الموسوعة الفقهية

المطلب السَّابع: اختلافُ نيَّةِ الإمامِ عن المأمومِ في الصَّلاةِ


الفرع الأُول: مَن يُصلِّي فرضًا خلفَ مَن يُصلِّي فرضًا آخَر
تجوزُ صلاةُ مَن يُصلِّي فرضًا خلفَ مَن يُصلِّي فرضًا آخرَ، كمأمومٍ يُصلِّي الظهرَ خلفَ إمامٍ يُصلِّي العصرَ، وهو مذهبُ الشافعيَّة [4677] ((المجموع)) للنووي (4/271)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/253). ، وروايةٌ عن أحمدَ [4678] قال المرداويُّ: ("مَن يُصلِّي الظهر بمَن يُصلِّي العصر في إحدى الرِّوايتين"... إحداهما: لا يصحُّ، وهو المذهب... والرواية الثانية: يصحُّ) ((الإنصاف)) (2/195). ، وهو مذهب الظاهرية [4679] قال النوويُّ: (مذهبُنا جوازُ صلاة المتنفِّل والمفترض خلفَ متنفل ومفترض في فرْض آخَر.. وهو مذهبُ داود) ((المجموع)) (4/271). وقال ابنُ حزم: (ومَن نسِي صلاةَ فرض- أيّ صلاة كانت- فوجد إمامًا يُصلِّي صلاةً أخرى- أيّ صلاة كانت- في جماعة: ففرض عليه ولا بدَّ أن يدخُلَ فيُصلِّي التي فاتته، وتجزئه، ولا نُبالي باختلاف نيَّة الإمام والمأموم، وجائزٌ صلاة الفرض خلف المتنفِّل، والمتنفِّل خلف مَن يُصلِّي الفرض، وصلاة فرْض خلف مَن يُصلِّي صلاة فرض أخرى، كلُّ ذلك حسن، وسُنَّة) ((المحلى)) (3/140). ، وبه قالتْ طائفةٌ من السَّلفِ [4680] قال ابن المنذر عن حديث معاذ: (فمِمَّن هذا مذهبه القولُ بظاهر الحديث: عطاء، وطاوس، وبه قال الشافعي، وأحمد بن حنبل، وسليمان بن حرب، وأبو ثور، وقال بهذا المعنى الأوزاعيُّ... بالقول الأوّل أقول؛ استدلالًا بحديث معاذ) ((الإشراف)) (2/148). وينظر: ((المجموع)) للنووي (4/271). ، واختاره ابنُ المنذرِ [4681] قال ابنُ المنذر: (لا يضرُّ أن تختلفَ نيَّةُ الإمام والمأموم) ((الإقناع)) (1/116). وقال عن حديث معاذ: (فمِمَّن هذا مذهبه القولُ بظاهر الحديث: عطاء، وطاوس، وبه قال الشافعي، وأحمد بن حنبل، وسليمان بن حرب، وأبو ثور، وقال بهذا المعنى الأوزاعيُّ... بالقول الأوَّل أقول؛ استدلالًا بحديث معاذ) ((الإشراف)) (2/148). وينظر: ((المجموع)) للنووي (4/271). ، وابنُ تيميَّة [4682] قال ابنُ تَيميَّة: (ثبَت صلاة المتنفِّل خلف المفترض في عِدَّة أحاديثَ، وثبَت أيضًا بالعكس؛ فعلم أنَّ موافقةَ الإمام في نيَّة الفرض أو النَّفل ليستْ بواجبةٍ، والإمام ضامن وإنْ كان متنفِّلًا، ومن هذا الباب صلاةُ العِشاء الآخرة خلف مَن يُصلِّي قيام رمضان، يُصلِّي خلفه ركعتين ثم يقوم فيتمُّ ركعتين، فأظهر الأقوال جوازُ هذا كلِّه) ((مجموع الفتاوى)) (23/386). ، والصنعانيُّ قال الصَّنعانيُّ: (ثم الحديث لم يشترطِ المساواةَ في النيَّة؛ فدلَّ أنَّها إذا اختلفت نيَّة الإمام، والمأموم كأن ينويَ أحدُهما فرضًا والآخَر نفلًا، أو ينوي هذا عصرًا والآخَر ظُهرًا، أنَّها تصحُّ الصلاة جماعة) ((سبل السلام)) (1/364). ، وابنُ باز [4684] قال ابنُ باز: (وهكذا لو صلَّى الظهر خلف من يُصلي العصر، كمَن جاء وهم يُصلُّون في وقتِ الجمع في السفر مثلًا، فظنَّ أنَّهم يُصلُّون الظهرَ، فصاروا يُصلُّون العصر وهو يُصلِّي الظهر، فإنَّ صلاته صحيحة، وله نيَّته ولهم نيَّتهم، هذا هو الصواب) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (12/185). ، وابنُ عُثَيمين [4685] قال ابنُ عُثيمين: (إذا صلَّى شخصٌ صلاة الظهر خلفَ إمام يُصلِّي العصر، فلا حرجَ في ذلك، وصلاته صحيحةٌ على القول الراجح) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (12/446).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
1- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((إنَّ مُعاذَ بنَ جَبلٍ كان يصلِّي مع رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم العِشاءَ الآخِرةَ، ثمَّ يرجِعُ إلى قَومِه، فيصلِّي بهم تلك الصَّلاةَ )) [4686] رواه البخاري (700)، ومسلم (465) واللفظ له
وفي رواية: ((كان معاذٌ يُصلِّي مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم العِشاءَ، ثم يَطلُع إلى قومِه فيُصلِّيها لهم؛ هي له تطوُّعٌ، ولهم مكتوبةُ العِشاءِ )) رواه الشافعيُّ في ((المسند)) (237)، والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2360)، والدارقطني في ((السنن)) (1075)، والبيهقي في ((معرفة السنن والآثار)) (4/153) (1539) قال الشافعي كما في ((التلخيص الحبير)) (2/539): ثابت لا أعلم حديثا يروى من طريق واحد أثبت منه، وصحح إسناده الذهبي في ((المهذب)) (2/1017)، ومغلطاي في ((شرح ابن ماجه)) (3/613)، والعيني في ((نخب الأفكار)) (6/276)، وقال ابنُ الملقِّن في ((البدر المنير)) (4/476): أصلُه متَّفق عليه، وصححه ابن حجر في ((فتح الباري)) (2/229).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه لَمَّا جازَت صلاةُ المفترض خلفَ المتنفِّلِ دلَّ على جوازِ اختلافِ نيَّة المأمومِ عن الإمام ينظر: ((لقاء الباب المفتوح)) لابن عثيمين (رقم اللقاء: 114).
2- عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّما جُعِلَ الإمامُ ليؤتمَّ به، فإذا كبَّر فكبِّروا، ولا تُكبِّروا حتى يُكبِّر، وإذا ركَع فارْكعوا، ولا تركعوا حتى يركعَ، وإذا قال: سمِعَ اللهُ لِمَن حمِدَه، فقولوا: اللهمَّ ربنا لك الحمدُ، وإذا سجَد فاسجدوا، ولا تسجدوا حتى يسجُدَ، وإذا صلَّى قائمًا فصلُّوا قيامًا، وإذا صلَّى قاعدًا فصلُّوا قعودًا أجمعين )) أخرجه البخاري (734)، ومسلمٌ (417) ببعض اختلافٍ يسيرٍ.
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
لم يَشترطِ الحديثُ المساواةَ في النيَّة؛ فدلَّ أنَّها إذا اختلفتْ نيَّةُ الإمام والمأموم، كأنْ ينويَ أحدُهما فرضًا، والآخر نفلًا، أو ينوي هذا عصرًا، والآخر ظهرًا، أنَّها تصحُّ الصَّلاة جماعة [4690] ((سبل السلام)) للصنعاني (1/364).
ثانيًا: لأنه لم يثبُتْ عن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما يدلُّ على وجوبِ اتِّحاد نيَّتي الإمامِ والمأموم [4691] ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (12/446).
ثالثَّا: أنَّ المأمورَ به هو الائتمامُ بالإمام فيما ظهَر من أفعاله، أمَّا النيَّة فمُغيَّبة عنَّا، وما غاب عنَّا، فإنَّا لم نُكلَّفْه [4692] ((التمهيد)) لابن عبد البر (24/368)
الفرع الثَّاني: صلاةُ المفترضِ خلفَ المتنفِّل
تصحُّ صلاةُ المفترضِ خلفَ المتنفِّل، وهو مذهبُ الشافعيَّة [4693] ((المجموع)) للنووي (4/271)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/253). ، وروايةٌ عن أحمدَ [4694] قال المرداويُّ: (يصحُّ ائتمامُ المفترض بالمتنفِّل في إحدى الرِّوايتين) ((الإنصاف)) (2/194). ، وهو مذهب الظاهرية [4695] قال النوويُّ: (مذهبُنا جوازُ صلاة المتنفِّل والمفترض خلفَ متنفِّل ومفترِض في فرضٍ آخَر.. وهو مذهبُ داود) ((المجموع)) (4/271). وقال ابنُ حزم: (ولا نُبالي باختلاف نيَّة الإمام والمأموم، وجائزٌ صلاةُ الفرض خلفَ المتنفِّل، والمتنفِّل خلفَ مَن يُصلي الفرض، وصلاة فرْض خلف مَن يُصلي صلاةَ فرضٍ أُخرى، كلُّ ذلك حسن، وسُنَّة) ((المحلى)) (3/140). ، وبه قالتْ طائفةٌ من السَّلف [4696] قال ابنُ المنذر: (قالت طائفةٌ بظاهر هذين الحديثينِ، وممَّن قال ذلك: عطاءُ بن أبي رَباح، وطاوس، وبه قال الشافعيُّ، وأحمدُ بن حنبل، وسُليمان بن حَرْب، وأبو ثور، وقال بمِثل هذا المعنى الأوزاعيُّ) ((الأوسط)) (4/249). ، واختارَه ابنُ المنذرِ [4697] قال ابنُ المنذر: (لا يضرُّ أن تختلف نيَّةُ الإمام والمأموم) ((الإقناع)) (1/116). ، وابنُ تيميَّة [4698] قال ابنُ تَيميَّة: (ثبَت صلاة المتنفِّل خلف المفترض في عِدَّة أحاديث، وثبت أيضًا بالعكس؛ فعُلم أنَّ موافقة الإمام في نيَّة الفرض أو النَّفل ليست بواجبةٍ، والإمام ضامن وإنْ كان متنفلًا، ومن هذا الباب صلاةُ العشاء الآخِرة خلفَ مَن يُصلِّي قيامَ رمضان؛ يُصلِّي خلفَه ركعتين، ثم يقوم فيُتمُّ ركعتين، فأظهر الأقوال جوازُ هذا كلِّه) ((المجموع)) (23/385-386). ، والشوكانيُّ [4699] قال الشوكانيُّ: (ائتمام المفترض بالمتنفِّل، فحديث صلاة معاذ بقومِه بعد صلاته مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وتصريحه هو وغيره أنَّ التي صلَّاها مع النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هي الفريضة، والتي صلَّاها بقومه نافلة، لهو دليلٌ واضح، وحُجَّة نيِّرة) ((السيل الجرار)) (1/154). ، والصنعانيُّ قال الصَّنعانيُّ: (ثم الحديث لم يشترطِ المساواةَ في النيَّة، فدلَّ أنَّها إذا اختلفت نيَّة الإمام، والمأموم كأنْ ينويَ أحدهما فرضًا والآخر نفلًا، أو ينوي هذا عصرًا والآخر ظهرًا، أنَّها تصحُّ الصلاة جماعة) ((سبل السلام)) (1/364). ، وابنُ باز [4701] قال ابنُ باز: (لا حرج في صلاة المفترض خلف المتنفل) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (12/179). ، وابنُ عُثَيمين [4702] سُئِل ابنُ عُثَيمين: (هل تجوزُ صلاة المفترض خلفَ المتنفِّل, والمتنفِّلِ خلفَ المفترض؟ فأجاب فضيلتُه بقوله: يجوزُ ذلك) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (15/171).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
1- عن جابرِ بنِ عبدِ الله: ((أنَّ مُعاذَ بنَ جَبلٍ كان يصلِّي مع رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم العِشاءَ الآخِرةَ، ثم يرجِعُ إلى قَومِه، فيُصلِّي بهم تلك الصَّلاةَ )) [4703] رواه البخاري (700)، ومسلم (465) واللفظ له
وفي روايةٍ: ((كان مُعاذٌ يُصلِّي مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم العِشاءَ، ثم يَطلُع إلى قومِه فيُصلِّيها لهم؛ هي له تطوُّعٌ ولهم مكتوبةُ العِشاءِ )) رواه الشافعيُّ في ((المسند)) (237)، والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2360)، والدارقطني في ((السنن)) (1075)، والبيهقي في ((معرفة السنن والآثار)) (4/153) (1539) قال الشافعي كما في ((التلخيص الحبير)) (2/539):ثابت لا أعلم حديثا يروى من طريق واحد أثبت منه، وصحح إسناده الذهبي في ((المهذب)) (2/1017)، ومغلطاي في ((شرح ابن ماجه)) (3/613)، والعيني في ((نخب الأفكار)) (6/276)، وقال ابنُ الملقِّن في ((البدر المنير)) (4/476): أصلُه متَّفق عليه، وصححه ابن حجر في ((فتح الباري)) (2/229).
2- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((أَقبَلْنا مع رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتى إذا كنَّا بذات الرِّقاع، وذكَر الحديثَ في صلاة الخوف.. إلى أنْ قال: فنُودِي بالصَّلاة، فصلَّى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بطائفةٍ ركعتينِ ثم تأخَّروا، وصلَّى بالطائفةِ الأُخرى ركعتينِ، فكانتْ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أربعُ ركَعاتٍ، وللقومِ ركعتانِ )) رواه البخاري (4135)، ومسلم (843) واللفظ له.
3- وعن أبي بَكْرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((صلَّى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في خوفٍ الظهرَ، فصفَّ بعضُهم خلفَه وبعضُهم بإزاءِ العدوِّ، فصلَّى بهم ركعتينِ، ثم سلَّم، فانطلَقَ الذين صلَّوْا معه فوقَفوا موقفَ أصحابِهم، ثم جاء أولئك فصَلَّوْا خلفَه فصلَّى بهم ركعتينِ، ثم سلَّم فكانتْ لرسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أربعًا، ولأصحابِه ركعتينِ ركعتينِ )) أخرجه أبو داود (1248)، وأحمد (20497)، والبزار (3659)، والبيهقي (6761). احتجَّ به ابن حزم، وصحَّحه النوويُّ في ((المجموع)) (4/406)، وصحَّح إسنادَه ابنُ الملقِّن في ((البدر المنير)) (5/8)، والزيلعي في ((نصب الراية)) (2/246)، وحسَّن إسنادَه العراقيُّ في ((طرح التثريب)) (2/279)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1248)، وحسَّنه الوادعي في ((الصحيح المسند)) (1192).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه لَمَّا صلَّى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بكلِّ طائفةٍ ركعتينِ، فهو في إحدى الصَّلاتينِ متنفِّل وهم مفترِضون [4707] ((السَّيل الجرار)) للشوكاني (1/154).
5- عن أبي مسعودٍ الأنصاريِّ البدريِّ، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((يؤمُّ القومَ أقرؤُهم لكتابِ اللهِ وأَقدمُهم قِراءةً... )) رواه مسلم (673).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يشترطْ سِوى ذلك، فالعمومُ يَقتضي أنه لو كان الإمامُ مُتنفِّلًا والمأموم مفترضًا، فالصَّلاةُ صحيحةٌ [4709] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/257).
6- عن عَمرِو بن سَلِمَة قال: (... لَمَّا كانتْ وقعةُ أهلِ الفتحِ، بادَر كلُّ قومٍ بإسلامِهم، وبدَر أبي قومي بإسلامِهم، فلمَّا قَدِم قال: جِئتُكم واللهِ من عندِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حقًّا، فقال: ((صَلُّوا صلاةَ كذا في حِين كذا، وصلُّوا صلاةَ كذا في حين كذا، فإذا حضرتِ الصَّلاةُ فليؤذِّنْ أحدُكم، وليؤمَّكم أكثرُكم قرآنًا))، فنَظروا فلم يكُنْ أحدٌ أكثرَ قرآنًا مني؛ لِمَا كنتُ أتلقَّى مِن الركبان، فقدَّموني بين أيديهم، وأنا ابنُ ستٍّ، أو سَبعِ سِنينَ) رواه البخاري (4302).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
من المعلومِ أنَّ الصبيَّ لا فَرْضَ عليه؛ فالصَّلاةُ في حقِّه نافلةٌ، ومع هذا أُقرَّ والقرآنُ ينزلُ [4711] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/257).
ثانيًا: القياسُ على صلاةِ المتمِّ خَلْفَ القاصرِ [4712] ((المجموع)) للنووي (4/272).
ثالثًا: أنَّ المأمورَ به هو الائتمامُ بالإمامِ فيما ظهَر من أفعالِه، أمَّا النيَّة فمُغيَّبة عنَّا، وما غاب عنَّا فإنَّا لم نُكلَّفْه [4713] ((التمهيد)) لابن عبد البر (24/368).
الفرع الثَّالث: صلاةُ المتنفِّلِ خلفَ المفترضِ
صلاةُ المتنفِّلِ خلفَ المفترضِ صحيحةٌ، وهذا باتِّفاق المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة [4714] ((الهداية)) للمرغيناني (1/59)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي، مع ((حاشية الشلبي)) (1/141). ، والمالِكيَّة [4715] ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/463)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/40). ، والشافعيَّة [4716] ((المجموع)) للنووي (4/271)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/253). ، والحَنابِلَة [4717] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/195) ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/484 ). ، وهو مذهبُ الظاهريَّة [4718] ((المحلى)) لابن حزم (3/140 ). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلِك [4719] قال ابنُ عبد البَرِّ: (صلاة المتنفل خلف من يصلي الفريضة جائزة بإجماع العلماء) (الاستذكار)) (2/170). وقال ابن العربي: «... بيد أنه يَقطع به اتفاقُ الأمَّة على جواز صلاة المتنفِّل خلف المفترض» ((أحكام القرآن)) (4/223).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
1- عن أبي سعيدٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رأى رجلًا يُصلِّي وَحْدَه فقال: ((ألا رجلٌ يَتصدَّق على هذا، فيُصلِّي معه )) [4720] رواه أبو داود (574)، أحمد (3/45) (11426)، والدارمي (1/367) (1369). صححه النووي في ((المجموع)) (4/221)، وابن حجر في ((فتح الباري)) (2/166)، وجود إسناده وقواه ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/166)، وابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (12/170)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (574)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (406).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الخطابَ لجماعةٍ قد صلَّوْا فريضتَهم، فصلاتُهم نافلةٌ خلْفَ مفترضٍ [4721] ((السيل الجرار)) للشوكاني (1/155).
2- عن أبي ذرٍّ، قال: قال لي رسولُ اللهِ: ((كيف أنتَ إذا كانتْ عليك أمراءُ يُؤخِّرون الصلاةَ عن وقتِها؟ أو يُميتون الصلاةَ عن وقتِها؟ قال: قلتُ: فما تأمُرني؟ قال: صلِّ الصلاةَ لوقتِها، فإنْ أدركْتَها معهم، فصلِّ؛ فإنَّها لك نافلةٌ )) [4722] رواه مسلم (648).
 3- عن يَزيدَ بنِ الأسودِ العامريِّ، قال: ((شهدتُ مع رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلاةَ الفجرِ في مسجدِ الخيف، فلمَّا قضَى صلاتَه إذا هو برَجُلينِ في آخِرِ القومِ لم يُصلِّيَا معه، قال: عليَّ بهما، فأُتي بهما تَرْعَدُ فرائصُهما، فقال: ما مَنعَكُما أنْ تُصلِّيَا معنا؟ قالَا: يا رسولَ الله، إنَّا قد صلَّيْنا في رِحالنا، قال: فلا تَفْعلَا؛ إذا صليتُما في رِحالكما، ثم أتيتُما مسجدَ جماعةٍ فصلِّيَا معهم؛ فإنَّها لكما نافلةٌ )) رواه أبو داود (575)، والترمذيُّ (219)، والنَّسائي (2/112) واللفظ له. قال الترمذيُّ: حسنٌ صحيح. وصحَّحه النوويُّ في ((الخلاصة)) (1/271)، وابن الملقِّن في ((البدر المنير)) (4/412)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن النسائي)) (2/112)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (1216).
ثانيًا: لأنَّ الحاجةَ في حقِّ المتنفِّلِ إلى أصلِ الصَّلاةِ، وهو موجودٌ في حقِّ الإمامِ، فيتحقَّق البناءُ [4724] ((الهداية)) للمرغيناني (1/59).
ثالثًا: أنَّ المأمورَ به هو الائتمامُ بالإمامِ فيما ظهَر مِن أفعالِه، أمَّا النية فمُغيَّبة عنَّا، وما غاب عنَّا فإنَّا لم نُكلَّفْه [4725] ((التمهيد)) لابن عبد البر (24/368).
الفرع الرَّابع: اختلافُ نِيَّةِ الإمامِ عن المأمومِ في الصَّلاةِ أداءً وقضاءً
اختلافُ نيَّةِ الإمامِ عن المأمومِ في الصَّلاةِ أداءً وقضاءً لا يضرُّ، وهو مذهبُ الشافعيَّة [4726] ((روضة الطالبين)) للنووي (1/366)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/253). ، والحَنابِلَة [4727] ((الفروع)) لابن مفلح (2/440 )، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/193). ، واختاره ابنُ حزمٍ قال ابنُ حزم: (ومَن نسِي صلاةَ فرض- أيّ صلاة كانت- فوجد إمامًا يُصلِّي صلاةً أخرى- أيّ صلاة كانت- في جماعة: ففرض عليه ولا بدَّ أن يدخُلَ فيُصلِّي التي فاتته، وتجزئه، ولا نُبالي باختلاف نيَّة الإمام والمأموم، وجائزٌ صلاة الفرض خلف المتنفِّل، والمتنفِّل خلف مَن يُصلِّي الفرض، وصلاة فرْض خلف مَن يُصلِّي صلاة فرض أخرى، كلُّ ذلك حسن، وسُنَّة) ((المحلى)) (3/140). ، وابنُ تيميَّةَ قال ابنُ تَيميَّة: (والذين منعوا ذلِك ليس لهم حُجَّة مستقيمة؛ فإنَّهم احتجُّوا بلفظٍ لا يدلُّ على محلِّ النِّزاع، كقوله: «إنما جُعِل الإمامُ ليؤتمَّ به؛ فلا تختلفوا عليه»، وبأنَّ «الإمام ضامن»، فلا تكون صلاتُه أنقصَ من صلاة المأموم، وليس في هذين ما يدفع تلك الحُجَج، والاختلاف المراد به الاختلافُ في الأفعال كما جاء مفسَّرًا، وإلَّا فيجوز للمأموم أن يُعيد الصلاة فيكون متنفِّلًا خلفَ مفترض- كما هو قولُ جماهير العلماء. وقد دلَّ على ذلك قولُه في الحديث الصحيح: «يصلُّون بعدي أمراءُ يُؤخِّرون الصلاةَ عن وقتِها، فصلُّوا الصلاةَ لوقتها، ثم اجعلوا صلاتَكم معهم نافلةً»، وأيضًا: «فإنَّه صلَّى بمسجد الخَيف، فرأى رجلين لم يُصلِّيَا، فقال: ما منعكما أن تُصلِّيَا؟ قالا: صلَّيْنا في رحالنا، فقال: إذا صليتُما في رِحالكما ثم أتيتُما مسجدَ جماعة فصَلِّيَا معهم؛ فإنَّها لكما نافلة»، وفي السُّنن: «أنه رأى رجلًا وحده، فقال: ألَا رجلٌ يتصدَّق على هذا فيُصلِّي معه»، فهذا قد ثبَت صلاة المتنفل خلفَ المفترض في عِدَّة أحاديث، وثبت أيضًا بالعكس؛ فعُلم أنَّ موافقة الإمام في نيَّة الفرض أو النفل ليستْ بواجبة، والإمام ضامنٌ وإنْ كان متنفلًا) ((الفتاوى الكبرى)) (5/106). ، وابنُ عُثَيمين قال ابنُ عُثيمين: (القول الثاني: أنَّه يصحُّ أن يأتمَّ مَن يُصلِّي الظهر بمَن يُصلي العصر، ومَن يُصلي العصر بمن يُصلي الظهر، ولا بأسَ بهذا؛ وذلك لعمومِ ما سبَق من الأدلَّة، وأمَّا استدلالهم بقول النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إنما جُعِل الإمام ليؤتمَّ به، فلا تختلفوا عليه»، فقد بينَّا أنَّ المراد بالاختلاف عليه مخالفتُه في الأفعال؛ لقوله: «فإذا كبَّر فكبِّروا») ((الشرح الممتع)) (4/260). وابنُ باز قال ابنُ باز: (لا حرجَ في دخولِك مع الجماعة بنيَّة قضاء الصَّلاة الفائتة، ثم بعدَ فراغك من الفائتة تُصلِّي الصلاةَ الحاضرة) ((الموقع الرسمي للشيخ ابن باز)).
 وذلك للآتي:
أولًا: لأنَّ الصَّلاة واحدةٌ، لكن اختَلَف الوقتُ [4732] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/254).
ثانيًا: ولأنَّه لا يتغيَّرُ نظمُ الصَّلاةِ باختلافِ النيَّة [4733] ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/253).
ثالثًا: أنَّ المأمورَ به هو الائتمامُ بالإمامِ فيما ظهَرَ مِن أفعالِه، أمَّا النيَّةُ فمُغيَّبة عنَّا، وما غاب عنَّا فإنَّا لم نُكلَّفْه [4734] ((التمهيد)) لابن عبد البر (24/368)

انظر أيضا: