الموسوعة الفقهية

المطلب الثاني: حُكْمُ مانعِ الزَّكاة


الفرع الأوَّل: مَن مَنَعَ الزَّكاةَ جاحدًا لوجوبِها
مَن منع الزَّكاة جاحدًا وهو يعلَمُ وجوبَها؛ فقد كفَر قال ابنُ عُثيمين: (يكْفُر إذا جحد الزَّكاةَ، وهو يعلمُ أنها واجبة؛ وذلك لأنَّ وجوبَ الزَّكاة ممَّا يُعلَم بالضرورة من دين الإسلام، فكلُّ مسلمٍ يعلمُ أن الزَّكاة واجبة، فـ...لو جحد وجوبَها جاهلًا فإنَّه لا يكْفُر؛ لأنَّ الجهل عُذرٌ بالكتاب والسُّنة وإجماعِ المسلمين في الجملة، لكن هل تُقبَل دعوى الجهل من كلِّ أحد؟ الجواب؛ لا، فإنَّ مَن عاش بين المسلمين، وجحد الصَّلاة، أو الزَّكاة، أو الصوم، أو الحج، وقال: لا أعلمُ، فلا يُقبَل قولُه؛ لأنَّ هذا معلومٌ بالضرورة من دِين الإسلام؛ إذ يعرفه العالِمُ والعامِّيُّ، لكن لو كان حديثَ عهدٍ بالإسلام، أو كان ناشئًا ببادِيةٍ بعيدة عن القرى والمدن، فيُقبَل منه دعوى الجهل ولا يَكْفُر، ولكنْ نعلِّمُه فإذا أصرَّ بعد التَّبيينِ حكمنا بكفره).((الشرح الممتع)) (6/191).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الإجماعِ 
نقَلَ الإجماعَ على كُفْرِ مَن جحد الزَّكاة: ابنُ عَبدِ البَرِّ قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (وأمَّا من منعها جاحدًا لها؛ فهي رِدَّةٌ بإجماعٍ). ((الاستذكار)) (3/217). ، والنوويُّ قال النوويُّ: (فإنَّ مَن أنكَرَ فرضَ الزَّكاة في هذه الأزمانِ؛ كان كافرًا بإجماعِ المسلمين). ((شرح النووي على مسلم)) (1/205). ، والزرقانيُّ قال الزرقانيُّ: (ثم إن كان مقرًّا بها فمُسلِمٌ، وإن جحدها فكافِرٌ إجماعًا) ((شرح الزرقاني على الموطأ)) (2/186).
ثانيًا: أنَّه أنكَرَ معلومًا من الدِّين بالضَّرورةِ ((فتاوى اللَّجنة الدَّائمة - المجموعة الأولى)) (2/394)، و (2/140).
الفرع الثاني: مَن منَعَ الزَّكاةَ جاهلًا بوُجوبِها
مَن مَنعَ الزَّكاة جاهلًا وجوبَها كحديث العهدِ بالإسلامِ؛ فإنَّه لا يَكْفُر، ولكن يعرَّفُ بحُكْمِها، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (2/327)، ((البناية شرح الهداية)) للعيني (3/291). ، والمالكِيَّة ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/742). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (5/334)، ((فتح العزيز)) للرافعي (2/465). ، والحَنابِلَة ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (2/ 116)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/427-428)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (10/75)، ((كشف المخدرات)) للبعلي (1/265).
الدَّليلُ مِنَ الكتابِ: 
عمومُ قَولِ اللهِ تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا قال ابنُ تيميَّة: (فمَن لم يبلغْه أمرُ الرَّسولِ في شيء معيَّن لم يثبُتْ حُكْمُ وجوبِه عليه) ((مجموع الفتاوى)) (22/102). وقال أيضًا: (مَن خالَفَ ما ثبت بالكتابِ والسُّنة: فإنه يكون إمَّا كافرًا وإمَّا فاسقًا وإمَّا عاصيًا، إلَّا أن يكون مؤمنًا مجتهدًا مُخْطئًا، فيُثابُ على اجتهادِه ويُغفَر له خطؤه، وكذلك إن كان لم يبلُغْه العِلم الذي تقوم عليه به الحُجَّة؛ فإنَّ الله يقول: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا وأما إذا قامت عليه الحجَّة الثابتة بالكتابِ والسُّنة فخالفها؛ فإَّنه يُعاقَب بحسب ذلك، إمَّا بالقتلِ وإمَّا بدونه، واللهُ أعلم) ((مجموع الفتاوى)) (1/113). وقال أيضًا: (لا يَثْبُت الخطابُ إلَّا بعد البلوغ؛ لقوله تعالى: لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ وقوله: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا، وقولِه: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ، ومثل هذا في القرآن متعدِّد؛ بيَّن سبحانه أنه لا يعاقِبُ أحدًا حتى تُبلِّغَه الرُّسُل، ومَن عَلِمَ أنَّ محمَّدًا رسولُ الله فآمن بذلك ولم يعلَمْ كثيرًا ممَّا جاء به لم يُعَذِّبْه الله على ما لم يَبْلُغْه، فإنه إذا لم يُعَذِّبْه على تركِ الإيمان إلَّا بعد البلاغِ، فإنه لا يعذِّبُه على بعض شرائعه إلَّا بعد البلاغ أوْلى وأحرى) ((المسائل والأجوبة)) (1/164). [الإسراء: 15]
الفرع الثالث: حُكمُ مَن مَنع الزَّكاةَ بُخلًا
مَن مَنَعَ الزَّكاة بُخلًا لا يَكْفُرُ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((البناية شرح الهداية)) للعيني (3/291)، ((درر الحكام)) للملا خسرو (1/178). ، والمالكيَّة ((حاشية الدسوقي)) (1/191)، ويُنظر: ((شرح الزرقاني على الموطأ)) (2/186). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (5/334)، ويُنظر: ((كفاية الأخيار)) للحصني (ص: 168). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/258)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/428).
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:
عن أبي هُرَيرة رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما مِنْ صاحِبِ ذهَبٍ ولا فِضَّةٍ لا يؤدِّي منها حقَّها إلَّا إذا كان يومُ القيامةِ، صُفِّحَتْ له صفائِحُ مِن نارٍ، فأُحْمِيَ عليها في نارِ جهنَّمَ، فيُكوى بها جنبُه وجبينُه وظهرُه، كلَّما بَرُدَت أُعيدَتْ له، في يومٍ كان مقدارُه خمسينَ ألفَ سَنةٍ، حتَّى يُقضَى بين العبادِ؛ فيُرَى سبيلَه؛ إمَّا إلى الجنَّةِ، وإمَّا إلى النَّارِ... )) رواه مسلم (987).
وجهُ الدَّلالة:
أنَّه لو كَفَرَ بتَرْكِه للزَّكاةِ لم يكن له سبيلٌ إلى الجنَّة قال المروزيُّ بعد ذِكر الحديث السابق: (فدلَّ ما ذكرنا أنَّ مانعَ الزَّكاة ليس بكافر، ولا مشرك؛ إذ أطمَعَه في دخول الجنة؛ لقوله تعالى: إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ **النساء: 48** ودلَّ ذلك أيضًا أنَّه مؤمن إذ أطمَعَه في دخول الجنة؛ لقولِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (لا يدخُلُ الجنَّةَ إلَّا مؤمِنٌ).) ((تعظيم قدر الصلاة)) (2/1012)، وينظر: ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (2/29).

انظر أيضا: