الموسوعة الفقهية

المطلب الخامس: الجلوسُ على القبرِ ووَطْؤُه والاتِّكاءُ عليه


الفرع الأول: الجلوسُ على القبر
يحرُمُ الجلوسُ على القَبرِ، وهو مَذهَب الظَّاهريَّة [8893] قال ابن حزم: (ولا يحِلُّ لأحدٍ أن يجْلِسَ على قبرٍ، فإنْ لم يجدْ أين يجلِسُ: فلْيَقِفْ حتى يقْضِيَ حاجَتَه... وهو قول أبي سليمان). ((المحلى)) (3/358). ، وقولُ بعضِ الشَّافعيَّة [8894] ((المجموع)) للنووي (5/312)، ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (3/175). لكن قال النووي في (شرح مسلم)): (قال أصحابُنا: تجصيصُ القبرِ مكروهٌ، والقعودُ عليه حرامٌ، وكذا الاستنادُ إليه والاتِّكاءُ عليه). ((شرح النووي على مسلم)) (7/27). ، وبعضِ الحَنابِلَة [8895] ((الفروع)) لابن مفلح (3/418). ، وقالت به طائفةٌ من السَّلَف [8896] ((المحلى)) لابن حزم (3/359). ، وهو قولُ الصنعانيِّ [8897] ((سبل السلام)) للصنعاني (2/120). ، والشَّوكانيِّ [8898] ((نيل الأوطار)) للشوكاني (4/104)، و(2/156). ، وابنِ باز [8899] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (5/187). ، وابنِ عثيمينَ [8900] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/366). ، والألبانيِّ [8901] ((أحكام الجنائز)) الألباني (1/210).
الأدلة من السُّنَّة:
1- عن أبي هُريرة رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لَأَنْ يَجْلِسَ أحدُكم على جَمْرَةٍ فتَحْرِقَ ثيابَه، فتَخْلُصَ إلى جِلْدِه؛ خيرٌ له من أن يَجْلِسَ على قَبرٍ )) [8902] أخرجه مسلم (971).
2- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((نهى رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن يُجَصَّصَ القَبرُ، وأن يُقعَدَ عليه، وأن يُبْنَى عليه )) [8903] أخرجه مسلم (970).
3- عن أبي مرثدٍ الغنويِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا تُصَلُّوا إلى القبورِ، ولا تَجْلِسوا عليها )) [8904] أخرجه مسلم (972).
وَجهُ الدَّلالةِ مِنَ الأحاديث:
أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم نهى عن ذلك، والنَّهْيُ يقتضي التحريمَ [8905] ((سبل السلام)) للصنعاني (2/120)، ((نيل الأوطار)) للشوكاني (4/104)، (2/156).
4- عن عمرِو بن حزمٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((رآني رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، وأنا مُتَّكئٌ على قَبرٍ، فقال: لا تُؤذِ صاحِبَ القبرِ)) [8906] أخرجه أحمد (((المسند)) (39/475)، والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2944)، والحاكم في ((المستدرك)) (6502)، وأبو نعيم في ((معرفة الصحابة)) (4972) صحَّح إسنادَه محمد بن عبد الهادي في ((تنقيح تحقيق التعليق)) (2/160)، والذهبي في ((تنقيح التحقيق)) (1/320)، وابن حجر في ((فتح الباري)) (3/266)، وصححه الألباني في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (1662) 
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّه نُهِيَ عن أذيَّةِ المقبورِ من المؤمنينَ، وأذيَّةُ المؤمِنِ محرَّمَةٌ بنَصِّ القرآنِ [8907] ((سبل السلام)) للصنعاني (2/120).
الفرع الثاني: وطءُ القبر
يَحْرُم وطءُ القبورِ، وهو قولٌ عند الحَنابِلَة [8908] قال ابن مفلح: (ويُكْرَه الاتِّكاءُ إليه والجلوسُ والوطءُ عليه؛ للأخبار، ويُروى عن ابن مسعود، وابن عمر، وأبي بَكْرَةَ. وفي تعليق القاضي: لا يجوز). ((الفروع)) (3/418). ، واختاره ابنُ بازٍ [8909] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (5/187). وابنُ عثيمينَ [8910] ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/202).
الأدلة:
أوَّلًا: مِنَ السنَّةِ
1- عن جابرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، أنَّه قال: ((نهى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنْ تُجَصَّصَ القبورُ، وأن يُكتَبَ عليها، وأن يُبنَى عليها، وأن تُوطَأَ )) [8911] أخرجه الترمذي (1052). قال الترمذي: حسن صحيح، وقال الذهبي في ((تاريخ الإسلام)) (14/437): غريب، وصحَّحَه ابنُ المُلَقِّن في ((البدر المنير)) (5/320)، وقال ابن حجر في ((التلخيص الحبير)) (2/694): في مسلمٍ بدون الكتابة، وقال الشوكاني في ((تحريمِ رَفْعِ القبور)) (57): صحيحة غريبة، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1052)
2- عن عُقبةَ بنِ عامرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: قال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لَأَنْ أَمْشِيَ على جمرةٍ أو سيفٍ أو أخْصِفَ نعلي بِرِجْلي؛ أحبُّ إليَّ من أن أَمْشِيَ على قبرٍ )) [8912] أخرجه ابن ماجه (1567) واللفظ له، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (11896) باختلاف يسير. جوَّدَ إسنادَه المنذريُّ في ((الترغيب والترهيب)) (4/286)، وقال الذهبي في ((سير أعلام النبلاء)) (9/138) وابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/240): إسناده صالح، وصحح إسناده ووثق رجاله البوصيري في ((مصباح الزجاجة)) (2/41) وقال: وله شاهد، وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (1567)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (947).
ثانيًا: من الآثار
عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: (لَأَنْ أَطَأَ على جمرةٍ أحَبُّ إليَّ مِن أن أطَأَ على قبرِ رَجُلٍ مُسْلمٍ) [8913] أخرجه عبد الرزاق في ((المصنف)) (6512)، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (11895)، والطبراني (9/373) (9605). حسَّن إسنادَه المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (4/286)، وابن حجر الهيتمي المكي في ((الزواجر)) (1/165)، وصححه لغيره الألباني في ((صحيح الترغيب)) (3565).
ثالثًا: لأنَّه امتهانٌ للمُسلمِ [8914] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/367). وهو محتَرَمٌ حَيًّا وميِّتًا [8915] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (5/187).
الفرع الثالث: الاتِّكاءُ على القَبرِ
يحرُمُ الاتِّكاءُ على القَبرِ، وهو قولُ بعضِ الشَّافعيَّة [8916] قال النووي: (قال أصحابُنا: تجصيصُ القبرِ مكروهٌ، والقعودُ عليه حرامٌ، وكذا الاستنادُ إليه والاتِّكاءُ عليه). ((شرح النووي على مسلم)) (7/27). وقال الهيتمي: (ولا يُستَنَد إليه ولا يُتَّكَأُ عليه، وظاهرٌ أنَّ المرادَ به محاذي المَيِّتِ لا ما اعْتِيدَ التحويطُ عليه؛ فإنه قد يكون غيرَ مُحاذٍ له، لا سيما في اللَّحْدِ، ويُحتَمَل إلحاقُ ما قَرُبَ منه جدًّا به؛ لأنَّه يُطْلَق عليه عُرفًا أنَّه محاذٍ له (ولا يُوطَأُ) احترامًا له إلا لضرورةٍ؛ كأن لم يَصِلْ لقبرِ مَيِّتِه، وكذا ما يريدُ زيارَتَه ولو غيرَ قريبٍ فيما يظهَرُ، أوْ لا يتمَكَّنُ من الحَفْرِ إلَّا به، والنهيُ في هذه كلِّها للكراهةِ، وقال كثيرونٌ: للحُرْمَةِ). ((تحفة المحتاج)) (3/175). ، وبعضِ الحَنابِلَة [8917] قال المرداوي: (قوله: «ويُكْرَهُ الجلوس والوطءُ عليه والاتِّكاءُ إليه». هذا المذهَبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ وكراهةُ المشيِ في المقابر بالنَّعلينِ من مفرداتِ المَذْهَب، وجَزَمَ به ناظِمُها، وقال القاضي في التَّعليقِ: لا يجوز، وقاله في الكافي وغيره). ((الإنصاف)) (2/386)، ويُنظر: ((الفروع)) لابن مفلح (3/418). ، وهو قولُ ابنِ بازٍ [8918] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (5/187)، (13/354). ، وابنِ عثيمينَ [8919] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/366).
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:
عن عمرِو بنِ حَزمٍ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((رآنِي رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم وأنَا متكئٌ على قبرٍ فقالَ: لا تُؤْذِ صاحِبَ القبرِ)) [8920] أخرجه أحمد (((المسند)) (39/475)، والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2944)، والحاكم في ((المستدرك)) (6502)، وأبو نعيم في ((معرفة الصحابة)) (4972) صحح إسناده الذهبي في ((تنقيح التحقيق)) (1/320)، وابن عبد الهادي في ((تنقيح تحقيق التعليق)) (2/160)، وابن حجر في ((فتح الباري)) (3/266)، والألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (2960).
وَجهُ الدَّلالةِ:
قوله: ((لا تُؤْذِ صاحِبَ القَبرِ)) نهيٌ عن أذيَّةِ المقبورِ من المؤمنينَ، وأذيَّةُ المؤمِنِ محرَّمةٌ بنَصِّ القرآنِ [8921] ((سبل السلام)) للصنعاني (2/120).

انظر أيضا: