الموسوعة الفقهية

المبحث الثَّاني: الخِطْبةُ للمُحْرِمِ


لأَهْلِ العِلْم في خِطبةِ المُحْرِم قولانِ:
القول الأوّل: تُكْرَه الخِطْبةُ للمُحْرِم، والمُحْرِمةِ، ويُكْرَه للمُحْرِم أن يخطُبَ للمُحِلِّينَ، وهو مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/283، 284). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 350)، ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/314). ، واختيارُ ابنِ قُدامة ((المغني)) لابن قُدامة (3/ 308).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن عثمانَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سَمِعْتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم يقول: ((لا يَنْكِحِ الْمُحْرِمُ، وَلَا يُنْكِحْ، وَلا يَخْطُبْ )) رواه مسلم (1409)
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
عَنْ عبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه كان يقول: ((لَا يَنْكِحِ الْمُحْرِمُ، وَلَا يَخْطُبْ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ )) رواه مالك في ((الموطأ)) (3/506)، والشافعي في ((الأم)) (6/201)، والبيهقي (14601). وصَحَّحه ابن حَزْم في ((المحلى)) (7/199)، وصَحَّح إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/228).
ثالثًا: أنَّ النكاحَ لا يجوز للمُحْرِم، فكُرِهَتِ الخِطبةُ له ((المجموع)) للنووي (7/283).
رابعًا: أنَّه تسبَّبَ إلى الحرامِ، فأشبَهَ الإشارةَ إلى الصَّيْدِ ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/314).
القول الثاني: أنَّه تَحْرُمُ خِطبَةُ المُحْرِمِ، وهو مَذْهَبُ المالِكِيَّة ((حاشية العدوي)) (2/97)، ويُنظر: ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (1/147)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (3/1000). ، واختيارُ ابنِ حَزْم قال ابنُ حزم: (ولا يحِلُّ لرجلٍ، ولا لامرأة، أن يتزوَّجَ أو تتزوَّج، ولا أن يُزَوِّجَ الرجلُ غيرَه من وَلِيَّتِه، ولا أن يخطُبَ خِطبةَ نكاحٍ مُذْ يُحْرِمان إلى أن تطْلُعَ الشَّمسُ مِن يومِ النَّحْرِ) ((المحلى)) (5/211). ، وابنِ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (قال ابنُ عقيل في موضع: لا يحِلُّ له أن يخطُبَ ولا يَشْهَد، وهذا قياس المذهبِ؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم نهى عن الجميع نهيًا واحدًا ولم يُفَصِّل، وموجِبُ النهي التحريمُ، وليس لنا ما يعارض ذلك من أثرٍ ولا نظرٍ، بل رُوِيَ ما يؤكِّدُ ذلك؛ فعن نافع أنَّ عبد الله بن عمر قال: لا يصلُحُ للمُحْرِمِ أن يخطُبَ ولا يَنكِحَ ولا يخطُبَ على غيره، ولا يُنكِحَ غيرَه، رواه حَرْب) ((شرح العمدة)) (3/216). ، والصنعانيِّ قال الصنعاني: (الحديثُ دليلٌ على تحريمِ العَقْدِ على المُحْرِم لنفسِه ولغيرِه، وتحريمُ الخِطْبةِ كذلك) ((سبل السلام)) (1/621). ، والشِّنْقيطيِّ قال الشِّنْقيطيُّ: (الأظهر عندي: أنَّ المُحْرِمَ لا يجوز له أن يخطُبَ امرأةً، وكذلك المُحْرِمةُ، لا يجوز للرجلِ خِطْبَتُها؛ لِمَا تقدَّمَ من حديث عثمان، عند مسلم: ((لا يَنْكِحِ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحْ وَلا يَخْطُبْ)) فالظاهِرُ أنَّ حرمةَ الخِطبةِ كحُرمةِ النِّكاحِ؛ لأنَّ الصيغة فيهما متَّحدةٌ، فالحكم بحُرمةِ أحدِهما دون الآخَر يحتاجُ إلى دليلٍ خاصٍّ، ولا دليلَ عليه، والظَّاهِرُ من الحديث حُرمةُ النِّكاحِ وحُرمةُ وَسيلَتِه التي هي الخِطْبة، كما تَحْرُمُ خِطبةُ المُعْتَدَّة، وبه تعْلَمُ أنَّ ما ذكره كثيرٌ من أَهْل العِلْم من أنَّ الخِطبةَ لا تَحْرُم في الإحرام، وإنما تُكْرَه أنَّه خلافُ الظَّاهِرِ مِنَ النَّصِّ، ولا دليل عليه) ((أضواء البيان)) (5/28). ، وابنِ باز قال ابنُ باز: (ويحرمُ على المُحْرِم من الرجال والنساء قتلُ الصَّيدِ البريِّ، والمعاونةُ في ذلك، وتنفيرُه من مكانه، وعقدُ النكاح، والجماعُ، وخِطبةُ النِّساء، ومباشرَتُهن بشهوةٍ؛ لحديثِ عثمان رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم قال: ((لا يَنْكِحِ الْمُحْرِمُ، وَلَا يُنْكِحْ، وَلا يَخْطُبْ)) رواه مسلم) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/58) وابنِ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (لا يجوز لإنسان مُحْرِم أن يخطُبَ امرأةً، ولا يجوز أن تُخطَبَ المرأةُ المُحْرِمةُ، فإن فعل وخطب امرأةً وهو مُحْرِم، فليس له حقٌّ في هذه الخِطْبة، يعني فيجوزُ لإنسانٍ آخَرَ أن يخطُبَ             هذه المرأةَ؛ لأنَّ خِطْبة هذا الرجُل المُحْرِم فاسدةٌ غيرُ مشروعةٍ، فلا حقَّ له، مع أنَّ الخِطبةَ على خِطْبةِ أخيه في الأصل حرامٌ، لكنْ لَمَّا كانت الخِطْبةُ خِطبةُ المُحْرِم خِطْبةً فاسدةً؛ صار لا حَقَّ له في ذلك، وجاز لغيره أن يخطُبَ هذه المرأةَ، يعني: خِطْبَة المُحْرِم لها خِطْبةٌ منهِيٌّ عنها، لا أثَرَ لها، ولا يترتَّبُ عليها أحكامُ الخِطبةِ) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عُثيمين)) (22/ 165). وقال أيضًا: ((الخِطبةُ الصَّحيحُ أنَّها حرام؛ لأنَّ النهيَ فيها واحدٌ مع العقدِ، وعمومُ الحديث: ((ولا يخطُبْ))، أنَّه لا يخطُبُ تعريضًا ولا تصريحًا) ((الشرح الممتع)) (7/154).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عُثمانَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سَمِعْتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم يقول: ((لا يَنْكِحِ الْمُحْرِمُ، وَلَا يُنْكِحْ، وَلا يَخْطُبْ )) رواه مسلم (1409).
وجه الدَّلالَة:
أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم نهى عن الجميعِ نهيًا واحدًا ولم يُفَصِّلْ، وموجِبُ النَّهيِ التحريمُ، وليس لنا ما يعارِضُ ذلك مِنْ أثَرٍ ولا نظَرٍ ((شرح العمدة)) لابن تيميَّة (3/216).
ثانيًا: عَنْ عبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه كان يقول: ((لَا يَنْكِحِ الْمُحْرِمُ، وَلَا يَخْطُبْ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ )) رواه مالك في ((الموطأ)) (3/506)، والشافعي في ((الأم)) (6/201)، والبيهقي (14601). وصَحَّحه ابن حَزْم في ((المحلى)) (7/199)، وصَحَّح إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/228).
ثالثًا: أنَّ الخِطبةَ مُقَدِّمةُ النِّكاحِ وسببٌ إليه، كما أنَّ العقدَ سببٌ للوطءِ، والشَّرْعُ قد منع من ذلك كلِّه؛ حسمًا للمادَّةِ ((شرح العمدة)) لابن تيميَّة (3/217).
رابعًا:أنَّ الخِطبةَ كلامٌ في النِّكاحِ وذِكْرٌ له، وربَّما طال فيه الكلامُ، وحصل بها أنواعٌ مِن ذِكْرِ النِّساءِ، والمُحْرِمُ ممنوعٌ من ذلك كلِّه ((شرح العمدة)) لابن تيميَّة (3/217).
خامسًا: أنَّ الخِطْبَةَ توجِبُ تعَلُّقَ القَلبِ بالمخطوبةِ، واستثقالَ الإحرامِ والتعجُّلَ إلى انقضائِه؛ لتحصيلِ مقصودِ الخِطبةِ، كما يقتضي العقدُ تَعلُّقَ القَلْبِ بالمنكوحةِ ((شرح العمدة)) لابن تيميَّة (3/216).
مَسْألةٌ: الشَّهادةُ على عَقْدِ النِّكاحِ
لا تأثيرَ للإحرامِ على الشَّهادةِ على عقْدِ النِّكاحِ، وقد نصَّ على ذلك فُقَهاءُ الشَّافِعِيَّةِ ((المجموع)) للنووي (7/284). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/350)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/308). إلا أنَّ الحَنابِلَة يرون كراهة شهادة المُحْرِم. ، وإليه ذهب الشِّنْقيطيُّ قال الشِّنْقيطيُّ: (اعلَمْ أنَّ أظهَرَ قَوْلَي أَهْلِ العِلْم عندي: أنَّ للشَّاهِدِ المُحْرِم أن يشهَدَ على عقدِ نكاحٍ) ((أضواء البيان)) (5/27). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (أمَّا الشاهدان فلا تأثيرَ لإحرامهما، لكِنْ يُكْرَه أن يحضُرا عَقْدَه إذا كانا مُحْرِمينِ) ((الشرح الممتع)) (7/151).
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّةِ
عن عثمانَ بنِ عفَّانَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم قال: ((لا يَنْكِحِ الْمُحْرِمُ، وَلَا يُنْكِحْ، وَلا يَخْطُبْ )) رواه مسلم (1409).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الشَّاهِدَ لا يدخُلُ في ذلك؛ فإنَّ عَقدَ النِّكاحِ بالإيجابِ والقَبولِ، والشَّاهِدُ لا صُنْعَ له في ذلك ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/27).

انظر أيضا: