الموسوعة الفقهية

الفصل الرابع: حُكْمُ مَن فاتَه المبيتُ الواجِبُ في مُزْدَلِفةَ


مَن فاتَه المبيتُ الواجِبُ بالمُزْدَلِفةِ صَحَّ حَجُّه، وعليه دمٌ إلَّا إن ترَكَه لعُذْرٍ مِنَ الأعذارِ التي كَثُرَتْ في الآوِنَةِ الأخيرةِ: تَعَطُّلُ السَّيْرِ بسبَبِ الزِّحامِ، انظر: ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (11/215-216). فلا شيءَ عليه، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((المبسوط)) للشيباني (2/423)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/136). ، والمالِكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/169-170)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/263). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/136)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/499-500). ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/497)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/437).
الدَّليلُ على وجوبِ الدَّمِ:
عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه قال: ((مَن نَسِيَ مِن نُسُكِه شيئًا، أو تَرَكَه؛ فلْيُهْرِقْ دمًا)) رواه مالك في ((الموطأ)) (1/419)، والدارقطني (2/244)، والبيهقي (9191). صَحَّح إسناده موقوفا على ابن عباس: النووي في ((المجموع)) (8/99)، وابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/314)، وصححه ابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (17/397)، والألباني في ((إرواء الغليل)) (1100).
وَجْهُ الدَّلالةِ:
 أنَّ مِثْلَه لا يُقالُ بالرأيِ؛ فله حُكْمُ الرَّفعِ، ولا مُخالِفَ له مِنَ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم، وعليه انعَقَدَتْ فتاوى التَّابعينَ، وعامَّةِ الأُمَّة قال الشنقيطي: (إذا علمْتَ أنَّ الأثر المذكور ثابتٌ بإسنادٍ صحيحٍ عن ابن عبَّاس، فاعلمْ أنَّ وجه استدلال الفقهاء به على سائِرِ الدماء التي قالوا بوجوبها غيرِ الدِّماءِ الثابتة بالنصِّ، أنه لا يخلو من أحدِ أمرينِ: الأوَّل: أن يكونَ له حُكْمُ الرَّفْعِ، بناءً على أنَّه تعبُّدٌ، لا مجال للرأيِ فيه، وعلى هذا فلا إشكالَ. والثَّاني: أنَّه لو فُرِضَ أنَّه مما للرأي فيه مجالٌ، وأنه موقوفٌ ليس له حُكْمُ الرَّفع، فهو فتوى من صحابيٍّ جليلٍ لم يُعْلَمْ لها مخالِفٌ مِنَ الصَّحابةِ، وهم رَضِيَ الله عنهم خيرُ أُسوةٍ بعد رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) ((أضواء البيان)) (4/473)، وانظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/152)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/367).
الأدِلَّةُ على سُقُوطِ الدَّمِ عَمَّن تَرَكَ المبيتَ بالمُزْدَلِفةِ لعُذْرٍ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رخَّصَ للرُّعاةِ في تَرْكِ المبيتِ؛ لحديثِ عاصم بن عَدِيٍّ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أرْخَصَ لِرِعاءِ الإبِلِ في البَيْتوتَةِ خارجينَ عَن مِنًى )) رواه أبو داود (1975)، والترمذي (955)، والنسائي (3069)، وابن ماجه (3037)، وأحمد (23826)، ومالك في ((الموطأ)) (1/408) واللفظ له، والدارمي (1897)، قال الترمذي: حسن صحيح، وصحَّحه ابنُ عَبْدِ البَرِّ في ((الاستذكار)) (3/651) وقال: وله شواهد، وابن الملقن في ((الإعلام)) (6/386)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1975).
2- أنَّ العبَّاسَ بنَ عبدِ المطَّلِبِ استأذَنَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يبيتَ بمكَّةَ لياليَ مِنًى؛ مِن أجْلِ سِقايَتِه، فأذِنَ له رواه البخاري (1634)، ومسلم (1315) واللفظ له.
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّه يُقاسُ مُزْدَلِفةُ على مِنًى ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/506).
ثانيًا: أنَّها ليلةٌ يُرمَى في غَدِها، فكان لهم تَرْكُ المبيتِ فيها، كليالي مِنًى ((المغني)) لابن قُدامة (3/437).

انظر أيضا: