الموسوعة الفقهية

المطلب الثَّالث: زمَنُ الصَّلاةِ على الجِنازةِ، ومكانُها


الفرع الأوَّل: الأوقاتُ التي لا يُصلَّى فيها على الجِنازة
المسألة الأولى: حُكمُ الصَّلاةِ على الجِنازةِ بعدَ الفجرِ والعصرِ
تجوزُ صلاةُ الجِنازة بعدَ الفجرِ، وبعدَ العَصرِ.
الدليلُ مِن الإجماعِ:
نقَلَ الإجماعَ على ذلك: الشافعيُّ [8065] قال الشافعيُّ: (إجماعُ الناس في الصَّلاة على الجنائزِ بعد الصُّبح والعصر). ((الأم)) (1/174). ، وابنُ المنذرِ [8066] قال ابنُ المنذر: (وإجماعُ المسلمين في الصَّلاةِ على الجنائزِ بعد العَصر وبعد الصُّبح). ((الأوسط)) (3/96). ، والنوويُّ [8067] قال النوويُّ: (وأجمع المسلمون على إباحةِ صلاةِ الجنائِزِ بعد الصُّبح والعصر، ونقل العبدريُّ في كتاب الجنائز عن الثوريِّ، والأوزاعيِّ، وأبي حنيفة، وأحمد، وإسحاق: أنَّ صلاة الجِنازَة منهيٌّ عنها عند طلوع الشَّمس وعند غروبها وعند استوائِها، ولا تُكرهُ في الوقتين الآخَرينِ). ((المجموع)) (4/172). ، وابنُ قُدامةَ [8068] قال ابنُ قُدامةَ: (أمَّا الصَّلاةُ على الجِنازَة بعد الصُّبح حتى تطلُعَ الشَّمس، وبعد العصر حتى تميلَ للغروب، فلا خِلافَ فيه). ((المغني)) (2/82). ، والعراقيُّ [8069] قال العراقيُّ: (وبإجماعِ المسلمين على الصَّلاة على الجِنازَة بعد الصُّبح والعصر، إذا لم يكُنْ عند الطلوع والغُروب). ((طرح التثريب)) (2/171). ، وزكريَّا الأنصاريُّ [8070] قال زكريا الأنصاريُّ: (قلنا: لأنَّ التَّخصيصَ دخله بما مرَّ مِنَ الأخبارِ في صلاةِ العَصرِ وصلاة الصبح، وبالإجماعِ على جواز صلاةِ الجِنازَة بعدَهما). ((أسنى المطالب)) (1/124).
المسألة الثانية: حُكمُ الصَّلاةِ على الجِنازةِ عندَ طلوعِ الشَّمسِ، وغُروبِها، واستوائِها
اختَلفَ العُلماءُ في حُكمِ صلاةِ الجِنازة عند طُلوعِ الشَّمس، وغروبِها، واستوائِها [8071] ومحلُّ مَنْعِها وكراهتها ما لم يُخَفْ تغيرُّها بتأخيرِها، وإلَّا جاز أنْ يُصلَّى عليها. ينظر: ((التمهيد)) لابن عبد البر (13/41)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/224)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/147). ، على قولين:
القول الأوّل: تجوزُ صلاةُ الجِنازة في أوقاتِ النَّهيِ، وهذا مذهبُ الشافعيَّة [8072] ((المجموع)) للنووي (5/213). ويُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/124). ، وروايةٌ عن مالكٍ [8073] ((التمهيد)) لابن عبد البر (4/28). ، وروايةٌ عن أحمدَ [8074] ((المغني)) لابن قدامة (2/82)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/146). ، وهو قولُ بعضِ السَّلف [8075] ((المجموع)) للنووي (4/171). ، واختيارُ ابنِ حزمٍ [8076] ((المحلى)) لابن حزم (2/47). ، وابنِ تيميَّةَ [8077] ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (23/191). ، وابنِ عُثَيمين [8078] ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/138). ، وعليه فتوى اللَّجنةِ الدَّائمةِ [8079] ((فتاوى اللَّجنة الدَّائمة – المجموعة الأولى)) (7/275).
وذلك للآتي:
أولًا: لأنَّها صلاةٌ تُباحُ بعدَ الصُّبحِ والعَصرِ؛ فأُبيحتْ في سائرِ الأوقاتِ، كالفرائضِ [8080] ((المغني)) لابن قدامة (2/82).
ثانيًا: لأنَّ صلاةَ الجِنازة فرضٌ في الجملةِ؛ فيصحُّ فِعلُها في جميعِ الأوقاتِ قِياسًا على قضاءِ الفوائتِ [8081] ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (2/54).
ثالثًا: قياسًا لصلاةِ الجِنازة على الصَّلواتِ ذواتِ الأسبابِ مِن النوافلِ، التي وردَتِ النصوصُ دالَّةً على جوازِها [8082] ((شرح النووي على مسلم)) (6/110).
القول الثاني: لا تُصلَّى صلاةُ الجِنازة عندَ طلوعِ الشَّمسِ، ولا عِندَ غُروبِها [8083] وهو مذهب المالكية في ترك صلاة الجنازة عند طلوع الشمس وعند غروبها أما وقت الزوال فليس بوقت نهي عندهم. يُنظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/60)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/224)، ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (1/243). ، ولا عندَ الاستواءِ، وهذا مذهبُ الحَنفيَّة [8084] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/85). ويُنظر: ((الجوهرة النيرة)) للحدادي (1/69). ، والحَنابِلَة [8085] ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/452). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/82). ، وهو قول ابن باز [8086]  قال ابن باز: (إذا صادف ذلك - الصلاة على الجنازة ودفنها - وقت الساعات الثلاث أجلت الصلاة عليها ودفنها؛ لقول عقبة بن عامر رضي الله عنه: «ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس، وحين تتضيف الشمس للغروب) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (25/201). ، وقولُ أكثرِ أهلِ العِلمِ [8087] ((المغني)) لابن قدامة (2/82).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
1- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا تَحرَّوْا بصلاتِكم طلوعَ الشَّمسِ ولا غُروبَها )) [8088] رواه البخاري (582)، ومسلم (828).
2- عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إذا طَلَعَ حاجبُ الشَّمسِ [8089] حاجب الشمس: أي طَرَف قُرْصِها، أي أوَّلُ ما يبدو منها كالحاجِبِ. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (2/60)، ((كشف المشكل من حديث الصحيحين)) لابن الجوزي (2/516). فأخِّروا الصَّلاةَ حتى ترتفعَ، وإذا غابَ حاجبُ الشَّمسِ فأخِّروا الصَّلاةَ حتى تغيبَ )) [8090] رواه البخاري (583) واللفظ له، ومسلم (829).
وجهُ الدَّلالة من الحَديثينِ:
أنَّ صلاةَ الجنازةِ صلاةٌ؛ لقولِه تعالى : وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا فسمَّاها الله صلاةً [8091] ((السيل الجرار)) للشوكاني (ص: 217)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/318). ، فتدخلُ في عمومِ النَّهيِ عَنِ الصلاةِ في هذه الأوقاتِ.
3- عن عُقبةَ بنِ عامرٍ الجُهنيِّ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((ثلاثُ ساعاتٍ كان رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم ينهانا أنْ نُصلِّيَ فيهنَّ، أو أنْ نَقبُرَ فيهنَّ موتانا: حين تَطلُعُ الشمسُ بازغةً حتى ترتفعَ، وحين يقومُ قائمُ الظَّهيرةِ حتى تميلَ الشمسُ، وحين تَضيَّفُ الشمسُ للغروبِ حتى تغرُبَ )) [8092] أخرجه مسلم (831).
وجه الدلالة:
أنَّه نُهِي عن الدفنِ في هذه الأوقاتِ، والصَّلاةُ المقرونةُ بالدَّفنِ تتناولُ صلاةَ الجِنازة، وتمنَعُها القرينةُ من الخروجِ بالتَّخصيصِ، بخلافِ ما بعدَ الصُّبح، وما بعدَ العصرِ [8093] ((المغني)) لابن قدامة (2/82).
ثانيًا: لأنَّها صلاةٌ من غيرِ الصَّلواتِ الخمسِ؛ فلم يَجُزْ فِعلُها في هذهِ الأوقاتِ الثَّلاثةِ؛ كالنوافلِ المطلَقةِ، وإنَّما أُبيحتْ بعدَ الصبحِ والعصرِ؛ لأنَّ مُدَّتَهما تطُولُ، فالانتظارُ يُخافُ منه عليها، وهذه مُدَّتُها تَقصُر [8094] ((المغني)) لابن قدامة (2/82).
الفرع الثَّاني: مكانُ الصَّلاةِ على الميِّتِ
المسألة الأولى: الصَّلاةُ على الميِّتِ في المسجِدِ
تجوزُ الصَّلاةُ على الميِّتِ في المسجدِ، وهو مذهبُ الشافعيَّة [8095] ((المجموع)) للنووي (5/213)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/361). ، والحَنابِلَة [8096] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/125). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/368). ، وبه قال بعضُ السَّلفِ [8097] ((الأوسط)) لابن المنذر (5/454)، ((المجموع)) للنووي (5/213). ، واختارَه ابنُ المنذرِ [8098] ((الإقناع)) لابن المنذر (1/160). ، وابنُ حَزم [8099] ((المحلى)) لابن حزم (3/390). ، وابنُ باز [8100] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (13/164). ، وابنُ عُثَيمين [8101] ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/160).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
عن عَبَّادِ بنِ عَبدِ اللهِ بنِ الزُّبَيرِ، يُحدِّثُ عن عائشةَ، ((أنَّها لَمَّا تُوفِّي سعدُ بن أبي وقَّاصٍ، أرسلَ أزواجُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، أنْ يمرُّوا بجِنازتِه في المسجدِ، فيُصلِّينَ عليه، ففَعلوا فوُقِفَ به على حُجَرِهنَّ يُصلِّين عليه؛ أُخرِجَ به من بابِ الجنائزِ الذي كان إلى المقاعدِ، فبلغهنَّ أنَّ الناسَ عابوا ذلك، وقالوا: ما كانتِ الجنائزُ يُدخَلُ بها المسجدَ، فبَلَغَ ذلك عائشةَ، فقالت: ما أَسرعَ الناسَ إلى أن يَعيبوا ما لا عِلمَ لهم به! عابوا علينا أن يُمَرَّ بجِنازةٍ في المسجدِ، ومَا صلَّى رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم على سُهَيلِ ابنِ بَيضاءَ إلَّا في جوفِ المَسجدِ )) [8102] أخرجه مسلم (973).
ثانيًا: مِن الآثار
عن عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما: (أنَّ عُمرَ بن الخطَّابِ صُلِّيَ عليه في المسجدِ) [8103] أخرجه ابن أبي شيبة (11969)، وابن المنذر في ((الأوسط)) (3091)، والحاكم في ((المستدرك)) (4516)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (7039). قال ابن حزم في ((المحلى)) (5/162): (إسناده في غاية الصحَّة). وصحَّح إسنادَه النوويُّ في ((الخلاصة)) (2/965).
المَسألةُ الثَّانيةُ: الصَّلاةُ على الجِنازةِ في المَقْبرةِ
1- مَن دُفِنَ قبل أن يُصلَّى عليه
مَن دُفِنَ قبلَ أن يُصلَّى عليه صُلِّيَ على قَبرِه، وهذا مذهبُ الجمهورِ: الحَنفيَّة [8104] ((المبسوط)) للسرخسي (2/124). ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/315)، لكن الحنفيَّة اشترطوا للصَّلاة على القبر: ألَّا يكون تفرَّق وتَمزَّق، وعلَّلوا ذلك بأنَّ المشروعَ الصَّلاة على الميِّت لا على أعضائِه. ، والمشهورُ عندَ المالِكيَّة [8105]  ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/71). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/142). ، والشافعيَّة [8106] ((المجموع)) للنووي (5/247). ويُنظر: ((البيان)) للعمراني (3/110)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/323). ، وهو روايةٌ عن أحمدَ، اختارَها بعضُ أصحابِه [8107] ((المغني)) لابن قدامة (2/412)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/331).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
1- عن عبدِ الله بن عباسٍ رضي الله عنهما ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم صلَّى على قَبرٍ بعدَما دُفِنَ؛ فكبَّر عليه أربعًا )) [8108] رواه البخاري (1319) بنحوه، ومسلم (954) واللفظ له.
2- عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ الله عنه: ((أنَّ امرأةً سوداءَ كانتْ تَقُمُّ المسجدَ- أو شابًّا- ففَقَدها رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، فسألَ عنها- أو عنه- فقالوا: مات، قال: أفلا كنتُم آذَنْتُمونى! قال: فكأنَّهم صَغَّروا أمرَها- أو أمرَه- فقال: دُلُّوني على قَبرِها، فدَلُّوه، فصلَّى عليها، ثم قال: إنَّ هذه القبورَ مملوءةٌ ظُلمةً على أهلِها، وإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يُنوِّرُها لهم بِصَلاتِي عليهم )) [8109] رواه البخاري (458)، ومسلم (956) واللفظ له.
ثانيًا: أنَّ في ذلك إقامةً للواجبِ بقدْرِ الإمكانِ [8110] ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 391).
2- حُكمُ الصَّلاةِ على الجِنازةِ في المَقبَرةِ لِمَنْ فاتتْه الصَّلاةُ عليها
مَن فاتتْه صلاةُ الجِنازةِ فله أنْ يُصلِّيَ على الميِّتِ في المقبَرةِ قَبلَ الدَّفنِ وبَعْدَه، وهو مَذهَبُ الشَّافعيَّةِ [1] ((روضة الطالبين)) للنووي (2/130)، ((المجموع)) للنووي (5/247)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/346). ، والحَنابِلَةِ [2] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/121)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/381). ، وهو اختيارُ ابنِ القيِّمِ [3] قال ابن القيم: (فإنَّ الصَّلاةَ المنهيَّ عنها إلى القبرِ غيرُ الصَّلاةِ التي على القَبرِ؛ فهذه صلاةُ الجِنازةِ على الميِّتِ التي لا تختَصُّ بمكانٍ، بل فِعْلُها في غيرِ المسجِدِ أفضَلُ مِن فِعْلِها فيه؛ فالصَّلاةُ عليه على قَبرِه مِن جِنسِ الصَّلاةِ عليه على نَعْشِه؛ فإنَّه المقصودُ بالصَّلاةِ في الموضِعَينِ، ولا فَرْقَ بين كونِه على النَّعشِ وعلى الأرضِ وبيْن كونِه في بَطنِها، بخلافِ سائِرِ الصَّلَواتِ؛ فإنَّها لم تُشرَعْ في القُبورِ ولا إليها؛ لأنَّها ذريعةٌ إلى اتِّخاذِها مساجِدَ). ((إعلام الموقعين)) (2/428). ، وابنِ بازٍ [4] سُئل ابنُ باز: هل تجوزُ صلاةُ الجنازةِ في وسَطِ المقابِرِ؟  فأجاب: (لا حَرَجَ في ذلك، صلاةُ الجنازةِ تصَلَّى... تُفعَلُ في المقبرةِ، وهكذا على الميِّتِ بعد الدَّفنِ، النَّبيُّ ﷺ صلَّى على الميِّتِ بعد الدَّفنِ في المقبرةِ، والصَّلاةُ عليها في المقبرةِ مِثلُ الصَّلاةِ على القبرِ سواءً، فإذا وُضِعَت هناك وصلَّى عليها النَّاسُ، فلا حَرَجَ في ذلك).  ((الموقع الرسمي لابن باز)) وقال: (أمَّا الصَّلاةُ على الميِّتِ في المقبَرةِ فلا بَأْسَ، فقد صلَّى النَّبيُّ ﷺ على قَبرٍ بعدما دُفِنَ، لكِنَّ الأفضَلَ أن يصلَّى عليه في المصلَّى المعَدِّ للجِنازةِ أو المساجِدِ، حتَّى يصَلِّيَ عليه جمعٌ غفيرٌ مِنَ النَّاسِ، الأفضَلُ لأهلِه أن يقدِّموه للمُسلِمينَ يُصَلُّونَ عليه في المساجِدِ أو في المصلَّى المعَدِّ لصلاةِ الجِنازةِ، إذا كان هناك مصلًّى مُعَدٌّ لصلاةِ الجِنازةِ، فإنْ لم يتيسَّرْ ذلك قد صلِّيَ عليه في المقبرةِ، فلا حَرَج.( ((الموقع الرسمي لابن باز((. ، وابنِ عُثَيمين [5] قال ابنُ عثيمين: (لو جِيءَ بالميِّتِ وصُلِّيَ عليه في المقبرةِ قبل الدَّفنِ فما الحُكمُ؟ فالجوابُ أن نقولَ: لدينا الآن عُمومُ: «الأرضُ كلُّها مَسجِدٌ إلَّا المقبرةَ والحمَّامَ»، والصَّلاةُ على الميِّتِ صلاةٌ بلا شَكٍّ؛ ولهذا تُفتتَحُ بالتَّكبيرِ، وتُختَتَم بالتَّسليمِ، ويُشتَرَطُ لها الطَّهارةُ والقِراءةُ؛ فهي صلاةٌ، فما الذي يُخرِجُها من عُمومِ قَولِه: «إلَّا المقبرةَ؟»، لكِنْ ربَّما يَسوغُ لنا أن نقيسَها على الصَّلاةِ على القَبرِ، وما دام أنَّه قد ثبت أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صَلَّى على القَبرِ؛ فلا فَرْقَ بين أن يُصلَّى على جِنازةٍ مَدفونةٍ، أو على جِنازةٍ غيرِ مَدفونةٍ؛ لأنَّ العِلَّةَ واحِدةٌ، وهي أنَّ هذا الميِّتَ الذي يُصلَّى عليه كان في المقبَرةِ، وعَمَلُ النَّاسِ على هذا؛ أنَّه يُصلَّى على الميِّتِ، ولو قَبلَ الدَّفنِ في المقبَرةِ). ((الشرح الممتع)) (2/241). وقال: (يُستثنى من الصَّلاةِ في المَقبَرةِ الصَّلاةُ على القبرِ، وكذلك الصَّلاةُ على الجِنازةِ قَبْلَ دَفْنِها؛ لأنَّ هذه صلاةٌ خاصَّةٌ تتعلَّقُ بالميِّتِ، فكما جازت الصَّلاةُ على القبرِ على الميِّتِ؛ فإنَّها تجوزُ الصَّلاةُ عليه قَبْلَ الدَّفنِ). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (12/376). ، واللَّجنةِ الدَّائِمةِ [6] جاء في فتوى اللَّجنةِ الدَّائِمةِ: (تجوزُ الصَّلاةُ على الجِنازةِ في المقبرةِ قبل الدَّفنِ، فإن دُفِنَت صَلَّى على القبرِ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلَّى على قبرٍ، والمنهيُّ عنه في المقبرةِ مِنَ الصَّلَواتِ غيرُ صلاةِ الجنازةِ، وأمَّا صلاةُ الجِنازةِ فهي مُستثناةٌ من النَّهيِ، وسواءٌ كانت القُبورُ خَلْفَ المصَلِّينَ أو أمامَهم أو إلى جانِبِهم). ((فتاوى اللَّجنةِ الدَّائِمةِ - المجموعة الثَّانيةُ)) (7/254). وجاء فيها: (من لم يُصَلِّ على الجنازةِ في المسجِدِ فإنَّه لا بأسَ أن يصَلِّيَ عليها في أيِّ مكانٍ في المقبَرةِ قبلَ الدَّفنِ، فإذا دُفِنَت الجِنازةُ صُلِّيَ على القبرِ). ((فتاوى اللَّجنةِ الدَّائِمةِ - المجموعةُ الثَّانيةُ)) (7/272).
الأَدِلَّةُ مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللَّهُ عنه: ((أنَّ امرأةً سَوْداءَ كانتْ تقُمُّ المسجِدَ -أو شابًّا- ففَقدَها رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، فسألَ عنها -أو عنه- فقالوا: مات، قال: أفلا كنتُم آذَنْتُمونى! قال: فكأنَّهم صَغَّروا أَمْرَها - أو أَمْرَه- فقال: دُلُّوني على قَبرِها، فدَلُّوه، فصلَّى عليها، ثمَّ قال: إنَّ هذه القُبورَ مملوءةٌ ظُلمةً على أهلِها، وإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يُنوِّرُها لهم بصَلاتِي عليهم)) [7] رواه البخاري (458)، ومسلم (956).
2- عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم صلَّى على قبرٍ بَعدَما دُفِن، فكبَّر عليه أربعًا))، وفي روايةٍ قال: ((انتهى رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى قبرٍ رَطْبٍ فصلَّى عليه، وصفُّوا خَلْفَه، وكبَّر أربعًا)) [8] رواه البخاري (1319) بنحوه، ومسلم (954)، واللَّفظُ له.
3- عن الشَّعْبيِّ، قال: أخبَرني مَن شهِدَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه: ((أتَى على قبرٍ مَنبوذٍ، فصفَّهم، وكبَّرَ أربعًا))، قلتُ: مَن حدَّثَك، قال: ابنُ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما [9] أخرجه البخاري (1319) واللَّفظُ له، ومسلم (954).
وَجْهُ الدَّلالةِ مِنَ الأحاديثِ
ثبت في هذه الأحاديثِ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم صَلَّى على مَيِّتٍ في القَبرِ، ولا فَرْقَ بيْن أن يُصلَّى على جِنازةٍ مدفونةٍ، أو على جِنازةٍ غيرِ مَدفونةٍ؛ لأنَّ العِلَّةَ واحِدةٌ، وهي وُجودُ الميِّتِ الذي يُصلَّى عليه في المَقبَرةِ [10] ينظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (2/241).

انظر أيضا: