الموسوعة الفقهية

المبحث الأوَّل: نيَّةُ التِّجارة عند التملُّك


اختلف أهلُ العلمِ: في اشتراطِ نِيَّةِ التِّجارة عِندَ التَّمَلُّكِ على قولين:
القول الأوّل: يُشترَط في زكاةِ عُروضِ التِّجارة أن ينويَ عند تَمَلُّكِه أنَّه للتِّجارة، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّة الأربَعةِ: الحنفيَّة ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/218)، ويُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/218). ، والمالكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (2/318)، ويُنظر: ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (1/637). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/48)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/398). ، والحَنابِلَة ((الفروع)) لابن مفلح (4/194)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/241)، ويُنظر: ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/140). ، وحُكيَ في ذلك الإجماعُ قال العينيُّ: (أمَّا إذا كانت النيَّة بعد المِلْك فلا بدَّ من اقترانِ عَمَلِ التِّجارة بنيته؛ لأنَّ مجرَّدَ النِّيَّة لا يعمَلُ، فلا يصير حتى يبيعَه بالإجماع، إلَّا عند الكرابيسي من أصحابِ الشافعي رَضِيَ اللهُ عنه، وأحمَدَ في روايةٍ، فإنَّه يصير للتِّجارة بمجرَّد النيَّة). ((البناية شرح الهداية)) لبدر الدين العيني (3/384)، وينظر: ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/219)، ((المجموع)) للنووي (6/48)، ((المغني)) لابن قدامة (3/63)، ((قضايا الزَّكاة المعاصرة – الندوة السادسة ))– (ص 106، 107).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((إنَّما الأعمالُ بالنيَّاتِ، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى )) رواه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907)
وجه الدَّلالة:
عمومُ الحَديثِ؛ فإنَّ الأعمالَ بالنيَّاتِ، والتِّجارة عَمَلٌ، فوجَبَ اقترانُ النِّيَّة به كسائِرِ الأعمالِ ((المغني)) لابن قدامة (3/59)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/240، 241).
ثانيًا: أنَّ العُروضَ مخلوقةٌ في الأصلِ للاستعمالِ، فلا تصيرُ للتِّجارة إلَّا بقَصدِها فيه، وذلك هو نيَّةُ التِّجارة ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/218)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/240).
ثالثًا: أنَّ التِّجارة: هي التصرُّفُ بنيَّةِ التِّجارة، وإذا وُجِدَتِ النيَّةُ فقط ولم يوجَدِ التصرُّفُ؛ لم يَصِرِ المالُ للتِّجارة ((المجموع)) للنووي (6/48).
رابعًا: أنَّ كلَّ ما لا يثبُتُ له الحُكمُ بدخولِه في مِلكِه، لا يثبُتُ بمجرَّدِ النيَّة، كما لو نوى بالمعلوفةِ السَّوْمَ ((المغني)) لابن قدامة (3/63).
خامسًا: أنَّ القِنيةَ هي الأصلُ، والتِّجارة فرعٌ عليها، فلا ينصَرفُ إلى الفَرعِ بمجرَّد النيَّة، كالمُقيم ينوي السَّفَرَ ((المغني)) لابن قدامة (3/63).
القول الثاني: لا يُشتَرَطُ في زكاةِ عُروضِ التِّجار أن ينوِيَ عند تملُّكِه أنَّه للتِّجارة، وهو روايةٌ عن أحمد ((المغني)) لابن قدامة (6/62/63)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/153)، ((الكافي في فقه الإمام أحمد)) لابن قدامة (1/410). ، وبه قال الكرابيسيُّ من الشافعيَّة قال النوويُّ: (وقال الكرابيسيُّ من أصحابنا: إذا ملك عَرْضًا ثم نوى أنَّه للتِّجارة صار للتِّجارة، كما إذا كان عنده متاعٌ للتِّجارة ثم نوى القِنيةَ صار للقِنيةِ بالنيَّة) ((المجموع)) للنووي (6/48). واختاره ابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (والقول الثاني في المسألة: أنها تكونُ للتِّجارة بالنيَّة، ولو ملَكَها بغير فِعله، ولو ملَكَها بغير نيَّةِ التِّجارة... مثال ذلك: لو اشتَرى سيَّارةً يستعمِلُها في الرُّكوبِ، ثم بدا له أن يجعَلَها رأسَ مالٍ يتَّجِرُ به؛ فهذا تلزَمُه الزَّكاة إذا تمَّ الحَوْلُ مِن نِيَّتِه) ((الشرح الممتع)) (6/143). ، وبه أفتَتِ اللَّجنة الدَّائمة جاء في فتوى اللَّجنة الدَّائمة: (أمَّا إن كنت اشتريتَها للاقتناءِ، فلا زكاةَ فيها حتى تنويَ بها التِّجارة، فيبدأ حولُ التِّجارة مِن وقتِ النيَّة). ((فتاوى اللَّجنة الدَّائمة – المجموعة الأولى)) (9/330).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
 عمومُ قولِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنَّما الأعمالُ بالنيَّاتِ، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى )) رواه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907).
وجه الدَّلالة:
أنَّه إذا نوى بها التِّجارة؛ تكونُ للتِّجارة ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/143).
ثانيًا: أنَّ نيَّةَ القِنيةِ بمجرَّدِها كافيةٌ، فكذلك نيَّةُ التِّجارة، بل أوْلى؛ لأنَّ الإيجابَ يغلِبُ على الإسقاطِ احتياطًا ((المغني)) لابن قدامة (3/63).
ثالثًا: لأنَّه أحظُّ للمساكينِ، فاعتُبِرَ كالتقويمِ ((المغني)) لابن قدامة (3/63).
رابعًا: أنَّه نوى به التِّجارة، فوجَبَت فيه الزَّكاةُ، كما لو نوى حالَ البَيعِ ((المغني)) لابن قدامة (3/63).
مطلب: سقوطُ زكاةِ عُروضِ التِّجارة إذا نوى القِنيةَ
مَن اشترى عَرْضًا للتِّجارة، ثم نوى اقتناءَه؛ سقطت عنه الزَّكاةُ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((البناية شرح الهداية)) للعيني (3/309)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/226). ، والمالكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (2/ 303)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/19، 20)، ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 70). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/48)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/102). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/240)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/62).
وذلك للآتي: 
أوَّلًا: أنَّ النيَّة شرطٌ أمكَنَ اعتبارُه في جميعِه، فوجب كالنِّصابِ ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/240).
ثانيًا: أنَّ نيَّةَ التِّجارة شَرطٌ لوُجوبِ الزَّكاةِ في العُروضِ، فإذا نوى القِنيةَ زالت نيَّةُ التِّجارة، ففات شرطُ الوجوبِ، وفارَقَ السَّائمةَ إذا نوى عَلَفَها؛ لأنَّ الشَّرط فيها الإسامةُ دون نيَّتِها، فلا ينتفي الوجوبَ إلَّا بانتفاءِ السَّومِ ((المغني)) لابن قدامة (3/62).
ثالثًا: أنَّ الأصلَ في العروضِ القِنيةُ، فيرجِعُ إلى أصلِها بالنيَّة، كما لو نوى بالحُليِّ التِّجارة، أو نوى المسافِرُ الإقامةَ ((المغني)) لابن قدامة (3/62).
رابعًا: أنَّ حقيقةَ القِنيةِ الإمساكُ، وقد وُجِدُ ((الذخيرة)) للقرافي (3/20).

انظر أيضا: