الموسوعة الفقهية

الفَرْعُ الثَّاني: أوَّلُ وقتِ صلاةِ الوترِ وآخِرُه


أوَّلُ وقتِ صلاةِ الوترِ قال المروزي: (الذي اتَّفق عليه أهلُ العلم أنَّ ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر وقتٌ للوتر، واختلفوا فيما بعد ذلك إلى أن يُصلَّى الفجر). ((مختصر قيام الليل)) (ص: 277). وقال ابن المنذر: (أجمع أهلُ العلم على أنَّ ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر وقتٌ للوتر، واختلفوا فيمَن لم يوترْ حتى طلع الفجر) ((الأوسط)) (5/188). بعدَ صلاةِ العشاءِ، وآخِرُه طلوعُ الفجرِ قال المروزي: (الذي عليه العمل عند جمهور أهل العلم أنْ لا يُؤخَّر الوتر إلى طلوع الفجر، اتباعًا للأخبار التي رويناها أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمر بالوتر قبل الصبح، وكان وترُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عامَّته كذلك، في آخر الليل قبل طلوع الفجر). ((مختصر قيام الليل)) (ص: 328). وقال ابنُ رشد: (أمَّا العمل المخالف في ذلك للأثر، فإنَّه رُوي عن ابن مسعود، وابن عبَّاس، وعُبادة بن الصامت، وحذيفة، وأبي الدرداء، وعائشة: أنَّهم كانوا يُوتِرون بعد الفجر وقبل صلاة الصبح، ولم يُروَ عن غيرهم من الصحابة خلافُ هذا، وقد رأى قومٌ أن مثل هذا هو داخل في باب الإجماع، ولا معنى لهذا؛ فإنَّه ليس يُنسَب إلى ساكت قول قائل، أعني: أنه ليس يُنسب إلى الإجماع مَن لم يُعرف له قولٌ في المسألة. وأمَّا هذه المسألة فكيف يصحُّ أن يقال: إنه لم يُروَ في ذلك خلاف عن الصحابة، وأيُّ خِلاف أعظم من خلاف الصحابة الذين رَوَوْا هذه الأحاديث، أعْني: خلافهم لهؤلاء الذين أجازوا صلاةَ الوتر بعد الفجر، والذي عندي في هذا أنَّ هذا مِن فعلهم ليس مخالفًا الآثار الواردة في ذلك، أعني: في إجازتهم الوتر بعد الفجر، بل إجازتهم ذلك هو من باب القضاء لا من باب الأداء، وإنما يكون قولهم خلافَ الآثار لو جعلوا صلاتَه بعد الفجر من باب الأداء، فتأمَّل هذا). ((بداية المجتهد)) (1/203). وقال ابن رجب: (ذهبتْ طائفة إلى أنَّ الوتر لا يفوت وقتُه حتى يُصلِّي الصبح: فرُوي عن عليٍّ، وابن مسعود، وقال: الوتر ما بين الصلاتين، يريدان: صلاة العشاء وصلاة الفجر، وعن عائشةَ- معنى ذلك. وممَّن رُوي عنه، أنه أوتر بعد طلوع الفجر: عُبادة بن الصَّامت، وأبو الدرداء، وحذيفة، وابن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وعائشة، وفَضالة بن عُبيد، وغيرهم، وقال أيوب وحميد الطويل: أكثر وترِنا لبُعد طلوع الفجر. وهو قولُ القاسم بن محمَّد وغيره، وذكر ابن عبد البرِّ: أنه لا يُعرف لهؤلاء الصحابة مخالفٌ في قولهم. قال: ويحتمل أن يكون قالوه فيمَن نسيه أو نام عنه، دون مَن تعمَّده، وممَّن ذهب إلى هذا: مالك والشافعي- في القديم- وأحمد- في رواية عنه- وإسحاق...وقد حكَى يحيى بنُ آدم، عن قوم، أنَّ الوتر لا يفوت وقتُه حتى تطلُع الشمس، وظاهر هذا: أنه يوتر بعد صلاة الصُّبح، ما لم تطلعِ الشمس، وتكون أداء). ((فتح الباري)) (6/239). وقال أيضًا: (على تقدير صحَّة هذه الأحاديث، أو شيء منها، فقد تُحمل على أنَّ الوتر يُقضَى بعد ذهاب وقته، وهو الليل، لا على أنَّ ما بعد الفجر وقتٌ له، والمشهور عن أحمد: أنَّ الوتر يُقضى بعد طلوع الفجر، ما لم يصلِّ الفجر، وإن كان لا يتطوَّع عنده في هذا الوقت بما لا سبب له. وفيما له سبب عنه فيه خلاف، فأمَّا الوتر فإنه يُقضى في هذا الوقت، ومن الأصحاب مَن يقول: لا خلاف عنه في ذلك، منهم: ابن أبي موسى وغيره، وحُكي للشافعي قول كذلك: أنه يَقضي الوتر ما لم يصلِّ الفجر، وقال أبو بكر- من أصحابنا-: يَقضي ما لم تطلُع الشمس). ((فتح الباري)) (6/243). ، وهذا مذهبُ الجمهورِ قال ابن رجب: (ذهب أكثرُ أهل العلم إلى أنَّ أول وقته من بعد صلاة العشاء... هذا قولُ جمهور العلماء، منهم: الثوريُّ، والأوزاعي، ومالك، والشافعي، وأحمد، وأبو يوسف ومحمَّد، وقال أبو حنيفة: وقته وقت العِشاء؛ فإنه واجب عنده، ويجب الترتيبُ بينهما، بشَرْط الذِّكر ويسقط بالسهو... وكذلك مذهبُ سفيان، إذا صلَّى الوتر ناسيًا للعشاء، ثم ذكر، أنه يُصلِّي العشاء ولا يُعيد الوتر. وللشافعيَّة وجهان آخران: أحدهما: أنَّ وقته يدخل بدخول وقت العشاء، ويجوز فِعله قبل صلاة العشاء، تعمَّد ذلك أو لم يتعمَّد. والثاني: أنَّ وقته لا يدخل إلَّا بعد العشاء وصلاة أخرى، فإنْ كان وتره بأكثر من ركعة صحَّ فِعله بعد صلاة العشاء، وإنْ أوتر بركعةٍ لم يصحَّ حتى يتقدَّمه نفلٌ بينه وبين صلاة العشاء) ((فتح الباري)) (6/234). : المالِكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/385)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/13). والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/13،14)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/221). والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (2/119)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (2/7). ، وهو قولُ أبي يوسفَ ومحمَّدِ بنِ الحسنِ من الحَنَفيَّة ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/272). ، وحُكي الإجماعُ على ذلِك قال ابنُ حزم: (واتَّفقوا على أنَّ ما بعد صلاة العتَمَة إلى طلوع الفجر آخِرُ وقتٍ للوِتر). ((مراتب الإجماع)) (ص: 32). ولم يتعقبه ابن تيمية في ((نقد مراتب الإجماع)). وقال ابنُ عبد البَرِّ: (اختلف السَّلف من العلماء والخَلَف بعدهم في آخِر وقت الوتر بعد إجماعهم على أنَّ أول وقته بعد صلاة العشاء، وأنَّ الليل كلَّه حتى ينفجر الصبح وقتٌ له؛ إذ هو آخر صلاة الليل، فقال منهم قائلون: لا يُصلي الوتر بعد طلوع الفجر، وإنما وقتها من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، فإذا طلع الفجر فلا). ((الاستذكار)) (2/122). وقال ابن رشد: (أمَّا وقته فإنَّ العلماء اتَّفقوا على أنَّ وقتَه من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر؛ لورود ذلك من طُرُق شتَّى عنه عليه الصلاة والسلام). ((بداية المجتهد)) (1/202). وقال ابنُ قُدامةَ: (أيُّ وقتٍ أَوتر من اللَّيل بعد العشاء، أجزأه، لا نعلم فيه خِلافًا). ((المغني)) (2/120).
الأدلَّة
أولًا: من السُّنَّة
1- عن عبدِ اللهِ بن عُمرَ، أنَّ رجلًا سألَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأنا بينه وبين السائِلِ، فقال: يا رسولَ الله، كيف صلاةُ الليلِ؟ قال: ((مَثْنَى مَثْنَى، فإذا خَشِيتَ الصُّبْحَ، فصَلِّ رَكعةً، واجعلْ آخِرَ صلاتِكَ وِتْرًا )) أخرجه البخاري (1137)، ومسلم (749).
2- عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((بادِرُوا الصبحَ بالوترِ )) رواه مسلم (750).
3- عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أَوْتِروا قبلَ أن تُصبِحُوا )) رواه مسلم (754).
4- وقال: ((الوترُ ركعةٌ مِن آخِرِ اللَّيلِ )) رواه مسلم (752) من حديث ابن عمر رضي الله عنه.
5- عن نافعٍ، أنَّ ابنَ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما كان يقولُ: ((مَن صلَّى بالليلِ فلْيَجعلْ صلاتَه وترًا قبل الصبح، كذلك كان رسولُ الله يأمرُهم )) رواه البخاري (472) بمعناه، ومسلم (751).
ثانيًا: الإجماعُ على أنَّ أَوَّلَه بعد العِشاءِ
نقل الإجماعَ على ذلك: المروزي قال المروزي: (الذي اتَّفق عليه أهلُ العلم أنَّ ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر وقتٌ للوتر، واختلفوا فيما بعد ذلك إلى أن يُصلَّى الفجر). ((مختصر قيام الليل)) (ص: 277). ، وابن المنذر قال ابن المنذر: (أجمع أهلُ العلم على أنَّ ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر وقتٌ للوتر، واختلفوا فيمَن لم يوترْ حتى طلع الفجر) ((الأوسط)) (5/188). ، وابن عبد البَرِّ قال ابنُ عبد البَرِّ: (اختلف السَّلف من العلماء والخَلَف بعدهم في آخِر وقت الوتر بعد إجماعهم على أنَّ أول وقته بعد صلاة العشاء، وأنَّ الليل كلَّه حتى ينفجر الصبح وقتٌ له؛ إذ هو آخر صلاة الليل، فقال منهم قائلون: لا يُصلي الوتر بعد طلوع الفجر، وإنما وقتها من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، فإذا طلع الفجر فلا). ((الاستذكار)) (2/122).

انظر أيضا: