّةِ يجوز عند المالكيَّة مع الكراهة؛ ولهذا فالمنصوصُ عن مالكٍ كراهةُ إجارةِ الإنسانِ نفسَه في عملٍ لله تعالى، حجًّا أو غيرَه؛ لأنَّه مِن باب أكْلِ الدُّنيا بعَمَلِ الآخرة، ويقول في ذلك: (لَأَنْ يؤاجِرَ الرَّجُلُ نَفسَه في عَمَلِ اللَّبِنِ وقَطْعِ الحَطْبِ وسَوْقِ الإبِلِ؛ أحبُّ إليَّ مِن أن يعمَلَ عملًا لله بأُجْرةٍ). ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/4)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و((حاشية الدسوقي)) (2/18). ، والشَّافعيَّةِ يصِحُّ عند الشافعية: الاستئجارُ على ما لا تجِبُ له نيَّةٌ؛ كالأذانِ، ولا يصِحُّ الاستئجارُ لعبادةٍ يجب لها نيَّةٌ، كإجارةِ مسلمٍ لجهادٍ أو لإمامةٍ، ولو لِنَفلٍ؛ لأنه حصل لنَفْسِه، واستثنوا من ذلك الاستئجارَ للحَجِّ والعمرة، فيجوز الاستئجارُ لهما أو لأحدهما عن عاجزٍ أو ميِّتٍ. ((المجموع)) للنووي (7/120، 139)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/257). ، وروايةٌ عن أحمَدَ ((المغني)) لابن قُدامة (3/224)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (26/18). ، واختارَه ابنُ باز قال ابن باز لَمَّا سُئِلَ: هل يجوزُ أن أستأجِرَ مَن يقومُ بأداءِ الحجِّ لوالدي؛ علمًا بأنني لم أقضِ فريضةَ الحَجِّ بعدُ؛ لعدمِ وُجودِ مَحْرَمٍ لدي، أو إذا لم يكن ذلك جائزًا، فهل يجوزُ أن أقومَ بذلك العملِ في نَفْسِ العامِ الذي سوف أحجُّ فيه إن شاء الله؟ فقال: (لا حَرَجَ عليكِ أن تستأجري من يحجُّ عن أبيكِ، وإن كنتِ لم تحجِّي عن نفسِك، أمَّا أنتِ فليسَ لك الحجُّ عن أبيكِ إلَّا بعد أن تحجِّي عن نفسِك، ولا مانِعَ أن يحجَّ عن أبيكِ مَن قد حَجَّ عن نفسِه في السَّنَةِ التي تحُجِّينَ فيها عن نفسِك. واللهُ الموفِّق) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/412) وقال أيضًا لَمَّا سُئِلَ: هل يجوزُ أن أؤَجِّرَ على حجَّةِ والدتي، أم يلزَمُني أن أحجَّ عنها أنا بنفسي، وأيضًا والدي هل أقومُ بحجَّةٍ له، وأنا سمِعْتُ أنَّه قد حجَّ؟ فقال: (إنْ حَجَجْتَ عنهما بنَفْسِك، واجتهدتَ في إكمالِ حَجِّك على الوَجْهِ الشرعيِّ فهو الأفضلُ، وإن استأجَرْتَ من يحُجُّ عنهما مِن أهلِ الدِّينِ والأمانةِ، فلا بأسَ) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/407). وابنُ عُثيمين ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (10/57، 58).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّة
1- عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أنَّه قال: ((إنَّ أحَقَّ ما أخَذْتُم عليه أجرًا كتابُ اللهِ )) رواه البخاري (5737)
2- عن أبي سعيدٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رهطًا من أصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم انطَلَقوا في سَفْرةٍ سافَرُوها، حتى نَزَلوا بحيٍّ مِن أحياءِ العَرَبِ، فاستضافوهم فأبَوْا أن يُضَيِّفوهم، فلُدِغَ سَيِّدُ ذلك الحيِّ، فسَعَوْا له بكلِّ شيءٍ، لا ينفَعُه شيءٌ، فقال بعضُهم: لو أتيتُم هؤلاءِ الرَّهْطَ الذين قد نَزَلوا بكم؛ لعَلَّه أن يكون عند بعضِهم شيءٌ، فأتَوْهم، فقالوا: يا أيُّها الرَّهْطُ، إنَّ سَيِّدَنا لُدِغَ، فسَعَيْنا له بكلِّ شيءٍ، لا ينفَعُه شيءٌ، فهل عند أحدٍ منكم شيءٌ؟ فقال بعضُهم: نعم، واللهِ إنِّي لراقٍ، ولكِنْ، واللهِ لقد استَضَفْناكم فلم تُضَيِّفونا، فما أنا براقٍ لكم حتى تَجْعَلوا لنا جُعْلًا، فصَالَحُوهم على قطيعٍ مِنَ الغَنَمِ، فانطلَقَ فجَعَلَ يتْفِلُ ويقرَأُ: الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ، حتَّى لَكأنَّما نُشِطَ مِن عِقالٍ، فانطلَقَ يمشي ما به قَلَبَةٌ، قال: فأَوْفَوْهُم جُعْلَهم الذي صالَحُوهم عليه، فقال بعضُهم: اقْسِمُوا، فقال الذي رَقَى: لا تَفْعَلوا حتى نأتيَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فنذكُرَ له الذي كان، فننظُرَ ما يأمُرُنا، فقَدِمُوا على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فذَكَروا له، فقال: وما يُدريكَ أنهَّا رُقيةٌ؟ أَصَبْتُم، اقْسِمُوا واضْرِبُوا لي معكم بِسَهْمٍ )) رواه البخاري (5749) واللفظ له، ومسلم (2201)
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ أصحابَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخَذوا الجُعْلَ على الرُّقيةِ بكتابِ اللهِ، وأخبروا بذلك النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فصَوَّبهم فيه، فدلَّ على جوازِ مِثلِ ذلك، وأَوْلى منه القُرَبُ التي تدخُلُها النيابةُ كالحَجِّ والعُمرةِ ((المغني)) لابن قُدامة (3/224).
ثانيًا:أنَّه يجوز أخذُ النَّفَقةِ على النِّيابةِ في الحجِّ، فجاز الاستئجارُ عليه، كبناءِ المساجِدِ والقناطِرِ ((المغني)) لابن قُدامة (3/224).
ثالثًا: أنَّ عليه عَمَلَ النَّاسِ، ولا يَسَعُهم إلَّا القَولُ به؛ لأنَّ القَولَ بِمَنْعِه يُفضي إلى سَدِّ بابِ النيابةِ نهائيًّا؛ لندورِ النِّيابةِ على سبيل التبرُّع ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (26/14)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين(10/57، 58).

انظر أيضا: