الموسوعة الفقهية

المطلب السادس: حُكمُ المشيِ في المقابِرِ بالنِّعال


اختلف أهلُ العِلْمِ في حكمِ المشي في المقابِرِ بالنِّعال على قولين:
القول الأول: لا يُكْرَهُ المشيُ في المقابِرِ بالنَّعلينِ والخُفَّيْنِ ونحوِهما، وهو مذهبُ الحَنفيَّةِ [8922] ((البناية)) للعيني (3/261)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 412)، ((الفتاوى الهندية)) (1/167). ومشهورُ مَذهَب الشَّافعيَّة [8923] ((المجموع)) للنووي (5/312). ويُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/328). ، وروايةٌ عن أحمد [8924] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (2/257). ويُنظر: ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (2/366). ، وبه قال أكثرُ أهْلِ العِلْمِ [8925] ((المجموع)) للنووي (5/312)، ((المغني)) لابن قدامة (2/421). ، وهو قولُ ابنِ حَزْمٍ [8926] لكنَّه اسَتْثَنى النِّعالَ السِّبتيَّةَ، فحَرَّمَ المشيَ فيهما بين القبورِ، ينظر: ((المحلى)) لابن حزم (3/361).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن أنسِ بن مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال نبيُّ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنَّ العبدَ، إذا وُضِعَ في قبره وتَوَلَّى عنه أصحابُه؛ إنَّه ليَسْمَعُ قَرْعَ نِعالِهم )) [8927] أخرجه البخاري (1374)، ومسلم (2870).
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الحديثَ فيه جوازُ لُبسِ النِّعالِ في المقابِرِ، ولو كان ذلك مكروهًا لبَيَّنَه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم [8928] ((فتح الباري)) لابن حجر (10/309).
ثانيًا: القياسُ على دخولِ المَسجِدِ بالنِّعالِ والصَّلاةِ فيها؛ فإنَّه لا يُكْرَه، فكذلك المَشْيُ بين القبورِ بها أَوْلَى بِعَدَمِ الكراهةِ [8929] قال ابن حجر: (وثبتَ حديثُ أنسٍ أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم صلَّى في نَعْلَيْه؛ قال: فإذا جاز دخولُ المسجِدِ بالنَّعْلِ، فالمقبرةُ أَوْلى). ((فتح الباري)) (10/309).
القول الثاني: يُكره المشيُ بين القُبورِ بالنِّعالِ، وهو مذهَبُ الحَنابِلَة [8930] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/386)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/141). واستثنى الحنابلةُ إذا كان لعُذْرٍ؛ كالخوف من النجاسَةِ، أو الشَّوْك ونحوه. ، وقولُ ابنِ بازٍ [8931] ((فتاوى نور على الدرب)) لابن باز (14/176). ، وابنِ عثيمينَ [8932] ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/200).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن بشيرِ ابنِ الخصاصيَّةِ قال: ((كنتُ أمشي مع رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فمَرَّ على قبورِ المسلمينَ، فقال: لقَدْ سَبَقَ هؤلاءِ شَرًّا كثيرًا، ثم مَرَّ على قبورِ المشركينَ، فقال: لقد سَبَقَ هؤلاءِ خيرًا كثيرًا، فحانت منه التفاتَةٌ، فرأى رجلًا يمشي بين القُبورِ في نَعْلَيهِ، فقال: يا صاحِبَ السِّبتيَّتينِ أَلْقِهِما )) [8933] أخرجه أبو داود (3230)، والنسائي (2048)، وابن ماجه (1568)، وأحمد (20806)، والبخاري في ((الأدب المفرد)) (775(  جود إسناده الإمام أحمد كما في ((تنقيح التحقيق)) (2/158)، وابن القيم في ((تهذيب السنن)) (9/49) ، وحسن إسناده النووي في ((الأذكار)) (365)، والعيني في ((العلم الهيب)) (401)، وصحح الحديث الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (1/510)، والألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (596)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (188) . 
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أمَرَ هذا الرَّجُلَ بإلقاءِ نعْلَيه لَمَّا رآه يمشي بين المقابِرِ، وأقلُّ أحوالِه الندبُ [8934] ((المغني)) لابن قدامة (2/421). ، ففيه كراهةُ المشيِ بالنِّعالِ بين المقابِرِ.
ثانيًا: أنَّ خَلْعَ النعلينِ أقرَبُ إلى الخشوعِ، وزِيِّ أهلِ التواضُعِ، واحترامِ أمواتِ المسلمينَ [8935] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/141).

انظر أيضا: