الموسوعة الفقهية

المبحث الأول: طُرُقُ إثباتِ دُخولِ شَهرِ رمضان


المطلب الأول: رؤيةُ الهِلالِ
الفرع الأول: طلَبُ رؤيةِ الهِلالِ
تَرائِي الهلالِ ليلةَ الثلاثينَ مِن شعبان، فرضٌ على الكفايةِ؛ نصَّ على ذلك الحنفيَّة ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/313)، وينظر: ((المسالك في شرح موطأ مالك)) لابن العربي (4/165)، ((حاشية البجيرمي على شرح المنهج)) (2/67)، ((بغية المسترشدين)) لعبد الرحمن محمد باعلوي (ص: 223).
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((صُومُوا لِرُؤيَتِه، وأفطِرُوا لِرُؤيَتِه، فإنْ غُبِّيَ عليكم فأكمِلُوا عِدَّةَ شَعبانَ ثلاثينَ )) رواه البخاري (1909)، ومسلم (1081).
2- عن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها أنها قالت: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يتحَفَّظُ مِن شعبانَ ما لا يتحَفَّظُ مِن غَيرِه، ثم يصومُ لرؤيةِ رَمَضانَ؛ فإن غُمَّ عليه عَدَّ ثلاثينَ يومًا ثم صام )) رواه أبو داود (2325)، وأحمد (25161)، وابن خزيمة (1910)، وابن حبان (3444) وقال الدارقطني في ((السنن)) (2/354): إسناده حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وقال ابنُ الهادي في ((تنقيح تحقيق التعليق)) (2/289): رواته ثقات محتج بهم في الصحيح، وقال ابنُ الملقن في ((الإعلام)) (5/182): إسناده على شرط الصحيح، وقال ابنُ حجر في ((الدراية)) (1/276): على شرط مسلم، وصححه الألباني في ((صحيح أبي داود)) (2325)، وقال الوادعي في ((الصحيح المسند)) (1630): حسن على شرط مسلم
ثانيًا: من الآثار
قد حرَصَ أصحابُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في حياتِه وبعد وفاتِه على رؤيةِ هِلالِ رَمَضانَ فكانوا يتراءَونَه قال ابنُ عُثيمين: (ترائِي الهلالِ: هلالِ رَمَضانَ، أو هلالِ شَوَّال، أمرٌ معهودٌ في عهدِ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم... ولا شَكَّ أنَّ هَديَ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم أكمَلُ الهديِ وأتَمُّه) ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/37). :
1- فعن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((تراءى النَّاسُ الهلالَ، فأخبَرْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنِّي رأيتُه، فصامه، وأمَرَ النَّاسَ بِصِيامِه )) رواه أبو داود (2342)، والدارمي (1733)، وابن حبان (8/231) (3447)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (4/165) (3877)، والبيهقي (4/212) (8235). صححه ابن حزم في ((المحلى)) (6/236)، وابن دقيق العيد في ((الإلمام بأحاديث الأحكام)) (1/342)، والألباني في ((صحيح أبي داود)) (2342)، وقال الوادعي في ((الصحيح المسند)) (756): حسن على شرط مسلم
2- وعن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كنَّا مع عُمَرَ بينَ مَكَّةَ والمدينةِ، فتراءَيْنا الهلالَ، وكنتُ رجلًا حديدَ البَصَرِ، فرأيتُه وليس أحدٌ يزعُمُ أنَّه رآه غيرِي- قال- فجعَلْتُ أقولُ لعُمَرَ: أمَا تراه؟ فجعل لا يراهُ- قال- يقولُ عُمَرُ: سأراه وأنا مُستلقٍ على فراشِي )) رواه مسلم (2873).
الفرع الثاني: ثبوتُ رؤيةِ الهِلالِ
يجبُ صيامُ رمضانَ إذا رأى النَّاسُ الهِلالَ.
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِن السُّنَّةِ
عن ابن عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((تَراءَى النَّاسُ الهلالَ، فأخبَرْتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنِّي رأيتُه، فصامَه، وأمَرَ النَّاسَ بصيامِه )) رواه أبو داود (2342)، والدارمي (1733)، وابن حبان (8/231) (3447)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (4/165) (3877)، والبيهقي (4/212) (8235). صححه ابن حزم في ((المحلى)) (6/236)، وابن دقيق العيد في ((الإلمام بأحاديث الأحكام)) (1/342)، والألباني في ((صحيح أبي داود)) (2342)، وقال الوادعي في ((الصحيح المسند)) (756): حسن على شرط مسلم.
ثانيًا: من الإجماع
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حزمٍ قال ابنُ حزم: (وأجمَعُوا على أنَّ الكافَّة إذا أخبرَتْ برؤية الهِلالِ، أنَّ الصِّيامَ والإفطارَ بذلك واجبانِ). ((مراتب الإجماع)) (ص: 40). ، وابنُ قُدامة قال ابنُ قُدامة: (وجملةُ ذلك أنَّه يُستحَبُّ للنَّاسِ تَرائي الهلالِ ليلةَ الثلاثينَ مِن شَعبانَ، وتطلُّبُه؛ ليحتاطوا بذلك لِصيامِهم، ويَسلَموا من الاختلافِ، وقد رَوى الترمذيُّ، عن أبي هريرةَ، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أحْصُوا هلالَ شَعبانَ لِرَمضانَ))، فإذا رأَوْه، وجَب عليهم الصِّيامُ إجماعًا). ((المغني)) (3/106). ، والزركشيُّ قال الزركشيُّ: (أي طلَب النَّاس الهلال، فإنْ رأوه وجَبَ صيامُه، وهذا إجماعٌ). ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (2/550).
الفرع الثالث: العدَدُ المُعتبَرُ في الرؤيةِ
يكفي في ثبوتِ دُخولِ رَمَضانَ شَهادةُ عدلٍ واحدٍ، وهو مذهَبُ الشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/277)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/411). ، والحَنابِلة ((الفروع)) لابن مفلح (4/416)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/164). ، وطائفةٍ من السَّلَفِ قال ابنُ قدامة: (وهو قولُ عُمَرَ, وعليٍّ, وابن عمر, وابن المبارك) ((المغني)) (3/ 164). ، وهو اختيارُ ابنِ بازٍ قال ابنُ باز: (والهلالُ يَثبُتُ بشاهدٍ واحدٍ في دخُولِ رَمضانَ، شاهدٍ عدلٍ، عند جمهورِ أهلِ العِلمِ) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/61). ، وابنِ عُثيمين ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/312).
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِن السُّنَّةِ
عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((تراءَى النَّاسُ الهلالَ، فأخبَرْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنِّي رأيتُه، فصامَه، وأمَرَ النَّاسَ بِصِيامِه )) رواه أبو داود (2342)، والدارمي (1733)، وابن حبان (8/231) (3447)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (4/165) (3877)، والبيهقي (4/212) (8235). صححه ابن حزم في ((المحلى)) (6/236)، وابن دقيق العيد في ((الإلمام بأحاديث الأحكام)) (1/342)، والألباني في ((صحيح أبي داود)) (2342)، وقال الوادعي في ((الصحيح المسند)) (756): حسن على شرط مسلم
ثانيًا: قياسًا على الأذانِ، فالنَّاسُ يُفطرونَ بأذانِ الواحِدِ، ويُمسكونَ بأذانِ الواحِدِ، كما قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ بلالًا يُؤَذِّنُ بليلٍ، فكُلُوا واشرَبُوا حتى يؤذِّنَ ابنُ أمِّ مكتومٍ )) رواه البخاري (622)، ومسلم (1092) من حديث عائشة رَضِيَ اللهُ عنها. ورواه البخاري (623)، ومسلم (1092) من حديث ابن عمر رَضِيَ اللهُ عنهما.
الفرع الرابع: من رأى الهلالَ وَحْدَه
من رأى هلالَ رَمَضانَ وَحْدَه، ولم يَشهَدْ برؤيَتِه، أو شَهِدَ ولم تُقبَلْ شهادته   فائدة: مَن رأى هلالَ رمضانَ وحْدَه، وهو في مكانٍ ناءٍ ليس فيه أحدٌ؛ فإنَّه يصومُ، ويَبني على رُؤيَتِه. ينظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (25/117 - 118)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/73)، ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/74 - 75). ، فقد اختلَفَ أهلُ العِلمِ في صيامِه، على قولين:
القول الأول: يصومُ بناءً على رُؤيَتِه، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((الهداية)) للمرغيناني (1/120)، ((حاشية ابن عابدين))، (2/388). ، والمالكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (2/387)، وينظر: ((التمهيد)) لابن عبد البر (14/355). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/280). ، والحَنابِلة ((الفروع)) لابن مفلح (4/421)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/277). ، وهو قَولُ الظَّاهريَّةِ ((المحلى)) لابن حزم (6/235). ، وعليه أكثَرُ أهلِ العِلمِ قال ابنُ عبد البر: (لم يختَلِفِ العلماءُ فيمن رأى هلالَ رَمَضانَ وَحْدَه، فلم تُقبَلْ شهادَتُه أنَّه يصومُ؛ لأنَّه مُتعَبَّد بنَفْسِه لا بغَيرِه، وعلى هذا أكثَرُ العلماء، لا خلافَ في ذلك إلَّا شذوذٌ لا يُشتغَلُ به) ((التمهيد)) (14/355).
الأدِلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
عمومُ قَولِه تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ..... [البقرة: 185]
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
عمومُ حَديثِ أبى هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا رأيتُمُ الهِلالَ فصُومُوا.. )) رواه البخاري (1909) بمعناه، ومسلم (1081).
وجهُ الدَّلالةِ:
أنَّه قد أمَرَ بالصِّيامِ عند رؤيةِ الهِلالِ، ومَن رآه لِوَحدِه داخلٌ في عمومِ الأمرِ بذلك ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/ 319).
ثالثًا: لأنَّ يقينَ نَفْسِه أبلَغُ من الظَّنِّ الحاصِلِ بالبيِّنةِ ((المجموع)) للنووي (6/280).
القول الثاني: يصومُ مع النَّاسِ، إذا صامُوا، ولا يَبني على رُؤيَتِه، وهذا قولٌ لبَعضِ السَّلَفِ نقل ابنُ المُنذِر هذا القولَ عن عطاءٍ, وإسحاق. ((الإشراف)) (3/114). ، وروايةٌ عن أحمَدَ ((المغني)) لابن قدامة (3/163). ، واختيارُ ابنِ تيمِيَّةَ قال ابنُ تيمية: (والثالثُ- أي من الأقوال-: يصومُ مع النَّاسِ ويُفطِرُ مع النَّاسِ، وهذا أظهَرُ الأقوال) ((مجموع الفتاوى)) (25/114). ، وابنِ باز قال ابنُ باز: (وإذا رأى الهلالَ شَخصٌ واحِدٌ، ولم تُقبَلْ شهادَتُه لم يصُمْ وَحدَه ولم يُفطِرْ وحدَه، في أصحِّ قَولَيِ العُلَماءِ، بل عليه أن يصومَ مع النَّاسِ، ويُفطِرَ مع النَّاسِ) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/64).
الدَّليل منَ السُّنَّة:
عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((الصَّومُ يَومَ تَصومونَ، والفِطرُ يومَ تُفطِرونَ، والأضحى يومَ تُضَحُّونَ )) رواه والترمذي (697) واللفظ له، والدارقطني (2180).  قال الترمذي: حسن غريب، وصححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (2/159)، وابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/280)، وابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (81/15)، والألباني في ((صحيح الترمذي)) (697)، وقال النووي في ((المجموع)) (6/283): إسناده حسن.
ثانيًا: لأنَّ الهِلالَ هو ما هَلَّ واشتَهَرَ بينَ النَّاسِ، لا ما رُئِيَ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/ 320).
وجه الدلالة:
أن المُعتَبَر في الصِّيامِ أو الإفطارِ هو الذي يثبُتُ عند النَّاسِ، والشَّاهِدُ الواحِدُ إذا رأى الهِلالَ ولم يحكُمِ القاضي بشهادَتِه، لا يكون هذا صَوْمًا له، كما لم يكُنْ للنَّاسِ ((نيل الأوطار)) للشوكاني (3/370).
الفرع الخامس: اتِّفاقُ المَطالِعِ واختلافُها
إذا رأى أهلُ بلدٍ الهلالَ؛ فقد اختلف أهلُ العِلمِ في وجوبِ الصِّيامِ على بقيَّةِ أهلِ البِلادِ الأخرى بناءً على رؤيةِ هذا البَلَدِ، على أقوالٍ؛ أقواها قولان:
القول الأول: إذا رأى أهلُ بلدٍ الهلالَ، فإنَّه يجِبُ الصَّومُ على الجميعِ مطلقًا، وهو مذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (2/393)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/83)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/313). ، والمالكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (2/381)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/490). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/193)، ((المبدع)) لابن مفلح (3/7).
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكتاب
عمومُ قَولِه تعالى: فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ..... [البقرة: 185]
وجهُ الدلالة:
أنَّ الخِطابَ يَشمَلُ جميعَ الأمَّةِ، فإذا ثبَتَ دُخولُ الشَّهرِ في بلدٍ، وجَبَ على الجميعِ صومُه (( مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/44).
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((صُومُوا لِرُؤيَتِه)) رواه البخاري (1909)، ومسلم (1081).
وجه الدلالة:
أن الحديثَ قد أوجَبَ الصَّومَ بِمُطلَقِ الرؤيةِ لجميعِ المُسلمين، دون تحديدِ ذلك بمكانٍ مُعَيَّنٍ (( مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/44).
القول الثاني: إذا رأى أهلُ بلدٍ الهلالَ، فإنَّه لا يجِبُ الصَّومُ على الجميعِ مع اختلافِ المطالِعِ، وإنَّما يجِبُ على من رآه أو كان في حُكمِهم، وهو الصَّحيحُ مِن مَذهَبِ الشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/273)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/422). ، وهو قَولُ طائفةٍ مِنَ السَّلَفِ نقل ابنُ المنذر هذا القَولَ عن عكرمة, وإسحاق, والقاسم, وسالم. ((الإِشراف)) (3/112). ، واختاره الصنعاني قال الصنعاني: (في المسألة أقوالٌ ليس على أحَدِها دليلٌ ناهضٌ، والأقرَبُ لزومُ أهلِ بلدِ الرؤيةِ وما يتَّصِلُ بها من الجهاتِ التي على سَمْتِها) ((سبل السلام)) (2/151). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (وهذا القَولُ هو القَولُ الرَّاجِحُ، وهو الذي تدُلُّ عليه الأدِلَّةُ) ((الشرح الممتع)) (6/310).
الأدِلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
عمومُ قَولِه تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ..... [البقرة: 185]
وجه الدلالة:
أنَّ الَّذينَ لا يُوافِقونَ في المطالِعِ مَن شاهَدَه، لا يُقال إنَّهم شاهَدُوه حقيقةً ولا حكمًا، واللهُ تعالى أوجَبَ الصَّومَ على مَن شاهَدَه (( مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/49).
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((صُومُوا لِرُؤيَتِه، وأفطِرُوا لِرُؤيَتِه)) رواه البخاري (1909)، ومسلم (1081).
وجه الدلالة:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم علَّلَ الأمرَ في الصَّومِ بالرؤيةِ، ومن يخالِفُ مَن رآه في المطالِعِ، لا يقالُ إنَّه رآه لا حقيقةً ولا حُكمًا (( مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/49).
2- عن كُريبٍ ((أنَّ أمَّ الفَضلِ بنتَ الحارِثِ بعَثَتْه إلى مُعاويةَ بالشَّامِ، قال: فقَدِمْتُ الشَّامَ فقَضَيتُ حاجَتَها، واستهَلَّ عليَّ رمضانُ وأنا بالشَّامِ، فرأيتُ الهِلالَ ليلةَ الجُمُعةِ، ثم قَدِمْتُ المدينةَ في آخِرِ الشَّهرِ، فسألني عبدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، ثم ذَكَرَ الهِلالَ، فقال: متى رأيتُمُ الهلالَ؟ فقلت: رأيناه ليلةَ الجُمُعةِ. فقال: أنتَ رأيتَه؟ فقلت: نعم، ورآه النَّاسُ وصاموا وصامَ مُعاويةُ. فقال: لَكِنَّا رأيناه ليلةَ السَّبتِ، فلا نزال نصومُ حتى نُكمِلَ ثلاثينَ أو نراه. فقلت: أَوَ لا تكتفي- شك يحيى بن يحيى، أحدُ رواة الحديث، في نكتفي أو تكتفي- برؤيةِ مُعاويةَ وصيامِه؟ فقال: لا، هكذا أمَرَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم )) رواه مسلم (1087).
 ثالثًا: القياس: فكما أنَّ المُسلمين مختلفونَ في الإفطارِ والإمساكِ اليوميِّ، فلا بُدَّ أن يختَلِفوا كذلك في الإمساكِ والإفطارِ الشَّهريِّ (( الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/310).
الفرع السادس: الرؤيةُ عَبرَ الوسائِلِ الحديثةِ
المسألة الأولى: حُكمُ الاعتمادِ على الأقمارِ الصِّناعيَّة في رؤيَةِ الهِلالِ
لا يجوزُ الاعتمادُ على الأقمارِ الصِّناعيَّةِ في رؤيَةِ الهِلالِ؛ وهذا قولُ ابنِ عثيمين ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/62). ؛ وذلك لأنَّ الأقمارَ الصناعيَّةَ تكون مرتفعةً عن الأرضِ التي هي محَلُّ تَرائي الهِلالِ ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/62).
المسألة الثانية: حُكمُ استعمالِ المراصِدِ الفَلَكِيَّة لرؤيةِ الهِلالِ
يجوز استعمالُ المراصِدِ الفَلَكِيَّة لرؤيةِ الهلالِ كالدربيل، وهو المِنظارُ المقرِّب، ولكنَّه ليس بواجِبٍ وذلك لأنَّ الظَّاهِرَ مِنَ السنَّةِ: الاعتمادُ على الرؤيةِ المعتادَةِ لا على غَيرِها. ، فلو رأى الهلالَ عَبْرَها من يُوثَقُ به؛ فإنَّه يُعمَلُ بهذه الرؤيةِ، وهو اختيارُ ابنِ باز قال ابنُ باز: (أمَّا الآلاتُ فظاهِرُ الأدِلَّةِ الشرعيَّةِ عَدَمُ تكليفِ النَّاسِ بالتماسِ الهلالِ بها، بل تكفي رؤيةُ العَينِ، ولكِنْ مَن طالَعَ الهلالَ بها وجزم بأنَّه رآه بواسِطَتِها بعد غُروبِ الشَّمسِ وهو مُسلِمٌ عدلٌ، فلا أعلَمُ مانعًا مِنَ العَمَلِ برؤيَتِه الهلالَ؛ لأنها مِن رُؤيةِ العَينِ لا من الحسابِ) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/69). وابن عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (ولا بأسَ أن نتوَصَّلَ إلى رؤيةِ الهلالِ بالمِنظارِ، أو المراصِدِ)) ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/62). وقال ابنُ عُثيمين أيضًا: (وقد كان النَّاسُ قديمًا يستعملونَ ذلك لَمَّا كانوا يَصعدونَ المنائِرَ في ليلةِ الثلاثينَ مِن شَعبانَ، أو ليلةَ الثَّلاثينَ مِن رمضانَ فيتراءَونَه بواسطةِ هذا المنظار) ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/36). ، وبه صدَرَ قرارُ هيئةِ كِبارِ العُلَماءِ انظر قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية رقم 108 بتاريخ 12/11/1403 بشأن إنشاءِ مراصِدَ يُستعان بها عند رؤيةِ الهلال. ((أبحاث هيئة كبار العلماء)) (3/46). ، وهو قرارُ مَجمَعِ الفقهِ الإسلاميِّ من قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورته الثَّانية التي عُقِدَت في جُدَّةَ عام (1985م) ودورته الثالثة التي عقدت في عمان عام (1986م) ((موقع مجمع الفقه الإسلامي الدولي)).
الدَّليل منَ السُّنَّة:
عمومُ ما جاء عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((.. فإذا رأيتُمُوه فصُومُوا، وإذا رأيتُمُوه فأفطِرُوا )) رواه البخاري (1909) بمعناه، ومسلم (1081).
وجه الدلالة:
أنَّ هذه الرُّؤيةَ تحصُلُ باستعمالِ المراصِدِ الفَلَكيَّةِ (( مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/36).
الفرع السابع: مَنِ اشتبَهَتْ عليه الأشهُرُ
المسألة الأولى: ما يلزَمُ الأسيرَ ونحوَه مِنَ الاجتهادِ
مَن عَمِيَ عليه خبَرُ الهلالِ والشُّهورِ، كالسَّجينِ والأسيرِ بدارِ الحَربِ وغيرِهما؛ فإنَّه يلزَمُه أن يجتهِدَ ويتحَرَّى الهلالَ قال ابنُ قدامة: (من كان محبوسًا أو مطمورًا, أو في بعض النَّواحي النائية عن الأمصارِ لا يُمكِنُه تعرُّفُ الأشهر بالخبَرِ, فاشتبَهَت عليه الأشهُرُ؛ فإنه يتحرَّى ويجتهِدُ, فإذا غلَبَ على ظنِّه- عن أمارةٍ تقومُ في نفسِه- دُخولُ شهرِ رمضانَ، صامَه) ((المغني)) (3/ 167). وقال النووي: (الأسيرُ ونحوُه إذا اشتبَهَت عليه شهورٌ، يتحرَّى ويصومُ بما يَظهرُ بالعلامةِ أنَّه رمضانُ) ((المجموع)) (6/287). ، ويصومَ شهرًا، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/314)، وينظر: ((أحكام القرآن)) للجصاص (1/233)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/312). ، والمالكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (2/417)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/245). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/288)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/459). ، والحَنابِلة ((الفروع)) لابن مفلح (4/427)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/167). قال ابنُ تيمية: (.. فإنَّه يجتهِدُ ويتحرَّى في معرفةِ عَينِ الشَّهرِ ودخولِه، كما يتحَرَّى في معرفة وقتِ الصَّلاةِ، وجِهةِ القبلةِ، وغيرِ ذلك عند الاشتباهِ؛ لأنَّه لا يُمكِنُه أداءُ العبادةِ إلَّا بالتحرِّي والاجتهادِ، فجاز له ذلك كما يجوز في الصَّلاة) ((كتاب الصيام من شرح العمدة)) (1/159). ، وهو قَولُ عامَّةِ الفُقَهاءِ قال ابنُ قدامة: (... فإنَّه يُجزِئُه في قولِ عامَّةِ الفُقَهاءِ) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 167).  انظر ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/459)، ((المجموع)) للنووي (6/289). وذلك لأنَّه مأمورٌ بصومِ رَمَضانَ، وطريقُ الوُصولِ إليه في هذه الحالةِ غيرُ ممكنٍ إلَّا بالتحرِّي والاجتهادِ ((كتاب الصوم من شرح العمدة)) لابن تيمية (1/159).
المسألة الثانية: الحالاتُ المترَتِّبةِ على اجتهاداتِ الأسيرِ ونحوِه
إن صامَ- الأسيرُ ونحوه- مجتهدًا أمَّا إنْ صام الأسيرُ ونحوُه مِن غيرِ اجتهادٍ، ولا تحرٍّ، فلا يصحُّ صومُه، وعليه الإعادةُ، حتَّى وإن تبيَّن له أنَّ صومَه وافَقَ رمضانَ؛ لتقصيرِه وتَرْكِه الاجتهادَ الواجِبَ، باتِّفاقِ الفُقَهاءِ. ينظر: ((المجموع)) للنووي (6/284)، ((الكافي)) لابن قدامة (1/438)، ((المبسوط)) للسرخسي (3/59)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/305). بما غلَبَ على ظَنِّه، فله أربَعُ حالاتٍ:
الحالة الأولى: أن يتبيَّنَ له أنَّ صَوْمَه وافَقَ شَهرَ رَمَضانَ، فصومُه صحيحٌ، ولا إعادةَ عليه؛ وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة   ((المبسوط)) للسرخسي (3/106). ، والمالكيَّة   ((الكافي)) لابن عبد البر (1/337). ، والشَّافعيَّة   ((المجموع)) للنووي (6/285). ، والحَنابِلة   ((الفروع)) لابن مفلح (4/427)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/167). وحُكيَ فيه الإجماعُ   قال النوويُّ: (أن يوافِقَ صَومُه رمضانَ، فيُجزِئُه بلا خِلافٍ عندنا؛ قال الماورديُّ: وبه قال العلماء كافَّةً إلَّا الحسن بن صالح، فقال: عليه الإعادة؛ لأنَّه صام شاكًّا في الشَّهرِ، قال: ودليلُنا إجماعُ السَّلَفِ قبله، وقياسًا على مَن اجتهَدَ في القِبلةِ ووافَقَها) ((المجموع)) (6/285) وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/459).
وذلك للآتي:
 أوَّلًا: قياسًا على مَنِ اجتهَدَ في القبلةِ، وصلَّى وبان له صوابُ الاجتهادِ، فإنَّه يُجزِئُه، فكذلك الحالُ في الصَّومِ   ((المبسوط)) للسرخسي (3/106)، ((الكافي)) لابن عبد البر (1/337)، ((المجموع)) للنووي (6/285)، ((المغني)) لابن قدامة (3/167).
ثانيًا: لأنَّه أدرك ما هو المقصودُ بالتحرِّي   ((المبسوط)) للسرخسي (3/106).
ثالثًا: لأنَّه أدَّى فرْضَه بالاجتهادِ في محلِّه، فإذا أصاب أو لم يعلَمِ الحالَ أجزأَه، كالصَّلاةِ في يومِ الغَيمِ إذا اشتَبَه وقتُها   ((المغني)) لابن قدامة (3/168).
الحالة الثانية: أن يستمِرَّ الإشكالُ عليه، فلا يَعلَمُ هل وافَقَ الشَّهرَ أو تقدَّمَه أو تأخَّرَ عنه؛ فيُجزِئُه ولا إعادةَ عليه قال النووي: (أنَّه يستمِرُّ الإشكالُ ولا يَعلَمُ أنَّه صادَفَ رمضانَ أو تقَدَّمَ أو تأخَّرَ، فهذا يُجزِئُه بلا خلافٍ) ((المجموع)) للنووي (6/ 285). ، وهذا نصَّ عليه الشَّافِعيَّة   ((المجموع)) للنووي (6/285)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/163). ، والحَنابِلة   ((الإقناع)) للحجاوي (1/305)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/167). ، وقولٌ عند المالكيَّة رجَّح هذا القولَ ابنُ الماجشون، وأشهب، وسحنون وابن يونس، انظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/245)، ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (1/686).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ فرْضَه الاجتهادُ، وقد فعَل ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/245).
ثانيًا: لأنَّ الظَّاهِرَ مِنَ الاجتهادِ صِحَّةُ الأداءِ، ما لم يتيقَّنِ الخطأَ، وقد أدَّى ما عليه ((المجموع)) للنووي (6/285).
الحالة الثالثة: أن يتبيَّنَ له أنَّ صَومَه كان قبل رَمَضانَ؛ فعليه الإعادةُ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (3/106)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/312). ، والمالكيَّة ((الشرح الكبير)) للدردير (1/519)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/245). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/286)، وينظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/414)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/459). ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/307)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/168).
وذلك للآتي:
أولًا: لأنَّ صحَّةَ الإسقاطِ لا تَسبِقُ الوُجوبَ ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/312)، ((المبسوط)) للسرخسي (3/106).
ثانيًا: لأنَّه أدَّى العبادةَ قبل وجودِ سَبَبِ وُجوبِها؛ فلم تُجْزِه، كمن صلَّى قبل الوَقتِ ((المبسوط)) للسرخسي (3/106).
الحالة الرابعة: أن يتبيَّنَ له أنَّه صام بعد نهايةِ شَهر رَمَضانَ، فهذا يُجزِئُه، ولا إعادةَ عليه ((المغني)) لابن قدامة (3/167)، ((المجموع)) للنووي (6/289)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/245). إلَّا فيما لا يصِحُّ صيامُه كالعيدينِ قال ابنُ قُدامةَ: (فإن دخَلَ في صيامِه يومُ عِيدٍ لم يُعتَدَّ به, وإن وافقَ أيَّامَ التَّشريقِ, فهل يُعتَدُّ بها؟ على روايتين: بناءً على صِحَّةِ صومِها على الفَرضِ) ((المغني)) (3/ 168). وقال أيضًا: (أجمع أهلُ العِلمِ على أنَّ صَومَ يَومَيِ العيدينِ منهيٌّ عنه, مُحرَّمٌ في التطوُّعِ والنَّذرِ المُطلَق والقضاءِ والكفَّارة) ((المغني)) (3/169). ؛ فإنَّ عليه أن يُعيدَ الأيَّامَ التي لا يصِحُّ صيامُها، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ قال الخرشي: (إذا عَمِلَ على ظَنِّه أو تخيَّرَ ثم زال الالتباسُ بوجهٍ، فله أحوالٌ أربعةٌ أشار إلى أوَّلها بهذا، أي وأجزأ الشَّهرُ الذي تبيَّنَ أنَّه صامه بعد رمضانَ اتِّفاقًا، ويكونُ قضاءً عنه) ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 245). : الحنفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/283)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/86). ، والمالكيَّة ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (2/356)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/245)، ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (1/686). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/285)، ((مغني المحتاج)) للشربيني(1/426). ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/307)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/ 168).
وذلك لأنَّ القضاءَ قد استقَرَّ في ذِمَّتِه بفواتِ الشَّهرِ، ثم وافق صَومُه زمانَ القَضاءِ فأجزَأَه ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/ 459). ينظر: ((الصحاح)) للجوهري (6/ 2399).
المطلب الثاني: إكمالُ شعبانَ ثلاثينَ يومًا
الفرع الأول: إذا لم تثبُتِ الرؤيةُ في التَّاسِعِ والعشرينَ
إذا لم تثبُتْ رؤيةُ هلالِ رَمَضانَ في التَّاسِعِ والعشرين من شعبانَ؛ فإنَّنا نُكْمِلُ شعبانَ ثلاثين يومًا، سواء كانتِ السَّماءُ مُصحِيَةً مُصحِيَة: انقشَع عنها الغَيْم، من قولهم: أَصْحَتِ السَّماءُ، فهي مُصْحِيَةٌ. ينظر: ((الصحاح)) للجوهري (6/ 2399). أو مُغِيمةً، وهذا مذهب الجمهور من: الحَنَفيَّة ((تحفة الفقهاء)) للسمرقندي (1/345). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/379). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/269). ، ورواية عن أحمدقال ابن قدامة: (وعن أحمد، رواية ثالثة: لا يجب صومه، ولا يجزئه عن رمضان إن صامه. وهو قول أكثر أهل العلم؛ منهم أبو حنيفة، ومالك، والشافعي) ((المغني)) (3/108).
الدَّليل منَ السُّنَّة:
عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((صُومُوا لِرُؤيَتِه، وأفطِرُوا لِرُؤيَتِه؛ فإنْ غُبِّيَ عليكم، فأكمِلُوا عِدَّةَ شَعبانَ ثلاثينَ )) رواه البخاري (1909)، ومسلم (1081).
الفرع الثاني: حُكمُ صَوم ِيومِ الثلاثينَ مِن شعبانَ احتياطًا لرمضانَ
يَحرُمُ صَومُ يومِ الثلاثينَ مِن شعبانَ (يوم الشَّكِّ)؛ خوفًا من أن يكونَ من رَمَضانَ، أو احتياطًا وسيأتي مفصَّلًا في مبحث ما يحرُمُ صَومُه.
المطلب الثالث: الحِسابُ الفَلَكِيُّ
لا يجوزُ العَمَلُ بالحسابِ الفَلَكِيِّ، ولا الاعتمادُ عليه، في إثباتِ دخولِ رَمَضانَ تعليقُ إثباتِ الشَّهرِ القَمَريِّ بالرؤية يتَّفِقُ مع مقاصدِ الشَّريعة السَّمْحة؛ لأنَّ رؤيةَ الهلال أمْرُها عامٌّ يتيسَّرُ لأكثر النَّاسِ من العامة والخاصة في الصحاري والبنيان، بخلاف ما لو عُلِّقَ الحكم بالحساب؛ فإنَّه يحصُلُ به الحَرَج، ويتنافى مع مقاصد الشريعة؛ لأنَّ أغلَبَ الأمَّة لا يعرِفُ الحسابَ، ودعوى زوالِ وَصْفِ الأميَّة بعلمِ النُّجوم عن الأمَّة غيرُ مُسَلَّمةٍ، ولو سُلِّمَت فذلك لا يُغَيِّر حُكْمَ الله؛ لأنَّ التشريعَ عامٌّ للأمة في جميعِ الأزمنة. ((مجموع فتاوى)) (15/112) لابن باز.
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((صُومُوا لِرُؤيَتِه، وأفطِرُوا لرُؤيَتِه؛ فإن غُبِّيَ عليكم، فأكمِلُوا عِدَّةَ شَعبانَ ثلاثينَ )) رواه البخاري (1909)، ومسلم (1081).
2- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذكَرَ رَمضانَ فقال: ((لا تصومُوا حتى تَرَوُا الهلالَ، ولا تُفطِرُوا حتى تَرَوْه، فإن غُمَّ عليكم فاقْدُرُوا له )) رواه البخاري (1906)، ومسلم (1080).
أوجه الدلالة:
1- أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جعَلَ الحُكمَ بالهلالِ مُعلَّقًا على الرُّؤيةِ وَحدَها؛ فهي الأمرُ الطبيعيُّ الظَّاهِرُ الذي يستطيعُه عامَّةُ النَّاسِ، فلا يحصُلُ لبْسٌ على أحدٍ في أمرِ دينِه، كما جاء عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّا أمَّةٌ أميَّةٌ لا نكتُبُ، ولا نحسِبُ، الشَّهرُ هكذا وهكذا)) يعني مرَّةً تسعةً وعشرينَ، ومرَّةً ثلاثينَ رواه البخاري (1913)، ومسلم (1080).
2- أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَرَ المسلمينَ إذا كان هناك غَيمٌ ليلةَ الثلاثينَ أن يُكمِلُوا العِدَّةَ، ولم يأمُرْ بالرُّجوعِ إلى عُلَماءِ الفَلَك، وقد جرى العَمَلُ في عهدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وعَهْدِ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم على ذلك، ولم يَرجِعُوا إلى علماءِ النُّجومِ في التوقيتِ، ولو كان قَولُهم هو الأصلَ وَحدَه، أو أصلًا آخَرَ مع الرؤيةِ في إثباتِ الشَّهرِ؛ لَبُيِّنَ ذلك، فلما لم يُنقَلْ ذلك، بل نُقِلَ ما يخالِفُه، دلَّ على أنَّه لا اعتبارَ شَرعًا لِمَا سِوَى الرؤيةِ، أو إكمال العِدَّةِ ثلاثينَ في إثباتِ الشَّهرِ، وأن هذا شَرعٌ مُستمِرٌّ إلى يوم القيامةِ (( مجموع فتاوى ابن باز)) (15/111).
 3- الرؤيةُ في الحديثِ مُتعدِّيةٌ إلى مفعولٍ واحدٍ، فكانت بصريَّةً لا علميَّةً ((المصدر السابق)).
 4- كما أنَّ الصَّحابةَ فَهِمُوا أنَّها رؤيةٌ بالْعَينِ، وهم أعلَمُ باللُّغةِ ومقاصِدِ الشَّريعةِ من غَيرِهم (( المصدر السابق)).
ثانيًا: من الإجماعِ
نقل الإجماعَ على ذلك الجَصَّاصُ قال الجصاص: (فالقائِلُ باعتبارِ منازِلِ القَمَرِ وحسابِ المُنجِّمينَ خارجٌ عن حُكمِ الشَّريعةِ، وليس هذا القَولُ مِمَّا يسوغُ الاجتهادُ فيه؛ لدَلالةِ الكتابِ ونَصِّ السنَّة، وإجماعِ الفُقَهاءِ بخلافِه) ((أحكام القرآن)) (1/250). ، وابنُ رُشدٍ ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/283-284). ، والقرطبيُّ قال القرطبي: (وهذا لا نعلَمُ أحدًا قال به- أي: الأخذ بالحسابِ وتَقدير المنازِل- إلَّا بعض أصحابِ الشَّافعي؛ أنَّه يُعتَبَرُ في ذلك بقولِ المُنجِّمينَ، والإجماعُ حُجَّةٌ عليهم) ((تفسير القرطبي)) (2/293). وابنُ تيميَّةَ قال ابنُ تيمية: (نعلَمُ بالاضطرارِ مِن دِينِ الإسلامِ أنَّ العَمَلَ في رؤيةِ هلالِ الصَّومِ أو الحجِّ أو العِدَّةِ أو الإيلاءِ أو غير ذلك مِنَ الأحكامِ المُعلَّقة بالهلالِ بِخَبَرِ الحاسِبِ؛ أنَّه يرى أو لا يرى؛ لا يجوز، والنُّصوصُ المستفيضةُ عَنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بذلك كثيرةٌ، وقد أجمَعَ المسلمونَ عليه) ((مجموع الفتاوى)) (25/132). وقال أيضًا: (ولا يُعرَفُ فيه خلافٌ قديمٌ أصلًا، ولا خلافٌ حديثٌ، إلَّا أنَّ بَعضَ المتأخِّرينَ من المتفَقِّهة الحادثين بعد المائة الثالثة، زَعَمَ أنَّه إذا غُمَّ الهلالُ جاز للحاسبِ أن يعمَلَ في حَقِّ نَفسِه بالحِسابِ، فإن كان الحسابُ دَلَّ على الرؤيةِ صام، وإلَّا فلا. وهذا القولُ- وإن كان مقيدًا بالإغمامِ ومختصًّا بالحاسِبِ- فهو شاذٌّ مسبوقٌ بالإجماعِ على خلافِه، فأمَّا اتِّباعُ ذلك في الصَّحوِ أو تعليق عُمومِ الحكمِ العامِّ به، فما قاله مُسَلَّمٌ) ((مجموع الفتاوى)) (25/132 - 133). قال ابن باز: (ومن خالَفَ في ذلك من المعاصرينَ؛ فمسبوقٌ بإجماعِ مَن قَبلَه، وقولُه مردودٌ؛ لأنَّه لا كلامَ لأحدٍ مع سُنَّةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا مع إجماعِ السَّلَفِ) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/109).

انظر أيضا: