الموسوعة الفقهية

المطلب الأوَّل: نِصابُ الإبِلِ من خمسٍ إلى مئةٍ وعشرين


نصابُ الإبِلِ مِن خمسٍ إلى تِسعٍ فيها: شاةٌ.
ومن عَشرٍ إلى أربَعَ عشرةَ فيها: شاتان.
ومن خمسَ عشرةَ إلى تِسعَ عشرةَ: فيها ثلاثُ شِياهٍ.
ومن عشرينَ إلى أربعٍ وعشرينَ: فيها أربعُ شِياهٍ.
 من خمسٍ وعشرين إلى خمسٍ وثلاثين: فيها بِنتُ مَخاضٍ بنتُ المخاضِ وابنُ المخاضِ: ما استكمَلَ سَنةً، ودخل في السَّنَةِ الثَّانية. ((لسان العرب)) لابن منظور (7/229). ، فإن لم توجدْ، أجزأَ ابنُ لَبُونٍ ذَكَر ابنُ لَبُون: ولدُ النَّاقةِ إذا استكمل سنتينِ وطَعَن في الثالثة، والأنثى: ابنةُ لَبُون. ((لسان العرب)) لابن منظور (13/375).
من ستٍّ وثلاثينَ إلى خمسٍ وأربعين: فيها بِنتُ لَبُون.
ومن ستٍّ وأربعين إلى ستِّين: فيها حِقَّةٌ الحِقُّ: الذي استكملَ ثلاثَ سنينَ ودخَلَ في الرَّابعة، والأنثى: حِقَّة. ((لسان العرب)) (10/ 54).
ومن إحدى وستين إلى خمسٍ وسبعين: فيها جَذَعةٌ الجَذَعة: البعيُر يُجذِعُ؛ لاستكماله أربعةَ أعوام، ودخوله في السنة الخامسة، والذَّكَر: جَذَع. ((لسان العرب)) (8/ 43).  
ومن ستٍّ وسبعينَ إلى تسعينَ: فيها بِنتَا لَبون.
ومن إحدى وتسعين إلى مئةٍ وعشرينَ: فيها حِقَّتان.
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ أبا بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، كتب له هذا الكتاب لَمَّا وجَّهه إلى البحرين: ((بسمِ اللهِ الرَّحمن الرحيمِ، هذه فريضةُ الصَّدقةِ التي فرَض رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم على المسلمينَ، والتي أمَرَ اللهُ بها رسولَه، فمَن سُئِلَها من المسلمينَ على وَجهِها فلْيعطِها، ومَن سُئِلَ فَوقَها فلا يُعطِ: في أربعٍ وعشرين من الإبِلِ فما دونها من الغَنَم، من كلِّ خمسٍ شاةٌ، فإذا بلغت خمسًا وعشرينَ إلى خمسٍ وثلاثين، ففيها بنتُ مَخاضٍ أنثى، فإذا بلغت ستًّا وثلاثين إلى خمسٍ وأربعين، ففيها بنتُ لَبُونٍ أنثى، فإذا بلغَتْ ستًّا وأربعينَ إلى ستين، ففيها حِقَّةٌ طَروقةُ الجَمَلِ، فإذا بلغت واحدًا وستِّين إلى خمسٍ وسبعين، ففيها جَذَعة، فإذا بلغت- يعني: ستًّا وسبعين إلى تسعينَ، ففيها بنتَا لَبُون، فإذا بلغت إحدى وتسعينَ إلى عشرينَ ومئةٍ... )) رواه البخاري (1454).
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نقَلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنْذِر قال النوويُّ: (قال ابنُ المُنْذِر: أجمعوا على أنَّ في خمسٍ وعشرينَ بنتَ مخاضٍ، ولا يصحُّ عن عليٍّ ما رُوِيَ عنه فيها، قال: وأجمعوا على أنَّ مقدارَ الواجِبِ فيها إلى مئةٍ وعشرين على ما في حديثِ أنس). ((المجموع)) (5/400). وقال ابنُ قدامة: (وهذا كلُّه مُجمَعٌ عليه إلى أن يبلغ عشرينَ ومئةً؛ ذكره ابن المُنْذِر). ((المغني)) (2/430). ، وابنُ حَزمٍ قال ابنُ حزم: (اتَّفقوا على أنَّ في خمسٍ مِنَ الإبِلِ مشان راعية غير معلوفة ولا عوامل، ليست فيها عمياءُ، ذكورًا كانت أو إناثًا، أو مختلطةً، إذا أتمَّت عامًا شمسيًّا عند مالكها كما ذكرنا في الذَّهَبِ- زكاةَ شاةٍ، واتَّفقوا على أنَّ في عشرٍ مِنَ الإبِلِ شاتين، وفي خمسةَ عَشَرَ كذلك: ثلاثُ شياهٍ، وفي عشرين أربعُ شياه، وفي ستٍّ وثلاثينَ بنتُ لَبُون، وفي ستٍّ وأربعين حِقَّةٌ، وفي إحدى وستين جَذَعة، وفي ستٍّ وسبعين بنتَا لَبُون، وفي إحدى وتسعين حِقَّتان إلى مئةٍ وعشرين). ((مراتب الإجماع)) (ص: 35، 36). ، وابنُ رُشدٍ قال ابنُ رُشْدٍ: (أجمع المسلمون على أنَّ في كلِّ خمسٍ مِنَ الإبِلِ شاةً، إلى أربعٍ وعشرين، فإذا كانت خمسًا وعشرينَ ففيها ابنةُ مَخاضٍ إلى خمسٍ وثلاثين، فإن لم تكن ابنةَ مَخاضٍ، فابنُ لَبونٍ ذكَر، فإذا كانت ستًّا وثلاثينَ ففيها بنت لَبُونٍ إلى خمسٍ وأربعين، فإذا كانت ستًّا وأربعينَ ففيها حِقَّة إلى ستينَ، فإذا كانت واحدًا وستين، ففيها جَذَعة إلى خمسٍ وسبعين، فإذا كانت ستًّا وسبعينَ ففيها ابنتَا لَبُون إلى تسعينَ، فإذا كانت واحدًا وتسعين ففيها حِقَّتانِ إلى عشرين ومئة؛ لثُبُوتِ هذا كلِّه في كتابِ الصَّدقة الذي أمَرَ به رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وعَمِلَ به بعده أبو بكرٍ وعُمَرُ). ((بداية المجتهد)) (1/259). ، والنوويُّ قال النوويُّ: (أوَّلُ نِصابِ الإبِلِ خَمسٌ بإجماعِ الأمَّة، نقَل الإجماعَ فيه خلائقُ؛ فلا يجِبُ فيما دون خمسٍ شيءٌ بالإجماع، وأجمعوا أيضًا على أنَّ الواجِبَ في أربعٍ وعشرين فما دونها الغَنَمُ، كما ثبت في الحديث، فيجِبُ في خمسٍ من الإبل شاةٌ، ثم لا يزيد الواجِبُ بزيادةِ الإبِلِ حتى تبلُغَ عشرًا، وفي عشرٍ شاتان، ثم لا زيادةَ حتى تبلُغَ خمسَ عشرةَ، ففيها ثلاثُ شياه، وفي عشرينَ أربَعُ شياه، وفي خمسٍ وعشرينَ بِنتُ مَخاضٍ، ولا زيادةَ حتى تبلُغَ ستًّا وثلاثين، ففي ستٍّ وثلاثين بنتُ لَبُون، وفي ستٍّ وأربعين حِقَّةٌ، وفي إحدى وستين جَذَعة، وفي ستٍّ وسبعين بنتَا لَبُون، وفي إحدى وتسعين حِقَّتانِ، ولا يجِبُ بعدها شيءٌ حتى تُجاوِزَ مئة وعشرين). ((المجموع)) (5/389، 390).
فرع: إخراجُ الإبل بدلَ الغَنَمِ الواجبة
إذا أخرَجَ بدلَ الشَّاةِ الواجبةِ- فيما دونَ خمسٍ وعِشرينَ- ناقةً، أجزَأَتْ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/191)، ويُنظر: ((درر الحكام)) للملا لخسرو (1/179). ، والمالكيَّة على الأصحِّ ((الشرح الكبير)) للدردير (1/433)، ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/149). ، والشافعيَّة قال النوويُّ: (إذا ملك من الإبِلِ دونَ خمسٍ وعشرينَ، فواجِبُها الشاةُ- كما سبق- فإن أخرَجَ بعيرًا أجزَأَه. هذا مذهَبُنا، وبه قال جمهورُ العُلماءِ مِنَ السَّلَفِ والخَلَفِ). ((المجموع)) للنووي (5/395)، وينظر: ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/48). ، ووجه مُخرَّجٌ عند الحَنابِلَة قال ابنُ قدامة: (قال الشافعي، وأصحاب الرأي: يُجزِئُه البعيرُ عن العشرينَ فما دونها. ويتخرَّجُ لنا مثلُ ذلك إذا كان المُخرَج ممَّا يجزئُ عن خمسٍ وعشرين؛ لأنَّه يجزِئُ عن خمسٍ وعشرين، والعشرونَ داخلةٌ فيها، ولأنَّ ما أجزَأَ عن الكثير أجزأ عما دونه، كابنَتَي لَبُون عمَّا دون ستةٍ وسبعين). ((المغني)) (2/432).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن أُبيِّ بن كعبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((بعَثني النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مُصَدِّقًا، فمرَرْتُ برجلٍ، فلمَّا جمَعَ لي مالَه لم أجدْ عليه فيه إلَّا ابنةَ مَخاضٍ، فقلتُ له: أدِّ ابنةَ مَخاضٍ؛ فإنَّها صَدَقَتُك، فقال: ذاك ما لا لَبَنَ فيه، ولا ظَهْرَ، ولكنْ هذه ناقةٌ فتيَّةٌ عظيمةٌ سَمينةٌ، فخُذْها، فقلتُ له: ما أنا بآخِذٍ ما لم أُومَرْ به، وهذا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم منك قريبٌ، فإن أحببتَ أن تأتِيَه فتَعرِضَ عليه ما عرَضْتَ عليَّ، فافعل؛ فإنْ قبِلَه منك قبِلْتُه، وإن ردَّه عليك ردَدْتُه. قال: فإنِّي فاعِلٌ، فخَرَجَ معي، وخرج بالنَّاقة التي عرَضَ عليَّ، حتى قدِمْنا على رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال له: يا نبيَّ اللهِ، أتاني رسولُك؛ ليأخُذَ منِّي صدقةَ مالي، وايْمُ اللهِ، ما قام في مالي رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا رسولُه قطُّ قبلَه فجمعتُ له مالي، فزعم أنَّ ما عليَّ فيه ابنةَ مَخاضٍ، وذلك ما لا لبَنَ فيه ولا ظَهْرَ، وقد عرَضْتُ عليه ناقةً فتيَّةً عظيمةً؛ ليأخُذَها، فأبى عليَّ، وها هي ذِه قد جئتُك بها يا رسولَ الله، خُذْها. فقال له رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ذاك الذي عليك، فإنْ تطوَّعتَ بخيرٍ، آجَرَك اللهُ فيه، وقبِلْناه منك )) رواه أبو داود (1583)، وابن خزيمة (4/24)، والحاكم في ((المستدرك)) (1452) قال النووي في ((المجموع)) (5/426): إسناده صحيح أو حسن. وصحَّحه ابن الملقِّن في ((شرح البخاري)) (10/410)، وحسَّنه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1583).
وجه الدَّلالة:
أنَّ الحديثَ يدلُّ على أنَّ من تصدَّقَ بفريضةٍ أعلى مِنَ الفريضةِ الواجِبَةِ عليه؛ فإنَّ ذلك يجزِئُ عنه، وهو تطوُّعٌ خيرٌ يُؤجَرُ عليه.
ثانيًا: أنَّه مواساةٌ مِن جِنسِ المالِ بأكثَرَ ممَّا وجَبَ عليه، فأجَزَأَ عنه ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/149).
ثالثًا: أنَّ البعيرَ يُجزِئُ عن خمسٍ وعشرينَ، فعمَّا دونها أَوْلى ((المجموع)) للنووي (5/395، 396)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/48).
رابعًا: أنَّ الأصلَ أن يجِبَ مِن جنسِ المال، وإنَّما عُدِلَ عنه رفقًا بالمالِك، فإذا تكلَّفَ الأصلَ أجزَأَه ((المجموع)) للنووي (5/395، 396).
خامسًا: أنَّه لا خلافَ بين أهل العِلم في أنَّه إذا تصدَّقَ ببِنتِ لَبُونٍ عن بِنتِ مَخاضٍ، أو بحِقَّةٍ عن بنتِ لَبُون، أو بجَذَعة عن حِقَّة، فإنَّ ذلك يُجزِئُ بلا خلاف، فكذلك هنا ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (9/38).

انظر أيضا: