الموسوعة الفقهية

المَطلَب الأَوَّل: حُكمُ صلاةِ كُسوفِ الشَّمسِ


صلاةُ كسوفِ الشَّمسِ نُقِل الإجماعُ على مشروعيَّتها: قال ابنُ قُدامةَ: (صلاة الكسوف ثابتةٌ بسنَّة رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على ما سنذكره، ولا نَعلمُ بين أهل العِلم في مشروعيَّتها لكسوفِ الشَّمس خلافًا) ((المغني)) (2/312). وقال ابنُ تيميَّة: (فإنَّ الصلاة عند الكسوف متَّفقٌ عليها بين المسلمين) ((مجموع الفتاوى)) (24/258). وقال ابنُ حجر: ("قوله: باب الصَّلاة في كسوفِ الشمس"، أي: مشروعيَّتها، وهو أمرٌ متَّفق عليه) ((فتح الباري)) (2/527). سُنَّةٌ مُؤكَّدة، وهذا باتِّفاق المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة ((البناية)) للعيني (3/136)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهُمَام (2/84). ، والمالِكيَّة ((الكافي)) لابن عبد البر (1/265)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/427). ، والشافعيَّة ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (3/57)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (2/402). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمَرْداوي (2/310)، ((كشاف القناع)) للبُهوتي (2/61). ، وحُكي الإجماعُ على ذلك قال النوويُّ: (وصلاةُ كسوف الشمس والقمر سُنَّةٌ مؤكَّدة بالإجماع، لكن قال مالك وأبو حنيفة: يُصلَّى لخسوف القمر فُرادَى، ويُصلِّي ركعتينِ كسائرِ النوافل) ((المجموع)) (5/44). وقال ابنُ دقيق العيد: (صلاة الكسوف سنَّة مؤكَّدة بالاتِّفاق، أعني كسوف الشمس؛ دليلُه: فِعلُ الرسول صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لها، وجمْعُه الناس مُظهِرًا لذلك، وهذه أمارات الاعتناء والتأكيد) ((إحكام الأحكام)) (ص: 234). وقال البُهوتي: (صلاة الكسوف سُنَّة مؤكَّدة، حكاه ابنُ هبيرة والنوويُّ إجماعًا) ((كشاف القناع)) (2/61). لكن قال ابنُ حجرٍ: (الجمهورُ على أنَّها سُنَّةٌ مؤكَّدة، وصرَّح أبو عوانةَ في صحيحه بوجوبِها، ولم أرَه لغيرِه إلَّا ما حُكي عن مالكٍ أنه أجراها مجرى الجمعة، ونَقَل الزين ابن المنير عن أبي حنيفةَ أنه أوجبها، وكذا نقَل بعضُ مصنِّفي الحنفية أنَّها واجبة) ((فتح الباري)) (2/527).
أدِلَّة السُّنيَّة:
أولًا: من الكِتاب
قوله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [فصلت: 37]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ قوله: اسْجُدُوا للهِ... أَمْرٌ بالسُّجودِ عندَ كُسوفِهما للهِ الذي خَلقهنَّ- في أحدِ الأقوالِ في تفسيرِ الآية ((نهاية المحتاج)) للرملي (2/402). قال ابنُ عَثيمين: (وهذا الاستنباطُ وإنْ كان له شيءٌ من الوَجاهة، لكنْ لولا ثبوتُ السُّنَّة لم نعتمدْ عليه) ((الشرح الممتع)) (5/180).
ثانيًا: من السُّنَّة
1- عن أبي مَسعودٍ عُقْبةَ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ الشَّمسَ والقَمرَ لا يَنكسِفانِ لِمَوتِ أحدٍ من النَّاسِ، ولكنَّهما آيتانِ من آياتِ اللهِ؛ فإذا رَأيتُموهما فقُوموا فصَلُّوا )) أخرجه البخاري (1041)، ومسلم (911).
2- عَنِ الـمُغيرةِ بن شُعبةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((انْكسَفتِ الشَّمسُ يومَ ماتَ إبراهيمُ، فقال الناسُ: انكسَفتْ لِموتِ إبراهيمَ. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ الشَّمسَ والقَمرَ آيتانِ من آياتِ الله، لا يَنكسِفانِ لِموتِ أحدٍ ولا لِحَياتِه؛ فإذا رأيتُموهما فادْعُوا اللهَ وصَلُّوا، حتَّى يَنجليَ )) رواه البخاري (1060)، ومسلم (915).
أدِلَّة عدمِ الوُجوبِ:
أولًا: من السُّنَّة
عن طَلحةَ بنِ عُبَيدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((جاءَ رجلٌ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فإذا هو يَسألُه عن الإسلامِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: خمسُ صلواتٍ في اليومِ واللَّيلةِ. فقال: هل عليَّ غيرُها؟ قال: لا، إلَّا أنْ تَطوَّعَ )) [6802] رواه البخاري (2678)، ومسلم (11).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ هذا الحديثَ هو الصَّارفُ للأوامرِ الواردةِ في صَلاة الكُسوفِ مِن الوجوبِ إلى الاستحبابِ ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (3/57)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (13/29). قال ابنُ الهُمَام: (والظاهر أنَّ الأمر للندب؛ لأنَّ المصلحة دفْع الأمْر المَخوف، فهي مصلحةٌ تعود إلينا دنيويَّة؛ لأنَّ الكلام فيها لو كان الخلقُ كلُّهم على الطاعة، ثم وُجدت هذه الأفزاعُ، فإنَّه بتقدير الهلاك يُحشَرون على نيَّاتهم ولا يُعاقبون، وإنْ لم يكونوا على ذلك فتُفترض التوبة، وهي لا تتوقَّف على الصلاة، وإلَّا لكانت فرضًا) ((فتح القدير)) (2/84).
ثانيًا: عدَم ورودِ ما يُفيد الوجوبَ، ومجرَّد الفِعل لا يُفيد زيادةً على كونِ المفعولِ مسنونًا ((الدراري المضية)) للشوكاني (1/126).
ثالثًا: أنَّها صلاةٌ ذاتُ ركوعٍ وسجودٍ، لا أذانَ لها؛ فأشبهتْ صلاةَ الاستسقاءِ في السُّنيَّةِ وعدمِ الوجوب ((نهاية المحتاج)) للرملي (2/403).

انظر أيضا: