الموسوعة الفقهية

المطلب الأوَّل: الجَمْعُ بعَرفَةَ ومُزدلِفةَ


يُسنُّ جمْعُ صلاتيِ الظُّهرِ والعصرِ بعَرفةَ جَمْعَ تقديمٍ، وجمْعُ صلاتيِ المغربِ والعِشاءِ بالمزدلفةِ جمْعَ تأخيرٍ.
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
1- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه- في صِفة حَجَّةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: ((ثمَّ أذَّن، ثمَّ أقام فصلَّى الظُّهرَ، ثمَّ أقام فصلَّى العصرَ، ولم يُصلِّ بينهما شيئًا... حتى أتى المزدلفةَ، فصلَّى بها المغربَ والعِشاءَ بأذانٍ واحدٍ وإقامتين، ولم يُسبِّحْ بينهما شيئًا )) رواه مسلم (1218).
2- عن ابنِ شِهابٍ، قال: أخبرني سالمٌ، أنَّ الحَجَّاجَ بنَ يوسفَ، عامَ نزَل بابنِ الزُّبَيرِ رَضِيَ اللهُ عنهما، سألَ عبدَ اللهِ بن عمر رَضِيَ اللهُ عنهما، كيف تَصنَعُ في الموقف يومَ عرفة؟ فقال سالمٌ: «إنْ كُنتَ تُريدُ السُّنَّة فهَجِّرْ بالصلاةِ فَهجِّر بِالصَّلَاةِ: أَي صلِّ بالهاجرةِ، وهي شِدَّة الحرِّ. والتهجير: المبادَرةُ إلى أوَّلِ وَقْتِ الصَّلاةِ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (5/246)، ((فتح الباري)) لابن حجر (3/514). يومَ عَرفةَ، فقال عبدُ اللهِ بنُ عُمرَ: صدَق؛ إنَّهم كانوا يَجمعون بين الظُّهرِ والعصرِ في السُّنَّة، فقلتُ لسالمٍ: أَفعَلَ ذلك رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ فقال سالمٌ: وهلْ تَتَّبعون في ذلِكَ إلَّا سُنَّتَه؟! » رواه البخاري (1662).
3- عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((جمَع النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بين المغربِ والعِشاءِ بجَمْعٍ جَمْع- بفتح الجيم، وسكون الميم-: أي المزدلفة، وسميت بـ(جَمْع)؛ قيل: لأنَّ آدم اجتمع فيها مع حواء وازدلف إليها، أي: دنا منها، وقيل: لأنَّها يُجمع فيها بين الصلاتين، وقيل: وُصِفت بفعل أهلها لأنهم يجتمعون بها ويزدلفون إلى الله، أي: يتقربون إليه بالوقوف فيها، وسميت بـ(المزدلفة) إمَّا لاجتماع الناس بها، أو لاقترابِهم إلى مِنًى أو لازدلاف الناس منها جميعًا، أو للنزول بها في كلِّ زلفة من الليل، أو لأنها منزلة وقربة إلى الله، أو لازدلاف آدم إلى حواء. ينظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (3/523). ، كلَّ واحدةٍ منهما بإقامةٍ، ولم يُسبِّحْ بينهما، ولا على إثرِ كلِّ واحدةٍ منهما )) رواه البخاري (1673)، ومسلم (1288) باختلاف يسير.
4- عن أبي أيُّوبَ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جمَع في حَجَّةِ الوداعِ المغربَ والعِشاءَ بالمزدلفةِ )) رواه البخاري (1674)، ومسلم (1287).
5- عن أُسامةَ بنِ زَيدٍ رَضِيَ اللهُ عنه- وكان رَديفَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن عرفةَ إلى المزدلفة- قال: ((فنَزَلَ الشِّعب، فبال ثم توضَّأ ولم يُسبِغِ الوضوءَ، فقلت له: الصَّلاةُ؟ فقال: الصَّلاةُ أمامَك، فركِب فلمَّا جاءَ المزدلفةَ نزَلَ فتوضَّأ، فأسبغَ الوضوءَ، ثم أُقيمتِ الصَّلاةُ فصلَّى المغربَ، ثم أناخَ كلُّ إنسانٍ بعيرَه في منزلِه، ثم أُقيمتِ العِشاءُ فصلَّاها، ولم يصلِّ بينهما شيئًا )) رواه البخاري (139)، ومسلم (1280).
ثانيًا: مِنَ الِإِجْماع
نقَلَ الإجماعَ على سُنيَّةِ الجَمْعِ بعرفةَ والمزدلفةِ: ابنُ عبد البرِّ قال ابنُ عبد البر: (أجمَعوا أنَّ الجمع بين الظهر والعصر يومَ عَرفةَ مع الإمام سُنَّةٌ مجتمَع عليها) ((الاستذكار)) (4/325). وقال أيضًا: (أجمع العلماء أنَّ رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دفَع من عرفة في حجَّته بعدما غربت الشمس يومَ عرفة أخَّرَ صلاة المغرب ذلك الوقت، فلم يُصلِّها حتى أتى المزدلفةَ فصلَّى بها المغرب والعشاء، جمَع بينهما بعدما غاب الشفق، وأجمعوا أنَّ ذلك من سُنَّة الحاجِّ كلِّهم في ذلك الموضع) ((الاستذكار)) (4/330). ، وابنُ رُشدٍ قال ابن رشد: (أجمعوا على أنَّ الجمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر بعرفة سُنَّةٌ، وبين المغرب والعشاء بالمزدلفة أيضًا في وقتِ العشاء سُنَّةٌ أيضًا) ((بداية المجتهد)) (1/170).

انظر أيضا: