الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الرابع: ما يُفتَتحُ به خُطبةُ العيدِ


لا تُفْتَتحُ خُطبةُ العيدِ بالتَّكبيرِ، بلْ تُفتَتحُ بالحَمدِ كسائرِ الخُطبِ، وبه قالَ طائفةٌ من الشافعيَّة قال النوويُّ: (نصَّ الشافعيُّ وكثيرون من الأصحاب على أنَّ هذه التكبيرات ليستْ من الخطبة، وإنما هي مُقدِّمة لها، ومن قال منهم: تُفتتح الخطبة بالتكبيرات يُحمَل كلامُه على موافقة النصِّ الذي ذكرتُه؛ لأنَّ افتتاح الشيء قد يكون ببعض مقدِّماته التي ليستْ من نفسه، فاحفظ هذا؛ فإنَّه مهم خفي) ((روضة الطالبين)) (2/74)، وينظر: (المجموع)) للنووي (5/23)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (2/392)، ((فتح الباري)) لابن رجب (5/485). ، وطائفةٌ من الحَنابِلَة قال ابنُ رجب: (ذكَر بعض أئمَّة الشافعية: أن الخُطب كلها تُستفتح بالحمد بغير خلافٍ، وإنما التكبير في العيد يكون قبلَ الخُطبة، وليس منها، وأنَّ ذلك نصُّ الشافعي، وكذا ذكر طائفةٌ من أصحابنا: أنَّ ظاهر كلام أحمد أنَّه يُكبِّر إذا جلَس على المنبر قبل الخُطبة، وأنه ليس من الخُطبة، فإذا قام استفتح الخُطبة بالحمد) ((فتح الباري)) (5/485). ، وهو اختيارُ ابنِ تَيميَّةَ قال ابنُ تيميَّة: (خطبة الجمعة تُفتتح بالحمد، بالسُّنة المتواترة واتِّفاق العلماء، وأمَّا خطبة الاستسقاء، ففيها ثلاثةُ أقوال في مذهب أحمد وغيره، أحدها: أنَّها تُفتتح بالحمد لله كالجمعة، والثاني: بالتكبير كالعيد. والثالث: بالاستغفار؛ لأنَّه أخصُّ بالاستسقاء، وخطبة العيد قد ذَكَر عبد الله بن عُقبة: أنها تُفتتح بالتكبير، وأخَذ بذلك مَن أخذ به من الفقهاء؛ لكن لم يَنقُل أحدٌ عن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنه افتَتَح خُطبتَه بغير الحمد، لا خُطبة عيد، ولا استسقاء، ولا غير ذلك) ((مجموع الفتاوى)) (22/393، 394، 24/225)، وينظر: ((زاد المعاد)) لابن القيم (1/448). ، وابنِ القيِّمِ قال ابنُ القيِّم: (كان يَفتتح خُطَبه كلَّها بالحمد لله، ولم يُحفظ عنه في حديث واحد، أنَّه كان يَفتتح خُطبتي العيدين بالتكبير... وقد اختلف الناسُ في افتتاح خُطبة العيدين والاستسقاء، فقيل: يُفتتحان بالتكبير، وقيل: تُفتتح خطبة الاستسقاء بالاستغفار، وقيل: يُفتتحان بالحمد؛ قال شيخ الإسلام ابنُ تيميَّة: وهو الصَّوابُ) ((زاد المعاد)) (1/447، 448). ، وابنِ رجب قال ابنُ رجب: (قد رُوي عن أبي موسى الأشعريِّ، أنه استَفتح خُطبتي العيدين بالحمد، ثم كبَّر بعد الحمد. وهو الأظهر) ((فتح الباري)) (5/485). ، وابنِ باز قال ابنُ باز: (المشروعُ في العيد خُطبتان كالجُمُعة، والمشروع أنْ تبدأ كلُّ خُطبة بالحمد، بالحمد لله والثناء عليه، والصَّلاة على نبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والشَّهادتين؛ شهادة أنْ لا إله إلَّا الله محمَّد رسولُ الله، في الجمعة وفي العيدين، كلُّها تبدأ بحمد الله والثناء عليه، والشهادة لله بالوحدانيَّة، وللنبيِّ بالرسالة، والصلاةِ على النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثم وعْظِ الناس وتذكيرهم، في الجمعة وفي العيد) ((فتاوى نور على الدرب)) (13/362).
وذلك للآتي:
أولًا: أنَّه لم يثبُتْ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنه كان يَستفتِحُ خُطبةِ العيدِ أو غيرَها بالتَّكبيرِ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (22/393، 394، 24/225)، ((زاد المعاد)) لابن القيم (1/448)، ((السيل الجرار)) للشوكاني (ص: 195)، ((نيل الأوطار)) للشوكاني (3/363).
ثانيًا: أنَّ الاستفتاحَ بالحمدِ هو شأنُ خُطَبِه عليه الصَّلاة والسَّلامِ قال ابنُ رجب: (دلَّت هذه الأحاديثُ كلُّها على أنَّ الخطب كلها، سواء كانت للجمعة أو لغيرها، وسواء كانت على المنبر أو على الأرض، وسواء كانت من جلوس أو قيام، فإنَّها تبتدئ بحَمد الله والثناءِ عليه بما هو أهله، ثم يَذكُر بعد ذلك ما يُحتاج إلى ذِكره من موعظةٍ، أو ذِكر حاجة يحتاج إلى ذكرها... ولا يُستثنى ممَّا ذكرناه من الخطب إلَّا خطبة العيد؛ فقد قيل: إنَّها تُستفتح بالتكبير، وقد رُوي عن أبي موسى الأشعري: أنَّه استفتح خُطبتي العيدين بالحمد، ثم كبَّر بعد الحمد. وهو الأظهرُ، وكذا قيل في خُطبة الاستسقاء، ومن الناس مَن قال: تُستفتح بالحمد أيضًا، وقد ذكَر بعضُ أئمَّة الشافعية: أنَّ الخُطَب كلها تُستفتح بالحمد بغير خلافٍ، وإنَّما التكبيرُ في العيد يكون قبلَ الخُطبة، وليس منها، وأنَّ ذلك نصُّ الشافعي، وكذا ذَكَر طائفةٌ من أصحابنا: أنَّ ظاهر كلام أحمد أنه يُكبِّر إذا جلس على المنبر قبل الخُطبة، وأنَّه ليس من الخطبة، فإذا قام استَفتح الخطبة بالحمد، وذكروا: قول عُبَيد الله بن عبد الله بن عتبة: يُكبِّر الإمام على المنبر يومَ العيد قبل الخُطبة تسعًا، وبعدها سبعًا) ((فتح الباري)) (5/484، 485).

انظر أيضا: