الموسوعة الفقهية

المبحث الثاني: إخراجُ زكاةِ عُروضِ التِّجارةِ


المطلب الأوَّل: المقدارُ الواجِبُ إخراجُه في زكاة عروض التِّجارةِ
مقدارُ الزكاة الواجِبُ إخراجُه في عروض التِّجارة، هو رُبعُ العُشرِ؛ باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ الحنفيَّة ((البناية شرح الهداية)) للعيني (3/386)، ((الدر المختار)) للحصكفي و((حاشية ابن عابدين)) (2/299). ، والمالكيَّة ((الكافي)) لابن عبدِ البَرِّ (1/298). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/68)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/399). ، والحَنابِلَة ((الفروع)) لابن مفلح (4/ 193)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/58). ؛ وحُكي الإجماع على ذلك قال الزركشي: (قدْرُ الواجبِ ربُعُ العُشرِ بلا نزاعٍ، والله أعلم). ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (2/514). وقال ابن حجر: (لا خلافَ في أنَّ قَدرَ الزَّكاةِ من التِّجارةِ رُبُع العُشرِ) ((تلخيص الحبير)) (2/766). ، وذلك اعتبارًا بالنقد الذي قوِّمت به ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/399)، ((قضايا الزكاة المعاصرة - الندوة السادسة)) (ص: 107). ولا يختلف النِّصابُ والمقدار الواجِب إخراجُه بين زكاةِ النُّقود وزكاةِ عُروضِ التِّجارةِ، وعلى ذلك استقرَّ إجماعُ الفُقَهاء المعتبَرينَ ((قضايا الزكاة المعاصرة - الندوة الأولى)) (ص: 463).
المطلب الثاني: معادلةُ زكاةِ عروض التِّجارة
مقدارُ الزَّكاة يساوي (النقد + قيمة السِّلَع + الدُّيون المرجوَّة - ما عليه من الدُّيونِ) × 2.5 في المائة ((أبحاث فقهيَّة في قضايا الزَّكاة المعاصرة – الأصول المحاسبيَّة للتقويم في الأموال الزكويَّة)) (1/37).
أو يساوي (النقد + قيمة السِّلع + الدُّيون المرجوَّة- ما عليه من الديون) ÷ 40.
وأصل هذه المعادلة مأثورٌ عن السَّلَفِ:
1- عن ميمونَ بنِ مِهرانَ رحمه الله، قال: (إذا حلَّتْ عليك الزَّكاةَ؛ فانظر كلَّ مالٍ لك، ثم اطْرَحْ منه ما عليك من الدَّينِ، ثم زكِّ ما بَقِيَ) رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في ((الأموال)) (918)، وابن أبي شيبة بنحوه في ((المصنف)) (3/194).
وفي رواية: (إذا حلَّتْ عليك الزَّكاةُ؛ فانظر ما كان عندك مِن نقْدٍ أو عرَضٍ للبَيعِ، فقوِّمْه قيمةَ النَّقد، وما كان من دَينٍ في مَلاءةٍ فاحسِبْه، ثم اطرحْ منه ما كان عليك من دَينٍ، ثم زكِّ ما بَقِيَ) رواه أبو عُبيد القاسم بن سلَّام في ((الأموال)) (891)، وابن أبي شيبة بنحوه في ((المصنف)) (3/162).
2- عن الحسن البصريِّ رحمه الله قال: (إذا حضر الشَّهرُ الذي وَقَّتَ الرَّجُلُ أن يؤدِّيَ فيه زكاته، أدَّى عن كلِّ مالٍ له، وكلِّ ما ابتاعَ مِنَ التِّجارة، وكلِّ دَينٍ إلَّا ما كان ضِمارًا لا يرجوه) رواه أبو عُبيد القاسم بن سلَّام في ((الأموال)) (892).
3- عن إبراهيم النَّخَعيِّ رحمه الله قال: (يُقَوِّمُ الرَّجُلُ متاعَه إذا كان للتِّجارةِ، إذا حَلَّت فيه الزَّكاة، فيزكِّيه مع مالِه) رواه أبو عُبيد القاسم بن سلَّام في ((الأموال)) (893).
4- عن جابر بن زيد رحمه الله قال: (قوِّمْه بنحوٍ مِن ثَمَنِه يومَ حلَّت فيه الزَّكاة، ثم أخرجْ زكاتَه) رواه أبو عُبيد القاسم بن سلَّام في ((الأموال)) (890).
المطلب الثالث: حُكم إخراجِ زكاةِ عروضِ التِّجارة من العُروضِ نَفسِها
اختلف أهلُ العِلمِ في إخراجِ زكاة عروضِ التِّجارة مِنَ العُروضِ، على أقوالٍ؛ أقواها قولان:
القول الأوّل: يجِبُ إخراجُ الزَّكاةِ نقدًا من قيمةِ العُروضِ، ولا يُجزِئُه إخراجُ الزَّكاةِ مِن أعيان عروض التِّجارةِ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة ((الكافي)) لابن عبد البر (1/301)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/20)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/752). ، والشافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (2/273)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/399). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/240)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/59).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ النِّصَابَ مُعتبَرٌ بالقيمة، فكانت الزَّكاةُ مِنَ القيمة، كما أنَّ البقر لَمَّا كان نِصابُها مُعتبرًا بأعيانِها، وجبَتِ الزَّكاةُ من أعيانها، وكذا سائِرُ الأموال ((المغني)) لابن قدامة (3/59)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (23/277).
ثانيًا: أنَّ القيمةُ هي متعلَّقُ هذه الزَّكاة، فلا يجوزُ الإخراجُ مِن عَينِ العَرْض ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/399).
ثالثًا: أنَّ العَينَ في عروضِ التِّجارة غيرُ ثابتة، فالمعتبَرُ المُخرَج منه، وهو القيمةُ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/141).
رابعًا: أنَّ العروضَ ليست محلَّ الوُجوبِ، فكان الإخراجُ منها كالإخراجِ مِن غير الجِنسِ ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/240).
خامسًا: أنَّ القيمةَ أحَبُّ لأهل الزَّكاة غالبًا، وقد لا يكونُ الفَقيرُ في حاجةٍ إلى عينِ السِّلعة فيبيعها بثَمَنٍ بَخسٍ، أو قد تكون السِّلعةُ لا يمكن تجزِئَتُها بإخراجِ قِسطِ الفَقيرِ مِن عَينِها، أو قد يكون هذا القِسطُ من عين السِّلعة لا يمكن تجزِئَتُه على أكثرَ مِن فقيرٍ، فالسُّهولةُ واليُسرُ والمصلحةُ تقتضي أن يكون الإخراجُ مِنَ القيمة لا من عينِ العُروضِ؛ فإنَّ هذا هو الأليقُ والأيسَرُ والموجِبُ للمصلحة ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/141)، ((قضايا الزَّكاة المعاصرة - الندوة الأولى)) (ص 466).
القول الثاني: يجوزُ إخراجُ الزَّكاةِ من أعيان عروضِ التِّجارة؛ للحاجَةِ أو المصلحةِ الرَّاجحة، وهذا قولٌ للحَنابِلَة ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (25/80). ، واختاره ابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (يجوز في بعض الصُّور للحاجةِ أو المصلحة الراجحة... وهذا القول أعدلُ الأقوالِ، فإن كان آخذ الزَّكاة يُريد أن يشتريَ بها كسوةً فاشترى ربُّ المال له بها كسوةً وأعطاه فقد أحسَنَ إليه، وأمَّا إذا قوَّمَ هو الثياب التي عنده وأعطاها فقد يقوِّمُها بأكثَرَ مِنَ السِّعر، وقد يأخذ الثِّيابَ مَن لا يحتاج إليها، بل يبيعها فيغرَم أُجرة المنادي، وربما خَسِرَت فيكون في ذلك ضررٌ على الفقراء. والأصناف التي يتَّجِرُ فيها يجوز أن يُخرِجَ عنها جميعًا دراهِمَ بالقيمة، فإن لم يكن عنده دراهم فأعطى ثمنها بالقيمة، فالأظهر أنَّه يجوز؛ لأنَّه واسَى الفقراءَ فأعطاهم مِن جِنسِ مالِه). ((مجموع الفتاوى)) (25/80). ، وبهذا صدر قرار نَدَوات قضايا الزَّكاة المعاصرة جاء في ((قضايا الزَّكاة المعاصرة – الندوة الأولى)): (الأصل إخراجُ زكاةِ عُروضِ التِّجارة نقدًا بعد تقويمِها وحسابِ المقدار الواجب فيها؛ لأنَّها أصلحُ للفقير؛ حيث يسدُّ بها حاجاتِه مهما تنوَّعت، ومع ذلك يجوز إخراجُ زكاة عروض التِّجارة من أعيانها، إذا كان ذلك يدفَعُ الحَرَجَ عن المزكِّي في حالةِ الكسادِ وضَعفِ السُّيولة لدى التاجر، ويحقِّق مصلحةَ الفقيرِ في أخذ الزَّكاة أعيانًا، يمكِنُه الانتفاع بها، وهذا ما اختارته الندوة في ضوء الاجتهادات الفقهيَّة وظروف الأحوال) (ص: 466). ؛ وذلك لأنَّ الأصلَ إخراجُ زكاةِ عُروض التِّجارة نقدًا، فإنْ كان في الإخراجِ مِن أعيانِ عُروضِ التِّجارةِ مصلحةٌ للفقير، أو كان على المالك عُسْرٌ في إخراج القيمةِ؛ جاز للمصلحةِ الرَّاجحةِ، ولكونه واسَى الفُقَراءَ فأعطاهم من جِنسِ مالِه ((مجموع الفتاوى)) (25/80)، ((أحكام وفتاوى الزَّكاة والصدقات والنذور والكفارات)) (ص: 37).

انظر أيضا: