الموسوعة الفقهية

المطلب السَّادس: حُكمُ مسْحِ الأُذنين


اختلف أهل العِلم في حُكمِ مسْحِ الأُذنين على قولين أجمَع أهلُ العلم على مشروعيَّة مسْح الأذنين؛ قال ابن عبدِ البَرِّ: (أجمع المسلمون طُرًّا [أي: جميعًا] أنَّ الاستنشاق والاستنثار من الوضوءِ، وكذلك المضمضةُ، ومسْحُ الأذنين). ((التمهيد)) (18/225). وقال النوويُّ: (أجمعت الأمَّة على أنَّ الأُذنين تُطهَّران، واختلفوا في كيفيَّة تطهيرِهما. قال الطبري: الفقهاء أجمعوا أنَّ مَن ترَك مسحَهما فطهارتُه صحيحة. قال النوويُّ: وكذا نقل الإجماع غيرُه، وحكى ابن المُنذِر وأصحابنا عن إسحاق بن راهويه أنَّه قال: مَن ترك مسحهما عمدًا لم تصحَّ طهارته، وهو محجوج بإجماع مَن قبله. وحكى القاضي أبو الطيِّب وغيره عن الشِّيعة أنهم قالوا: لا يُستحبُّ مسح الأذنين؛ لأنَّه لا ذكر لهما في القرآنِ، ولكن الشِّيعة لا يُعتدُّ بهم في الإجماع، وإن تبرَّعنا بالردِّ عليهم؛ فدليله الأحاديث الصَّحيحة، والله أعلم). ((المجموع)) (1/416). لكن لا يُجزئ مسْح الأُذنين عن مسْح الرَّأس، وهذا بالإجماع. قال القرافي: (قال المازريُّ: إنَّ الأمَّة مجمِعةٌ على أنَّ مسحَهما لا يُجزِئُه عن الرَّأس). ((الذخيرة)) (1/265)، وينظر: ((المجموع)) للنووي (1/415). :
القول الأوّل: أنَّ مسحَ الأُذنينِ مِن سُنَنِ الوضوء، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (1/27)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 47). ، والمالكيَّة في المشهور ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/357)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (1/277). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/413)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/120).
الدليل من الكتاب:
قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة: 6]
وجه الدَّلالة:
 أنَّ الله سبحانه أمَر بمسْح الرَّأس، ولم يَذكُرِ الأُذنين؛ فإذا مسَح الرَّأس ولم يمسَحِ الأُذنين، فقد امتثل الأمرَ.
القول الثاني: يجِبُ مسْح الأُذنين؛ ظاهِرِهما وباطِنِهما، وهذا مَذهَبُ الحنابلة ((الفروع)) لابن مفلح (1/181)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/100). ، وبعضِ المالكيَّة ((الذخيرة)) للقرافي (1/277)، ((حاشية الدسوقي)) (1/98). ، ومذهَبُ إسحاقَ بنِ راهَوَيه قال ابنُ المُنذِر: (قال إسحاق بن راهويه: وإنْ مسحتَ رأسَك ولم تمسحْ أُذنيك عمدًا، لم يُجزِك). ((الأوسط)) لابن المُنذِر (1/405). وقال الشوكانيُّ: (فذهبت القاسميَّة، وإسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبل، إلى أنَّه واجِبٌ). ((نيل الأوطار)) (1/161). ، وهو اختيارُ ابنِ باز قال ابن باز: (يجب مسْح الأُذنين؛ لأنَّهما من الرَّأسِ، جزءٌ من الرَّأس، والرَّأسُ يجِبُ تعميمُه، الرَّأس كله من أوَّله إلى آخِره مع الأُذنين، يُدخِل أُصبعَيه في الصِّماخَينِ، ويمسح بإبهامَيهِ ظاهِرَ أذنيه، وهذا هو الواجِبُ عليه في كلِّ وضوء). ((فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر)) (5/112). ، وابنِ عُثيمين قال ابن عثيمين: (وكذلك الأُذنانِ، جاءت السُّنة ببيانِ مَسحِهما مع الرَّأس؛ وذلك لأنَّهما من الرَّأسِ؛ فعلى هذا لا بدَّ من المضمضة والاستنشاق، ولا بدَّ مِن مَسحِ الأُذنين، هذه هي الواجباتُ في الوضوء). ((لقاء الباب المفتوح)) (44/71). وقال أيضًا: مواظبةُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على مسحِهما دليلٌ لا إشكالَ فيه. ((الشرح الممتع)) (1/188).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِن السُّنَّةِ
أنَّ مُواظَبَته صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على مسحِ الأذُنَينِ مع مسحِ الرَّأسِ؛ دليلٌ على وجوبه؛ مع كَونِ فِعلِه وقع بيانًا لِمُجملِ الأمرِ الوارِدِ في القرآن ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/187).
ثانيًا: من الآثار
عن عبد الله بن عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (الأُذنانِ من الرَّأسِ ) رواه عبد الرزَّاق في ((المصنف)) (24)، والدارقطني (1/98). قال الدارقطني: والصواب عن ابن عمر مِن قوله. وصحَّح عبد الحق الإشبيليُّ في ((الأحكام الشرعية الكبرى)) (1/468): بعض طرقه موقوفًا على ابن عمَرَ.

انظر أيضا: