الموسوعة الفقهية

المطلب الحادي عشر: المسحُ على الخِمار


اختلف أهل العلم في حُكمِ مَسحِ المرأةِ على خِمارِها الخمارُ هو ما تُغَطِّي به المرأَةُ رَأْسَها، وهو للمرأةِ كالعِمامة للرَّجلِ. ينظر ((فتح الباري)) لابن حجر(8/490)، ((المصباح المنير)) للفيومي(1/181). على قولينِ:
القول الأوّل: لا يجوزُ للمرأةِ أن تَمسَحَ على خمارِها؛ وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (1/95)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/5). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/299)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (1/267). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/410)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/60). ، وروايةٌ عند الحنابلة ((الفروع)) لابن مفلح (1/204)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/222). ، وهو قولُ بعض السَّلَف قال ابن قدامة: (وممَّن قال: لا تَمسَحُ على خمارها: نافع، والنَّخعيُّ، وحمَّاد بن أبي سليمان، والأوزاعيُّ، وسعيد بن عبد العزيز). ((المغني)) (1/222).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
قوله تعالى: وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ [المائدة: 6]
وجه الدَّلالة:
أنَّ الله أمَر بمسحِ الرَّأس، وإذا مَسحَت على الخِمار، فإنَّها لم تمسَحْ على الرَّأسِ؛ بل مسَحَت على حائلٍ، وهو الخِمارُ، فلا يجوزُ ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/239).
ثانيًا: أنَّه جاء الإذنُ بالمَسحِ على العِمامة، بينما لم يأتِ الإذنُ بالمَسحِ على الخِمارِ.
القول الثاني: يجوزُ للمرأةِ أن تمسَحَ على خمارِها، وهذا مَذهَبُ الحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/112)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/222). ، والظَّاهريَّة قال ابن حزم: (كلُّ ما لُبس على الرأس من عمامة أو خمار، أو قَلنسُوَة أو بيضة، أو مِغفَر، أو غير ذلك: أجزأ المسحُ عليها، المرأة والرَّجُل سواء في ذلك، لعلَّة أو غير علَّة... وهو قول الأوزاعيِّ، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبي ثور، وداود بن عليٍّ، وغيرهم). ((المحلى)) (2/58-61). ، وهو قولٌ لبعضِ السَّلف قال ابن المُنذِر: (وفيه قول ثانٍ: في المرأة تمسَحُ على خمارها، رُوي عن أمِّ سلمة، أنَّها كانت تمسَحُ على الخمار، ورُوي ذلك عن الحسَنِ). ((الأوسط)) (1/471). ، واختاره ابنُ باز قال ابن باز: (إن كان عليها خمارٌ حنَّكَت به رأسَها ويشُقُّ عليها نزعُه، مسحت عليه يومًا وليلةً إذا كان لَبِسَتْه على طهارة، مثل الرجل إذا لَبِسَ العمامة على طهارةٍ، يوما وليلة يمسَحُ عليها يومًا وليلة بعد الحَدَث، إذا كانت عمامة مُحنَّكة؛ لأنَّ حَلَّها قد يشقُّ بعضَ المشقَّة، وهكذا الخمارُ المُحنَّك على المرأة، إذا حنَّكَته على رأسِها ولبسته على طهارةٍ فإنَّ لها أن تمسح يومًا وليلة كالخُفَّين، كما تمسح الخفين يومًا وليلة كالرجل، أما خمارٌ مطروح هكذا على الرأس عادي فهذا لا يُمسَحُ عليه، بل يُزالُ، ويُمسَح على الرأس، أو لَبِسَتها على غير طهارة لا تمسَح عليها، تُزيلُها، أو زاد عن الوقت يومًا وليلة تزيلُها كالرجل سواءً) ((فتاوى نور على الدرب- عناية الشويعر) (5/192)، وسئل أيضًا عن حكم مسح المرأةِ على الخمار عند غُسلِها من الجنابة، فقال: (أنَّ المعلومَ مِن الشَّرع المطهر، ومن كلام أهل العلم أنَّ المسحَ على الحوائِلِ مِن خُفٍّ وعمامةٍ وخمارٍ، لا يجوز في الجنابةِ بالإجماع، إنما يجوزُ في الوضوء خاصة؛ لحديث صفوان بن عسال رَضِيَ اللهُ عنه قال: «أمَرَنا رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا كنَّا مسافرين أن لا ننزِعَ خِفافَنا ثلاثةَ أيَّامٍ ولياليَهنَّ إلَّا من جنابةٍ، ولكِن مِن غائطٍ وبولٍ ونَومٍ) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/168) وابن عثيمين قال ابن عثيمين: (المشهورُ مِن مذهب الإمام أحمد، أنَّها تمسَحُ على الخمار إذا كان مُدارًا تحت حَلقِها؛ لأنَّ ذلك قد ورد عن بعضِ نِساء الصَّحابة رَضِيَ اللهُ عنهنَّ، وعلى كلِّ حال فإذا كانت هناك مشقَّة؛ إمَّا لبرودةِ الجوِّ، أو لمشقَّة النَّزعِ واللَّف مرَّةً أخرى، فالتَّسامُحُ في مِثل هذا لا بأسَ به، وإلَّا فالأَولى ألَّا تمسَحَ). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/171)، ((الشرح الممتع)) (1/239). ، وذلك لأنَّه ملبوسٌ للرَّأس مُعتادٌ، يَشقُّ نَزعُه، فأشبَهَ العِمامةَ، بل هو أَوْلى؛ وذلك لأنَّ خمارَها يستُرُ أكثَرَ مِن عمامةِ الرَّجُل، وربَّما يشقُّ خَلعُه أكثَرَ، وحاجَتُها إليه أشدُّ مِن الخفَّينِ ((المغني)) لابن قدامة (1/222)، ((شرح العمدة لابن تيمية)) (1/135)، ((كشاف القناع)) (1/112، 113).

انظر أيضا: