الموسوعة الفقهية

المطلَبُ الرابِعُ: حُكْمُ من سَمِعَ النِّداءَ يَوْمَ الجُمُعةِ


الفرع الأول: حُكمُ الجُمُعةِ لِمَنْ لمْ يَسمَعِ النِّداءَ
تجِبُ الجُمُعةُ على جميعِ مَن في البلدِ، وإنْ كان في طَرَفِها لا يَسمَعُ النِّداءَ قال ابنُ قُدامَة: (قال: "وتجب الجمعةُ على مَن بينه وبين الجامعِ فرسخٌ" هذا في حقِّ غير أهل المصر، أمَّا أهل المصر فيلزمهم كلَّهم الجمعةُ، بَعُدوا أو قَرُبوا؛ قال أحمد: أمَّا أهلُ المصر فلا بدَّ لهم من شهودها، سمِعوا النداءَ أو لم يَسمعوا؛ وذلك لأنَّ البلدَ الواحد بُني للجمعة، فلا فَرْقَ بين القريب والبعيد، ولأنَّ المصر لا يكادُ يكونُ أكثرَ من فرسخ؛ فهو في مظِنَّة القُرب، فاعتُبر ذلك. وهذا قولُ أصحاب الرأي، ونحوُه قولُ الشافعي) ((المغني)) (2/266).
الأدلَّة:
أولًا: من الكِتاب
قال تعالى: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة: 9]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ اللهَ عَزَّ وجلَّ قد أمَرَ بالسَّعيِ بمُجرَّدِ النِّداءِ لا السَّماعِ له ((عون المعبود)) للعظيم آبادي (3/384).
ثانيًا: مِنَ الِإِجْماع
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ رُشدٍ قال ابنُ رشد: (... الإتيان إلى صلاة الجمعة واجبٌ على كلِّ مَن كان في المصر، وإنْ لم يسمعِ النداءَ، ولا أعرف في ذلك خلافًا) ((بداية المجتهد)) (1/142). ، وابنُ بَطَّال قال ابنُ بَطَّال: (وفى إجماع العلماء على أنَّ مَن كان فى طرَف المصر العظيم، وإنْ لم يسمع النداءَ يلزمه السعيُ) ((شرح صحيح البخاري)) (2/495). ، وابنُ رجب قال ابنُ رجب: (هذا الذي في القرية، إنْ كان من أهلها المستوطنين بها، فلا خلافَ في لزوم السعي إلى الجمعة له، وسواء سمِع النداءَ أو لم يسمعْ، وقد نصَّ على ذلك الشافعيُّ، وأحمدُ، ونقَل بعضُهم الاتفاقَ عليه) ((فتح الباري)) (5/403). ، وسندٌ من المالِكيَّة قال سندٌ: (أجمعتِ الأمَّة على الوجوب على مَن حواه المصر، سواء سمِع أو لم يَسمعْ) ((الذخيرة)) للقرافي (2/341).
 ثالثًا: أنَّه بلدٌ واحدٌ؛ فلا فَرْقَ فيه بين البَعيدِ والقريبِ ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/22).
الفرع الثاني: حُكمُ الجُمُعةِ على مَن كان خارجَ البَلدِ
تجِبُ الجُمُعةُ على مَن يَسمَعُ النِّداءَ ولو كان خارجَ البَلدِ، وهذا مذهبُ الجمهورِ قال ابنُ حجر: «والذي ذهَب إليه الجمهورُ أنَّها تجِب على مَن سمِع النداء، أو كان في قوَّة السامع، سواء كان داخلَ البلد أو خارجَه، ومحله- كما صرَّح به الشافعي- ما إذا كان المنادِي صيِّتًا والأصواتُ هادئة، والرجل سميعًا» ((فتح الباري)) (2/385). من المالِكيَّة ((الكافي)) لابن عبد البر (1/248)، ويُنظر: ((المقدمات الممهدات)) لابن رشد (1/220). إلَّا أنَّهم حدُّوه بمسافةِ فرسخ؛ لأنَّ ذلك هو منتهى صوتِ المؤذِّن غالبًا. ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/488). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/22)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/266). إلَّا أنَّهم حدُّوه بمسافة فرسخ؛ لأنَّ هذه هي المسافةُ التي يُسمع خلالها صوتُ المؤذِّن غالبًا. ، وهو قولُ داودَ قال ابنُ عبد البَرِّ: (وقال الشافعي: تجِب الجمعةُ على كلِّ مَن كان بالمصر، وكذلك كلُّ مَن سمِع النداءَ ممَّن يسكُن خارجَ المصر، وهو قولُ داودَ) ((التمهيد)) (10/280). ، وبه قالتْ طائفةٌ من السَّلفِ قال ابنُ قُدامَة: (رُوي عن عبد الله بن عمرو، قال: الجمعةُ على مَن سمِع النداء. وهذا قول الشافعيِّ، وإسحاق؛ لِمَا رَوى عبد الله بن عمرو، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «الجمعةُ على مَن سمِع النداءَ» رواه أبو داود. والأشبهُ أنه من كلام عبد الله بن عمرو، ولأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال للأعْمى الذي قال: ليس لي قائدٌ يقودني: «أَتسمَعُ النِّداءَ؟ قال: نعم. قال: فأجِبْ». ولأنَّ مَن سمِع النداء داخلٌ في عموم قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّه **الجمعة: 9**) ((المغني)) (2/266، 267). وقال النوويُّ: (قد ذكرنا أنَّ مذهبنا وجوبُها على مَن بلغه نداءُ البلد دون غيرِه، وبه قال ابنُ عمرو بن العاص، وسعيدُ بن المسيَّب، وأحمدُ، وإسحاق) ((المجموع)) (4/488).
الدَّليلُ مِنَ الكتاب:
قال الله تعالى: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعة فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجُمُعة: 9]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ ظاهرَ الآيةِ وجوبُ الجُمُعةِ على مَن سمِعَ النِّداءَ ((فتح الباري)) لابن رجب (5/404).

انظر أيضا: