الموسوعة الفقهية

المبحث الأوَّل: زكاةُ الفُلوسِ


المطلب الأوَّل: تعريفُ الفلوس:
الفلوسُ: عُملةٌ مَضروبةٌ مِن غيرِ الذَّهَبِ والفضَّةِ، كانت تُقَدَّر في الماضي بسُدُسِ الدِّرهَمِ قال ابنُ تيمية: (ينبغي للسُّلطانِ أن يضرِبَ لهم فُلوسًا تكون بقيمةِ العَدْلِ في معاملاتِهم مِن غيرِ ظُلمٍ لهم، ولا يتَّجِر ذو السلطانِ في الفلوسِ أصلًا؛ بأن يشتَرِيَ نُحاسًا فيضرِبَه فيتَّجِرَ فيه، ولا بأن يُحَرِّمَ عليهم الفلوسَ التي بأيديهم ويضرِبَ لهم غيرها؛ بل يضرِبُ ما يَضرِبُ بقيمَتِه من غيرِ رِبح فيه؛ للمصلحةِ العامَّة، ويُعطي أجرةَ الصُّنَّاعِ مِن بيت المال؛ فإنَّ التِّجارة فيها بابٌ عظيمٌ من أبواب ظُلمِ النَّاسِ، وأكْل أموالِهم بالباطل؛ فإنَّه إذا حرَّمَ المعاملةَ بها حتى صارت عَرضًا وضَرَبَ لهم فلوسًا أخرى؛ أفسَدَ ما عندهم من الأموالِ بنَقصِ أسعارِها، فيظلِمُهم فيها، وظُلْمُهم فيها بصَرْفِها بأغْلى سِعرِها، وأيضًا فإذا اختلفَت مقاديرُ الفلوس صارت ذريعةً إلى أنَّ الظَّلَمة يأخذون صِغارًا فيصرفونَها وينقُلونها إلى بلدٍ آخرَ، ويُخرِجونَ صِغارَها فتفسُدُ أموالُ الناس، وفي السُّنَنِ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أنَّه نهى عن كَسْرِ سِكَّةِ المسلمينَ الجائزةِ بينهم، إلَّا مِن بأسٍ)) فإذا كانت مستويةَ المقدارِ بسِعرِ النُّحاسِ، ولم يشتر وليُّ الأمرِ النُّحاسَ والفلوس الكاسدة؛ ليضرِبَها فلوسًا ويتَّجِرَ بذلك؛ حصل بها المقصودُ). ((مجموع الفتاوى)) (29/469)، وينظر: ((مجلة البحوث الإسلامية)) (39/298)، وينظر: ((الصحاح)) للجوهري (3/959). ، وليس المقصودُ بالفُلوس مطلَقَ المالِ كما هو شائعٌ الآن.
المطلب الثاني: زكاةُ الفلوس
لا زكاةَ في الفُلوسِ إذا لم تكن أثمانًا رائجةً، ولم تكن عروضًا للتِّجارة، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة استثنى الحَنَفيَّةُ ما إذا كانت الفلوسُ أثمانًا رائجةً أو سِلَعًا للتِّجارة؛ فإنه تجب الزَّكاة في قيمَتِها، وإلا فلا. ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 300)، ويُنظر: ((تحفة الفقهاء)) للسمرقندي (1/265)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/17). ، والمالكيَّة لا زكاةَ في الفلوس عند المالكِيَّةِ إلَّا أن تكون عروضًا للتِّجارة؛ فإنَّه تجِبُ الزَّكاة في قيمتها إذا بلغت نِصابًا. ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/140)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/11)،  ((فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك)) لعليش (1/165). ، والشافعيَّة ((الأم)) للشافعي (3/98)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (5/82). ، والحَنابِلَة الفلوس عند الحَنابِلَة كعروض التِّجارة تجب الزَّكاة في قيمتها. ((الفروع)) لابن مفلح (6/296)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/95). ، وهو مَذهَبُ الظَّاهِريَّة ((المحلى)) لابن حزم (6/81 رقم 684).
ويدلُّ لذلك ما يلي:
أوَّلًا: أنَّ الزَّكاةَ محصورةٌ في بهيمةِ الأنعامِ، وأصنافٍ مخصوصةٍ مِنَ الحبوبِ، والثِّمار، والذَّهَبِ، والفضَّة، وعروضِ التِّجارة، والفلوس ليستْ داخلةً في شيءٍ منها ((فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك)) لعليش (1/164).
ثانيًا: أنَّه لا خلاف أنَّه لا يُعتبَرُ وزنُ عروضِ التِّجارة، ولا عدَدُها، وإنَّما المعتبَرُ قيمَتُها، فلو وجبتْ في عينِها لاعتُبِرَ النِّصابُ مِن عَينِها، ومبلَغِها، لا من قِيمَتِها، كما في عينِ الذَّهب والفضَّة، والحُبوب، والثِّمارِ، فلمَّا انقطَعَ تعلُّقُها بعَينِها جرتْ على حُكمِ جِنسِها من النُّحاسِ، والحَديدِ، وشِبهِه ((فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك)) لعليش (1/165).
ثالثًا: أنَّ الفلوسَ أصلُها النُّحاسُ، ولا زكاةَ في النُّحاسِ، ولا ربًا فيه ((الأم)) للشافعي (3/98).
رابعًا: أنَّ الفلوسَ ليستْ بثمنٍ للأشياءِ المُتلَفَة ((الحاوي الكبير)) للماوردي (5/82).

انظر أيضا: