الموسوعة الفقهية

المطلب الرابع: الجَهرُ بالقِراءةِ


يُسَنُّ أنْ يجهَرَ في صلاةِ الجُمُعةِ بالقراءةِ قال ابنُ عثيمين: (تُسنُّ القراءة فيها جهرًا من بين سائر الصلوات النهاريَّة، ونحن إذا تأمَّلنا الصلوات الجهرية وجدْنا أنها الصلوات الليليَّة المكتوبة: المغرب، والعشاء، والفجر، وأنها أيضًا الصلاة ذات الاجتماع العام، ولو نهارًا، مِثل: الجمعة، والعيد، والكسوف، والاستسقاء؛ لأنَّ هذه يجتمع فيها الناس اجتماعًا عامًّا، فالسُّنَّة في الكسوف مثلًا أن يُصلِّيها أهلُ البلد كلهم في مسجد واحد في الجامع، وكذلك صلاة الاستسقاء، وصلاة العيد، وصلاة الجُمُعة؛ والحِكمة من ذلك- أي: مِن أنه يُجهر في هذه الصلوات ذواتِ الاجتماعِ العامِّ- هي إظهارُ الموافقة والائتلاف التام؛ لأنه إذا كان الإمامُ يجهر صارتْ قراءته قراءةً للجميع، فكأنَّه عنوانٌ على ائتلاف أهل البلد كلِّهم) ((الشرح الممتع)) (5/67).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
1- عن ابنِ أبي رافعٍ، قال: استخلَفَ مَرْوانُ أبا هُرَيرَة على المدينةِ، وخرَج إلى مكَّةَ فصلَّى لنا أبو هُرَيرَة الجُمُعة، فقرأَ بعدَ سورةِ الجُمُعة في الرَّكعةِ الآخِرَة إِذَا جَاءَكَ المُنَافِقُونَ، قال: فأدركتُ أبا هُرَيرَة حين انصرَفَ فقُلت له: إنَّك قرأتَ بسُورتينِ كان عليُّ بن أبي طالبٍ يقرأ بهما بالكوفة. فقال أبو هريرة: ((إنِّي سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقرأُ بهما يوم الجُمُعةِ )) رواه مسلم (877).
2- عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يقرأُ في الركعةِ الأُولى بالجُمُعةِ، وفي الثانية بـإِذَا جَاءَكَ المُنَافِقُونَ رواه مسلم (877).
3- عن الضَّحَّاكِ بنِ قَيسٍ، أنه سألَ النعمانَ بنَ بَشيرٍ: ماذا كان يقرأ به رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ الجُمُعةِ على أَثرِ سورةِ الجُمُعة؟ قال: كان يَقرأُ بـهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الغَاشِيَةِ رواه أبو داود (1123)، والنسائي (3/112). قال ابنُ عبد البر في ((التمهيد)) (126/321): متَّصل صحيح. وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1123).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
 أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لو لم يجهرْ بالقراءةِ لَمَا سمِعَ منه قراءةَ هذه السُّوِر ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/269).
ثانيًا: مِنَ الِإِجْماع
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حزم قال ابنُ حزم: (أجمَعوا على أنَّ الجمعة إذا جُمِّعت على شروطها، رَكعتانِ يجهر فيهما) ((مراتب الإجماع)) (ص: 33). وقال أيضًا: (وقد ثبَت عن رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنه كان يجهرُ فيها, وهو عَملُ أهلِ الإسلام؛ نَقْلَ كَوافَّ من عَهدِه عليه السلام إلى اليومِ في شرق الأرض وغربها) ((المحلى)) (3/248). ، والكاسانيُّ قال الكاسانيُّ: (ولو لم يجهر لَمَا سمع وكذا الأمَّة توارثت ذلك) ((بدائع الصنائع)) (1/269). ، وابنُ قُدامةَ قال ابنُ قُدامَة: (صلاة الجُمعة ركعتان عقيبَ الخُطبة، يقرأ في كلِّ ركعة (الحمد لله) وسورة، ويجهر بالقِراءة فيهما. لا خلافَ في ذلك كلِّه) ((المغني)) (2/230). ، والنوويُّ قال النوويُّ: (أمَّا الأحكام، فأجمعتِ الأمَّة على أنَّ الجمعة ركعتان، وعلى أنَّه يُسنُّ الجهرُ فيهما) ((المجموع)) (4/530). ، وابنُ جُزي قال ابن جزي: (للجمعة ركنانِ: الصلاة، والخطبة؛ فأمَّا الصلاة فركعتان جهرًا، إجماعًا) ((القوانين الفقهية)) (ص: 56).

انظر أيضا: