الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الأوَّل: حُكمُ سُجودِ السَّهْو لِمَنْ ترَكَ رُكنًا


مَن سَها عن رُكنٍ من الأركانِ - كالرُّكوع والسُّجود - يَلزمُه أنْ يأتيَ به، ولا يَجبُره سجودُ السَّهوِ.
الدَّليل من الإجماع:
نقَلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ عبدِ البَرِّ قال ابنُ عبد البَرِّ: (وأجمَع العلماءُ على أنَّ الركوع، والسُّجود، والقيام، والجِلسة الأخيرة في الصَّلاة، فرضٌ كلُّه، وأنَّ مَن سها عن شيءٍ منه وذَكَره، رجع إليه فأتمَّه، وبنَي عليه ولم يتمادَّ وهو ذاكرٌ له؛ لأنَّه لا يَجبُره سجودُ السَّهو). ((التمهيد)) (10/189).
مطلب: ترْك الرُّكنِ سهوًا
مَن ترَك ركنًا من أركان الصَّلاةِ سهوًا غير تكبيرة الإحرام، فإنَّه يجِبُ عليه أن يأتيَ به وبما بعده إلا إذا فات محله [2990] واختلفوا في المحلِّ الذي إذا وصل إليه المصلى فات تدارُكُ الركُن المتروك، فعند المالكية: (وإنْ سها عن ركن من غير الأخيرةِ تَدارَكَه إن لم يعقد تارِكُه ركوعًا من ركعة أصليَّة تلي ركعة النقص، فإن عقده فات تداركه، فإن كان الترك من الأولى بَطَلَت ونابت عنها المعقودةُ فترجع الثانيةُ أولى، وخرج بأصليَّة عقد ركعة زائدة كخامسةٍ في رباعية، ورابعة في ثلاثية، وثالثة في ثنائية). ((منح الجليل)) لابن عليش (1/315). وعند الشافعية: إن تذَكَّرَ السَّهْو قبل فِعْلِ مثلِ المتروك اشتغل عند التذكُّر بالمتروك، وإن تذكَّر بعد فِعْل مثله في ركعة أخرى تمت الركعةُ السابقة به ولغا ما بينهما. ((روضة الطالبين)) للنووي (1/300). وقال الحنابلةُ يفوتُ إذا شرع في قراءةِ الرَّكعةِ التي بعدها. قال المرداوي: (فمتى ترك ركنًا فذَكَرَه بعد شروعه في قراءةِ ركعة أخرى بَطَلَت التي تركه منها، وهذا المذهب مطلقًا). ((الإنصاف)) للمرداوي (2/100). ، وهذا مذهبُ الجمهور: المالكيَّة قال الدسوقي: (المصلِّي إذا ترَك ركنًا من الصلاة سهوًا وطال، فإنَّها تبطُل، والطول إمَّا بالعُرف أو بالخروجِ من المسجد...قوله: (وتداركه) أي: إنْ كان ممكنَ التدارك بأن كان ترْكُه بعد تحقُّق ماهية الصلاة وانعقادها، كالركوع والسجود، وأمَّا ما لا يمكن تداركُه كالنيَّة وتكبيرة الإحرام، فلا؛ لأنَّه غير مصلٍّ) ((حاشية الدسوقي)) (1/294)، ينظر: (شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/335). والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/77، 91، 118)، ((روضة الطالبين)) للنووي (1/300). ، والحنابلة ((منتهى الإرادات)) لابن النجار (1/ 249)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/100)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/3)، ((حاشية الروض المربع)) لابن قاسم (2/162).
الدليل من السُّنَّة:
عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دخَلَ المسجدَ فدَخَل رجلٌ فصلَّى، ثمَّ جاء فسلَّم على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: ارجعْ فصلِّ؛ فإنَّكَ لم تصلِّ، فرجَعَ فصلَّى كما صلَّى، ثمَّ جاء فسلَّمَ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: ارجعْ فصلِّ؛ فإنَّكَ لم تصلِّ - ثلاثًا -، فقال: والذي بعثَك بالحقِّ لا أُحسِنُ غيرَه فعَلِّمْني, فقال: إذا قمتَ إلى الصَّلاةِ فَكبِّرْ، ثم اقرأْ ما تيسَّرَ معك من القرآنِ، ثم اركعْ حتَّى تطمئنَّ راكعًا، ثم ارفعْ حتى تعتدلَ قائمًا، ثمَّ اسجُدْ حتى تطمئنَّ ساجدًا، ثمَّ ارفع حتى تطمئنَّ جالسًا، وافعلْ ذلك في صلاتِك كلِّها )) رواه البخاري (793)، ومسلم (397).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه جعَل وجودَ صلاتِه مَعَ تَرْكِ بعضِ أركانِها كعدِمها، ولو كانتْ تسقُطُ الأركانُ بالسَّهوِ، لسقطَتْ عن الأعرابيِّ؛ لكونِه جاهلًا بها، والجاهلُ كالنَّاسي ((المغني)) لابن قدامة (2/3).

انظر أيضا: