الموسوعة الفقهية

المبحث الثالث: دفْع الزَّكاة لشِراء الرقيق وعتقِه مِن الزَّكاة


يجوزُ شِراءُ الرَّقيقِ وعتقُه من الزَّكاة، وهو مذهبُ المالكيَّة ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عَبدِ البَرِّ (1/326)،  ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 217). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/280)، ويُنظر: ((الاختيارات الفقهية)) لابن تيمية (ص: 457)،  ((اختلاف الأئمة العلماء)) للوزير ابن هبيرة (1/218). ، وهذا اختيارُ أبي عُبَيد القاسمِ بنِ سلَّامٍ قال أبو عُبَيد: (عن ابنِ عبَّاس، قال: (أعْتِق مِن زكاةِ مالِك)... وقولُ ابنِ عباس أعْلى ما جاءنا في هذا البابِ، وهو أوْلى بالاتِّباع، وأعلمُ بالتأويلِ، وقد وافقه الحسنُ على ذلك، وعليه كثيرٌ من أهل العِلم، وممَّا يقوِّي هذا المذهبَ أنَّ المُعتَق- وإن خِيف عليه أن يصيرَ إليه ميراثُ عَتيقِه بالولاء- فإنه لا يُؤمَنُ أيضًا أن يَجنيَ جناياتٍ يلحَقُه وقومَه عقلُها، فيكون أحدُهما بالآخَر، وينبغي لمن لم يُجِزْ هذا أن يكرَهَ صدقةَ الرَّجُلِ على أبويه، أو على أحدٍ من أقربائِه؛ خيفةَ أن يموتَ المعطَى، فترجِعَ الصدقةُ إلى المعطِي في الميراثِ! وسُنة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم خلافُ هذا الطَّريقِ؛ لأنَّه قال للرجل الذي تصدَّق على أمِّه بأرضٍ، ثم ماتتْ، فرجعَتِ الأرضُ إليه في الميراثِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: (وجَبَ أجْرُك، ورجَع إليكَ مالُك). قال أبو عُبَيد: فإذا كانتِ السَّعةُ منه صلَّى الله عليه وسلَّم في رُجوعِ الصَّدقة بعَينِها ميراثًا، فرجوعُ وراثة الولاءِ أوسعُ وأحْرى بالجوازِ. فهذا قولُ ابن عباس في العِتق). ((الأموال)) (ص: 722). ، وابنِ المُنْذِر قال ابنُ المُنْذِرِ: (وأمَّا سهمُ الرِّقابِ: فإنه تُعتَقُ منه الرَّقبة). ((الإقناع)) (1/186). ، وابنِ حزمٍ قال ابنُ حَزْم: (الرِّقاب: هم المكاتَبون, والعُتَقاءُ; فجائِزٌ أن يُعطَوا من الزَّكاة). ((المحلى)) (6/149، 150). ، وابنِ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (يجوزُ إعتاقُ الرَّقيقِ مِنَ الزَّكاة). ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 457). ، والشوكانيِّ قال الشوكانيُّ: (ظاهرُ قولِه سبحانه: وَفِي الرِّقَابِ أنَّ هذا النَّصيبَ مِنَ الزَّكاة يُصرَف في عِتق الرِّقابِ، ولو بِشرائِها من ذلك النَّصيبِ وعِتقها، ولا يختصُّ بالمكاتَبينَ ولا بالمُتَّصِفينَ بصِفة الإيمانِ، بل المرادُ الاتِّصافُ بالإسلام). ((السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار)) (ص: 252). ، وابنِ باز قال ابنُ باز: (يجوزُ على الصَّحيحِ أيضًا أن يُشترَى منها أرقَّاءُ فيُعتَقون، فيَشتري صاحبُ الزَّكاة منها أرقَّاءَ فيُعتِقُهم منها؛ فإنَّ هذا داخلٌ في الرِّقاب). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (14/15). ، وابنِ عُثيمين قال ابنُ عُثيمِين: (الرِّقابُ، ويدخُل فيها شِراءُ الرَّقيقِ مِنَ الزَّكاة وإعتاقُه، ومعاونةُ المكاتَبين، وفكُّ الأسرى من المسلمينَ) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عُثيمين)) (18/580، 386). وبه قالُ كثيرٌ مِن أهلِ العِلمِ ((الأموال)) للقاسم بن سلام (ص: 722).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قال الله تعالى: وَفِي الرِّقَابِ [التوبة: 60]
أوجْهُ الدَّلالةِ ((الحاوي الكبير)) للماوردي (8/503)، ((المجموع)) للنووي (6/201)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/231). :
الوجْه الأوَّل: أنَّ عمومَ الآيةِ: وَفِي الرِّقَابِ يشمَل هذه الصُّورةَ.
الوجه الثاني: أنَّ اللهَ تعالى أضاف سهْمَ الصَّدَقاتِ إلى الأصنافِ بلامِ التَّمليكِ: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ، وخالَف صِيغةَ اللَّفظِ في الرِّقابِ بأنْ حذفَ لامَ التمليك،ِ فقال:وَفِي الرِّقَابِ، فجعل ذلك فيهم ولم يجعلْه لهم، فاقتضى ألَّا يملكَه المُكاتَبون، ويُشترَى به عبيدٌ يُعتَقونَ؛ ليصِحَّ أن يكونَ فيهم ولا يكونَ لهم.
الوجْه الثالث: أنَّ الرِّقاب جمعُ رقبةٍ، وكلُّ موضعٍ ذُكِرت فيه الرَّقبةُ، فالمرادُ عِتقُها.
الوجه الرابع: أنَّه لو أراد المكاتَبينَ لذَكَرهم باسمِهم الخاصِّ.
الوجه الخامس: أنَّه لو أراد المكاتَبين لاكتفَى بالغارِمينَ؛ فإنَّهم منهم.
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: (أعْتِقْ مِن زكاةِ مالِك) رواه البُخاريُّ مُعَلَّقًا بصيغةِ التَّمريضِ قبل حديث (1468) ولفظه: (يُعتِقُ مِن زكاةِ مالِه)، ورواه موصولًا أبو عبيدٍ القاسِمُ بنُ سلَّام في ((الأموال)) (1190) واللَّفظ له، وابن زنجويه في ((الأموال)) (1782). صحَّح إسنادَه ابنُ حجر في ((تغليق التعليق)) (3/24) وجوَّد إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (3/377).
وجه الدَّلالة:
أنَّه قولُ صحابيٍّ، وهو أعْلى ما جاء في البابِ، وهو أوْلى بالاتِّباع، وأعلمُ بالتَّأويلِ ((الأموال)) للقاسم بن سلام (ص: 722).

انظر أيضا: