مقالات وبحوث مميزة


 

ملوكُ الأرض، أهلُ الرَّفض

الشيخ الدكتور أحمد بن عبد الرحمن القاضي

28جمادى الأولى1432هـ

 

الحمدُ لله وحدَه، والصلاةُ والسلامُ على مَن لا نبيَّ بعدَه، أمَّا بعدُ:

فـ(ملوكُ الأرض، أهلُ الرفض) مُصطلَحٌ أطلَقَه الحافظُ، المُحدِّثُ، الفقيهُ، المؤرِّخُ، عمادُ الدينِ بنُ كَثيرٍ الدِّمَشْقيُّ -رحمَه اللهُ- الذي تضلَّعَ من علومِ الشريعةِ، واستقرَأَ التاريخَ سَطْرًا، سَطْرًا، وكَتبَه منذُ (البدايةِ) إلى (النهايةِ)، برُوحٍ إيمانيَّةٍ مُبصِرةٍ واعيةٍ، ونَفَسٍ شَجيٍّ مُعبِّرٍ، أطلقَه الحافظُ ابنُ كثيرٍ، وهو يتأوَّهُ على ما نزَلَ بالمسلِمينَ من خُطوبٍ ومِحَنٍ، إبَّانَ استيلاءِ الروافضِ على الممالكِ الإسلاميَّةِ، فقال: (وكُلُّ هذا في ذِمَّةِ ملوكِ الأرضِ أهلِ الرفضِ، الذين استحوَذوا على البلادِ، وأظهَروا فيها الفَسادَ، قبَّحَهمُ اللهُ)! [البداية والنهاية: 11/267].

 

  فقد حَلَّ القرنُ الرابعُ الهجريُّ، ودُوَيْلاتُ الرَّفضِ تَجثِمُ على الأقاليمِ الإسلاميَّةِ، وتنشُرُ الرُّعبَ، والخرابَ، والكفرَ، والفسوقَ، والبدعةَ، في أكنافِها:

 

  1- القَرامِطةُ: في الأحساءِ، والبحرينِ، يَقطعونَ الطريقَ على الحَجيجِ، ويقتُلونَهم في المسجدِ الحرامِ، ويُلقونَ جُثَثَهم في بئرِ زَمزمَ، ويَسرِقونَ الحجَرَ الأسودَ، ويَعيثونَ في البَصْرةِ، وسَوادِ العراقِ فَسادًا. وقد دامَ طُغيانُهم ما بينَ (278ه حتى 466 هـ).

 

  2- العُبَيْديُّونَ: أبناءُ عُبَيدِ بنِ مَيمونِ بنِ دَيْصانَ القَدَّاحِ، لا نَسلُ فاطمةَ بنتِ مُحمدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ورضِيَ عنها، وبرَّأَها من أولئك الأدعياءِ الأنجاسِ، وقد حكَموا بلادَ المغرِبِ، ومصرَ، ثم أجزاءً من فِلَسطينَ، والشامِ، وساموا المسلمينَ سوءَ العذابِ، لفترةٍ امتدَّتْ من (297ه حتى 567 هـ)، ونَشَروا البِدعةَ والشِّركَ، وكانوا اثنَيْ عشَرَ مُستخلَفًا، لا خليفةً، كما قال السُّيوطيُّ -رحِمَه اللهُ- في تاريخ الخُلَفاءِ، ووصَفَها مؤرِّخُ الإسلامِ الذَّهَبيُّ -رحِمَه اللهُ- بالدولةِ العُبَيْديَّةِ الخَبيثةِ.

 

  3- البُوَيْهيُّونَ: الأعاجمُ الذين سَيْطروا على دارِ الخلافةِ، في بَغدادَ، وسَيَّروا خُلَفاءَ بَني العبَّاسِ وَفْقَ ما يَشتهونَ، واغتالوا منهم مَن يشاؤونَ، في الفترةِ ما بينَ (320ه حتى 440 هـ). قبَّحَهمُ اللهُ.

 

  4- الحَمدانيُّونَ: في حَلَبَ، وأعمالِها، والمَوْصِلِ، في الفترةِ من (317ه حتى 394ه)ـ

 

  5- الصُّلَيحيُّونَ: في اليمَنِ، في الفترةِ من (429ه حتى 569 هـ).   

 

     قال ابنُ كَثيرٍ -رحِمَه اللهُ-: (وقدِ امتلأتِ البلادُ رَفْضًا، وسبًّا للصحابةِ من بَني بُوَيهٍ، وبَني حَمْدانَ، والفاطميِّينَ، وكُلُّ ملوكِ البلادِ؛ مِصرًا، وشامًا، وعِراقًا، وخُراسانَ، وغيرَ ذلك منَ البلادِ، كانوا رَفْضًا، وكذلك الحجازُ، وغيرُه، وغالبُ بلادِ المغرِبِ. فكثُرَ السَّبُّ، والتكفيرُ منهم للصحابةِ) [البداية والنهاية: 11/233].

 

   وها هو الزمانُ قدِ استدارَ، ودولُ الرفضِ الظاهرةُ، والخفيَّةُ، تَتَداعى لإحكامِ القَبضةِ على بلادِ الإسلامِ، وصُنعِ تحالُفٍ طائفيٍّ خبيثٍ:

 

  1-  رافضةُ الخليجِ في الأحساءِ والبحرَينِ، يُثيرونَ القلاقِلَ والفِتَنَ، ويَطمَحونَ إلى تَشييعِ الخليجِ، وفَرسَنَتِه.

 

  2-  الحاكمُ بأمرِه القَذافيُّ العُبَيْديُّ، الذي مَجَّدَ الدولةَ العُبَيْديَّةَ، ونسَبَ مِصرَ والمغربَ عليها، قبلَ بِضعِ سَنَواتٍ، أسفَرَ عن وجهِه الكالحِ، وبَطشِه الجامحِ، فعاثَ يمينًا، وعاثَ شِمالًا، كما الدجَّالُ الأكبرُ، أخْزاه اللهُ.

 

 3-  الخُمَيْنيُّونَ في إيرانَ يُزاولونَ دَوْرَ البُوَيْهيِّينَ، وقد تمكَّنوا منَ السيطرةِ على بَغداَد، وأهلَكوا الحرْثَ والنَّسلَ، بتواطُئِهم مع المستعمِرِ الغربيِّ.

 

 4-  النُّصَيْريَّةُ في سوريا الجريحةِ، يُعيدونَ مآسيَ الحَمدانيِّينَ، والدُّروزُ المُؤلِّهينَ للحاكمِ بأمرِه العُبَيْديِّ يَسفِكونَ دماءَ أهلِ السُّنَّةِ، ويُمكِّنونَ الحاقِدينَ من حِزبِ اللاتِ، وشيعةِ إيرانَ من بلادِ الشامِ وفُسطاطِ المسلمينَ.

 

  5-  الجاروديَّةُ في اليَمَنِ، المُتستِّرينَ بالمذهَبِ الزَّيْديِّ، يتربَّصونَ بأهلِ السُّنَّةِ الدوائرَ، ويُهيِّئونَ الطريقَ للفُرْسِ الروافضِ، كعادةِ دولةِ الصُّلَيْحيِّينَ.

 

   ما أشبهَ الليلةَ بالبارحةِ! ها هم ملوكُ الرَّفْضِ يَتنمَّرونَ على شُعوبِهم، ويَسلُبونَ خَيْراتِهم، وينشُرونَ الشُّبُهاتِ، والشَّهَواتِ، والبِدَعَ، والمُنكَراتِ، ويُمكِّنونَ لأعداءِ المِلَّةِ، وهذا حالُهم من قَبلُ، فقد وصَفَ الحافظُ، المؤرِّخُ، ابنُ كَثيرٍ -رحِمَه اللهُ- أسلافَهم، بوصفٍ دقيقٍ، مُنطبِقٍ على سُلالتِهم، فقالَ:

 

    (وقد كان الفاطِميُّونَ أغْنى الخُلَفاءِ، وأكثرَهم مالًا، وكانوا من أعْتى الخُلَفاءِ، وأجبَرِهم، وأظلَمِهم، وأنجَسِ الملوكِ سيرةً، وأخبَثِهم سريرةً، ظهرَتْ في دولتِهمُ البِدَعُ، والمُنكَراتُ، وكثُرَ أهلُ الفسادِ، وقلَّ عندَهمُ الصالحونَ منَ العُلماءِ والعُبَّادِ، وكثُرَ بأرضِ الشامِ النَّصرانيَّةُ، والدُّرْزيَّةُ، والحَشيشيَّةُ، وتغلَّبَ الفِرنْجُ على سواحلِ الشامِ بكمالِه، حتى أخذوا القُدسَ، ونابُلُسَ، وعَجلونَ، والغورَ، وبلادَ غَزَّةَ، وعَسْقَلانَ، وكَرْكَ الشوَبْكِ، وطَبَريَّةَ، وبانياسَ، وصورَ، وعكَّا، وصَيْدا، وبيروتَ، وصَفَدَ، وطرابُلُسَ، وأنطاكيَةَ، وجميعَ ما والى ذلك، إلى بلاد إياسَ وسِيسَ، واستحوذوا على بلادِ آمِدَ، والرُّها، ورأسِ العَينِ، وبلادٍ شَتَّى غيرِ ذلك، وقَتَلوا منَ المسلمينَ خَلقًا، وأُمَمًا، لا يُحصيهم إلَّا اللهُ، وسَبَوْا ذَراريَّ المسلمينَ منَ النساءِ، والوِلدانِ، ممَّا لا يُحَدُّ، ولا يوصَفُ، وكلُّ هذه البلادِ كانتِ الصحابةُ قد فتَحوها، وصارتْ دارَ إسلامٍ، وأخَذوا من أموالِ المسلِمينَ ما لا يُحَدُّ، ولا يوصَفُ، وكادوا أنْ يتغلَّبوا على دِمَشْقَ، ولكنَّ اللهَ سلَّمَ). [البداية والنهاية: 12: 267].

 

  والصورةُ مُنطبِقةٌ تمامًا مع استبدالِ النَّصارى باليهودِ، فهؤلاء الروافضُ الباطنيَّةُ، الذين يحكُمونَ بلادَ الشامِ، لم يُطلِقوا رصاصةً واحدةً، منذُ نحوِ أربعةِ عُقودٍ، نحوَ إسرائيلَ! بينَما يُفرِغونَ رشَّاشاتِهم، وقاذفاتِ دبَّاباتِهم في نُحورِ الأبرياءِ العُزَّلِ من أهلِ الشامِ، ويُحاصِرونَهم في بَلداتِهم وقُراهم، بمرأًى، ومسمَعٍ منَ العالَمِ أجمعَ!

 

   وها هي قنَواتُ الرفضِ الفضائيَّةُ التي ملأَتِ الجوَّ صُراخًا وعَويلًا؛ بسببِ فسادِ خُطَّتِهم في البحرينِ، لا تتحوَّلُ إلى شَيطانٍ أخرَسَ، بل إلى شيطانٍ ناطقٍ، تُدافعُ عن طاغيةِ النُّصَيْريَّةِ، الذي أهلكَ نحوَ ألفِ إنسانٍ للحِفاظِ على كُرسيِّه، وتُنفِّذُ طائفتُه، في حينِ لم يسقُطْ في البحرينِ سوى بِضعةَ عشَرَ شخصًا، نصفُهم من رجالِ الأمنِ!

 

 وها هي الشعوبُ السُّنِّيَّةُ تنتفِضُ على جلَّاديها، وتُقدِّمُ المُهَجَ والأرواحَ، للتخلُّصِ من نَيْرِ ملوكِ الرفضِ البغيضِ؛ فعسَى اللهُ أنْ يُقيِّضَ لهم يدًا منَ الحقِّ حاصدةً، تُريحُ الناسَ من شرِّهم، وطُغيانِهم، وعسى اللهُ أنْ يأتيَ بالفتحِ، أو أمرٍ من عندِه، وعسى أنْ نُحاكيَ ابنَ كثيرٍ -رحِمَه اللهُ- حينَ حَكى نهايتَهم، فقال:

 

 (وحينَ زالَتْ أيامُهم، وانتقضَ إبرامُهم، أعادَ اللهُ عزَّ وجلَّ هذه البلادَ كُلَّها إلى المسلمينَ، بحولِه وقوَّتِه وجودِه ورحمتِه، وقد قال الشاعرُ المعروفُ عرقلةُ:
 

وغدَا الشَّرقُ يَحسُــــدُ الغَرْ *** بَ للقومِ فمِصْرٌ تَزْهو على بَغدادِ

 

لا  كفِرعونَ  والعَـــزيزِ ومَنْ كا *** نَ بها كالخطيبِ والاســـتادِ

 

ما حَوَوْها إلَّا بعـــَزْمٍ وحَزْمٍ *** وصَليلِ الفولاذِ في الأكبـــادِ

 

قال أبو شامةَ: يَعني بالاستادِ: كأنَّه نورٌ الإخشيديُّ، وقولُه: آلُ عليٍّ: يَعْني الفاطميِّينَ على زَعمِهم، ولم يكونوا فاطميِّينَ، وإنَّما كانوا يُنسَبونَ إلى عُبَيدٍ، وكان اسمُه سعيدًا، وكان يَهوديًّا، حدَّادًا بسلميةَ)  [البداية والنهاية: 12: 267].

 

رحِمَ اللهُ ابنَ كَثيرٍ، وفكَّ أسرَ دِمَشقَ، وبلادِ الشامِ، وسائرِ بلادِ الإسلامِ، من تسلُّطِ الرافضةِ اللئامِ.