مقالات وبحوث مميزة

القول الشاذ في الفقه الإسلامي ودعوى اكتشاف الإسلام من جديد

د. هيثم بن جواد الحداد
28 رجب 1431هـ
 
لم تكشف "زوبعة الفتاوى الفقهية الأخيرة" وما تلاها من انتصار البعض لها عن أزمة في التعاطي مع المسائل الفقهية بقدر ما كشفت عن خلل في رؤية البعض للعلاقة بين الشريعة والحياة، وأن عددًا من الإسلاميين لديهم "القابلية لللبرلة"، تشبه إلى حد ما قابلية رجال الدين النصارى للعلمنة في ما يعرف بعصر التنوير.
 
صحيح أنّ المسائل مدار البحث لا يعدوا أكثرها إلا أن يكون مسائل فقهية فرعية، لا تتحمل مثل هذا الضجيج، لكن الانحراف في منهج الاستدلال الذي يتسلل أصحابها من خلاله يعتبر أشد خطورة من ذات المسائل نفسها، وأشد خطرا منه الرؤية التي تحكم البعض، والتي تجعل من "قابلية بعض الإسلاميين لللبرلة" أو "قابليتهم للعلمنة المهذبة"، في ظل غياب مرجعية شرعية، واختطاف قوى ذات وجه عصراني إلى حد ما للمشهد السياسي الإسلامي، أمرًا يبعث على القلق.
 
تعالج هذه المقالة واحدة من تلك المخاوف؛ الانحراف في منهج الاستدلال، فلا يعنينا كثيرًا الموقف من القضية الفقيهة عين البحث، بقدر ما يعنينا المنهج الأصولي المتبع للخروج بالرأي الراجح المتبنى من قبل عدد من المنتسبين إلى العلم، فانحراف هذا المنهج سيولد أراءً منحرفة لا يخترمها ضابط ولا ينتظمها كتاب، وعليه فإن علاج الخلل في المنهج ذاته يتخذ أهمية أكبر من علاج المسألة الفقهية نفسها.
 
وقد ذكرت في مقال سابق أن هذا المنهج أصبح يتكئ على قضيتين رئيسيتين:
ـ العبث بمقاصد الشريعة، ومن ثم التستر بها.
ـ العبث بالتراث الفقهي، والتستر بالعمل بالدليل وترك التقليد، بحجة أن ثمة من قال بهذا القول أو عمل به.
هاتان القضيتان أفرزتا "زبدًا" كثيرًا وأخرجتا لنا قضية تتخذ لونًا جديدًا كلما بهت لونها السابق؛ إعادة قراءة النص، لكننا نحن اليوم بصدد ترهة أخرى؛ إنها عملية إعادة اكتشاف الإسلام.
 
وقد نتج عن ذلك تصدع في الصف الإسلامي في وقت المسلمون في أشد ما يكونون لتوحيد صفوفهم والتمسك بسبل النجاة.
وكثير من هذا الزبد، خبيث مردود، ومنه ظاهرة تبني الأقوال الشاذة،وعمل بعض المنتسبين إلى العلم وأصحاب الدعوى إلى الوسطية والانفتاح والإصلاح إلى حيز الخلاف المعتبر الذي لا يشنع على من قال به، بل على احترامه، فتخندق بذلك مع الأسف الشديد مع جمع من أعداء الإسلام،
 
ولا أظن أن هذه الظاهرة يمكن أن تعالج إلا بعمل متواز يجتمع فيه التركيز على منزلة الآخرة من الدنيا في نفوس العامة، بل وفي نفوس بعض المنتسبين إلى العلم، من ناحية، ثم بتأصيل شرعي لحقيقة القول الشاذ من ناحية أخرى ـ وهو موضوع مقالتنا هذه ـ، فإن متبني مثل هذه الأقوال يرى أن قوله قوي يؤيده الدليل، ومن ثم فإنّ مجرد اتهام صاحبه بأنه ليس من أهل الفتيا، أو ليس من أهل العلم، إن لم يسهم في التأصيل العكسي للقول الشاذ، وربما تعاطف البعض معه، فإنه لن يسهم في حل القضية من جذورها، لأن صاحب القول الشاذ ينظر إلى نفسه أنه من أهل الفتيا، وينظر إليه كذلك كثيرون، ثم ما ذا لو كان فعلا من أهل الفتيا، أو ممن أشتهر اسمه كأحد أهل العلم، أو رموز الدعوة، فلن يكون وصمه بذلك مقبولا عند تلك الجماهير التي أقبلت عليه واعتادت على الأخذ منه.
 
وأما القول بأنه خالف كبار أهل العلم في بلده، فإنه في المقابل وافق بعضًا من كبار أهل العلم في بلد آخر، فهل يقال أن لكل بلد قولاً شاذًا، أم يقال بأن الشذوذ في القول أمر نسبي خاضع للحدود الاجتماعية والسياسية؟ وعليه فيبدوا لي أنه لا مناص من أمرين:
 
الأول: التقعيد الأصولي للقول الشاذ، والثاني أن يكون ذلك التقعيد مما يمكن أن يتفق عليه جمهور الأمة، أو في أقل الأحوال أن يسلم من النقض الموجه إليه من الطرف المقابل.
* حقيقة الإجماع وروحه:
استقر في الشريعة أن الله لا يجمع هذه الأمة على ضلالة، وعلى هذا تواردت آيات وأحاديث عديدة، فمنها {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران : 103] و {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال : 46] ، ((لا تجتمع أمتي على ضلالة))، و((عليكم بالجماعة، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية))، و((الجماعة رحمة والفرقة عذاب)).
 
وهذه الآيات والأحاديث هي الروح التي ولدت لدى المسلمين منذ العهد الأول قناعة بأن ما اجتمع عليه المسلمون هو الحق، فلا يجوز لأحد أن يخالفهم، ومن خالفهم فقد شذ، اتضح هذا جليًا في أمر الخلافة عامة وخلافة الصديق خاصة، لأنها هي الحدث الذي يمكن أن تتناقل الأمة في ذلك الوقت بما أوتيت من وسائل اتصال الاتفاق عليه، أما المسائل العلمية الأخرى فلم يكن لدى المسلمين الأوائل لا شبكة انترنت، ولا هواتف جوالة، ولا أجهزة تلفزة يطلعوا من خلالها على جميع آراء العلماء في آن واحد، فلم يتبلور الإجماع الأصولي بصورته التي تحدث عنها كثير من الأصوليين في كتبهم، إذ لا يتصور هذا قط، ولهذا قال الإمام أحمد (وما يدريك لعلهم اختلفوا).
 
ومع هذا كله، فثمة نصوص في عهد مبكر تشير إلى أن اجتماع الأمة على قول، بصرف النظر عن تقصي قول كل عالم أو من يقبل قوله في مثل هذه المسائل، فعن ضمرة عن أبي إسماعيل الكوفي قال سألت عطاء بن أبي رباح عن شيء فأجابني، فقلت له عمن ذا فقال ما اجتمعت عليه الأمة أقوى عندنا من الإسناد. إذ يبعد أن عطاء ابن أبي رباح الذي توفي 114 هـ، قد استقصى قول كل من انتسب من أهل العلم، والغالب أنه قد اكتفى أنه بما اشتهر عن العلماء ممن سمع بهم.
 
ثم لما صنف الشافعي (ت 204هـ) الرسالة، وهي أم الكتب في أصول الفقه، فطن لإبراز أدلة أخرى تدل على وجوب الانقياد للإجماع بصورة أصولية، فمن أشهر ما استدل به قول الله جل وعلا {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء : 115] ، ثم أخذت نظرية الإجماع الأصولي في التشكل والتبلور وبدأت تعريفات "نظرية تظهر له"، ولما كان معرفة اتفاق جميع العلماء في آن واحد غير متصور من الناحية العملية، أخذت تعريفاتهم تتباين تباينا صغيرًا أو كبيرًا حول ماهيته.
 
لكن الاتساع في حركة التصنيف وانتشار الكتابة في بداية القرن الثالث الهجري ساهم مساهمة فعالة في تدوين أقوال العلماء، لا سيما أقوال الصحابة والأجيال الأولى من الفقهاء والعلماء، وعزز من قابلية معرفة ما اجتمع علماء الأمة عليه، وما اختلفوا فيه ـ وإن كان لا يتصور أن يحدث ذلك كما نتصوره نحن وقد عشنا في عصر الاتصال وانتقال المعلومة في جزء من الثانية ـ بل وعزز من دور الإجماع كمصدر للتشريع بجانب الكتاب والسنة، بل ومصدر لفهم نصوص الوحي، ومن ثم قدمه بعض العلماء عند ترتيب أدلة بعض المسائل على الكتاب والسنة، كما فعل ابن قدامة في المغني وغيره.
هذا العرض المختصر يهوّن علينا قبول وجود بعض الآراء التي تبناها بعض أهل العلم في زمن من الأزمنة، لكن أحدًا من تلامذتهم المقربين لم يتابعهم عليها، ولم تصبح مذهبًا متبوعا في أي من بلاد المسلمين، وهذا من حفظ الله لهذا الدين.
هذه الآراء التي انفرد بها بعض أهل العلم، جعلت مدوني أصول الفقه يختلفون "نظريًا" إزاء العلاقة بينها وبين الإجماع، فبعض العلماء نظر إليها أنها مجرد آراء لا تؤثر في انعقاد الإجماع، كما فعل ابن جرير الطبري، وابن المنذر، والنووي وغيرهم، وبعضهم نظر إليها على أنها قادحة في انعقاد الإجماع، لكن معالم الخلاف بين الفريقين تكاد تتضح حقيقتها بتصور وضع "الاتصال بين البشر" في ذلك الوقت.
 
فمن قال بأن مخالفة الواحد أو الاثنين تضر بانعقاد الإجماع، تحدث عن انعقاد إجماع في وقت معين، كأن تبحث مسألة وجوب قراءة الفاتحة على المصلي أيًا كان إمامًا أو مأمومًا في عام 300 هـ، فيرى الجميع أنها واجبة، إلا أن ابن جرير الطبري يخالف في ذلك فيرى أن المصلي لو قرأ من القرآن أحرفًا تساوي أحرف سورة الفاتحة صح ذلك له، فلا يتصور أحد عندئذ أن يُشنَّع على ابن جرير الطبري صاحب العلم الذي تحدثت الركبان بجلالته، ولا يجرؤ أحد أن يقول في ذلك الوقت "أجمعت الأمة على وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة"، فأين هم من ابن جرير؟ لكن السنون تمضي، وهاهم تلامذة ابن جرير تهجر قول شيخها، ثم تتابع الأمة قرنا بعد قرنا على هجرانه، فعندئذ سيتضح لدى الرائي أن ابن جرير قد انفرد بهذا القول، وأن الأمة قد أجمعت على خلافه، ولن يتعذر على بعض العلماء أن يتصور أن الإجماع ينعقد حتى مع مخالفة واحد أو اثنين.
 
هذا ما نقوله تنظيرًا، لكنني حاولت ـ وما زلت أحاول ـ استقراء المسائل التي انفرد فيها بعض العلماء، وموقف الفقه الإسلامي منها، ووجدت أن ثمة مئات من الأقوال تروى عن عدد من التابعين، وأتباعهم، وجيل الأئمة الأربعة، لم تتبن الأمة شيئا منها، وإنما حفظت ودونت في الكتب الفقه ليس إلا،و بقيت في هذا الحيز، دون أن تتجاوزه لتصبح مذهبا يعتنقه عدد من علماء المسلمين في أي مصر من الأمصار، بل إن تدوينها يزيد من قناعتنا بصلابة مورثنا الفقهي الإسلامي، فإنه لم يخف علينا شيئا، كما أن تتابع إعراض الأمة عن قول انفرد به واحد أو اثنين يؤكد شذوذه، فقد علمت به الأمة، ومع ذلك فما عمل به منها أحد سوى هذا، أو هذين.
 
ثم إننا إذا تأملنا تحذير العلماء قاطبة من الأخذ برخص العلماء، كقول سليمان التيمي : إن أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله، قال ابن عبد البر : هذا إجماع لا أعلم فيه خلافاً. اهـ.
وأنهم أطلقوا الرخص على ما اجتمع فيه أمران:
أولها: انفراد واحد أو اثنين من العلماء به.
 
ثانيهما: أن هذا الأمر توسع في الإباحة، أو ترخيص في أمر حرّمه الجماهير.
إذا تأملنا هذا التحذير من هذا الذي أسموه رخصًا لوجدناه يؤيد هذا الاتجاه؛ أي أن مخالفة الواحد والاثنين من العلماء لا تضر الإجماع، ولا يجوز العمل بذلك الانفراد، خاصة وإن كان متعلقا بجانب التيسير ـ في مقابل جانب التشديد ـ.
 
وقد تتابع العلماء على عبارة مفادها (أجمع أهل العلم إلا من شذ)، وقد أكثر من استخدامها ابن المنذر، ورُمي بالتساهل في نقل الإجماع وبعدم اعتبار مخالفة الواحد والاثنين مناقضة للإجماع، إلا أن كثيرًا من العلماء تناقلوا بعض عباراته مستشهدين بها، وبعضهم قرر عبارات مثلها دون الرجوع إليه، ولولا أن إيراد الأمثلة يصرف ذهن القارئ لها لأوردت عددًا منها، ويمكن الاستعانة بالاسطوانات المدمجة لاستقراء جملة منها، وإلا فكثير منها معلوم لدى طلبة العلم.
 
ومثل هذا ما انفرد به بعض الصحابة ولم يتابعوا عليه، بل تتابع العمل على خلاف ما انفردوا به، مثل عمل ابن عمر وأبي هريرة في إسباغ الوضوء، ورأي ابن مسعود في ترتيب المصحف وبعض سور القرآن، وقد تأدب العلماء فلم يصموا هذه الآراء بالشذوذ، ولكن أحدًا من العلماء لم يجز متابعتهم عليها.
 
وهنا يبرز السؤال: كيف يقال أجمع العلماء إلا من شذ، أليست مخالفة الواحد أو الاثنين تقوض ـ على مذهب الجمهور ـ انعقاد الإجماع؟ ولا يقف جوابٌ على هذا الإشكال إلا أن نقول إن الأصوليين الذين ذهبوا إلى أن الإجماع لا ينعقد بمخالفة واحد أو اثنين؛ قد ذهبوا لذلك تنظيرًا، أما تطبيقًا فإن الجميع اتفق على أن ثمة شيئًا اسمه قول شاذ، وأنه لا يجوز العمل به، وأن ضابطه أنه ما انفرد به واحد أو اثنين (بل ربما ثلاثة)، وأنه يتعين قبول القول الآخر (أو الأقوال الأخرى)؛ يتعين ذلك سواء سمينا ذلك إجماعًا أم لم نسمه إجماعًا. فحقيقته أنه أخذ حكم الإجماع وإن لم يسمه بعض العلماء إجماعًا!
 
وخلاصة الأمر، أن القول الشاذ الذي لا يجوز الأخذ به ـ كما هو واضح من اسمه ـ أنه القول الذي ينفرد به واحد أو اثنان (بل ربما ثلاثة من العلماء)، وهذا القول يكون قولا لم تتبناه أحد المذاهب الفقهية الأربعة، أو لم يحك قولاً فيها.
 
وهنا لا بد لنا من التأكيد على أنه ثمة من تبنى بعض هذه الآراء من غير أهل الأهواء ألئك، إذ قد تبين لهم ما ظنوه دليلاً، إلا أننا لا بد أن نملك قدرًا من الشجاعة لنقول بأنهم قد أخطأوا مع ظننا بأنهم مخلصون، ولا بد لنا من شجاعة مماثلة كذلك لنقرّ بأن بعض من أغلظ في الرد عليهم من أهل المذاهب والتقليد ما حملهم على ذلك إلا غيرتهم على الإسلام وخشيتهم من ظهور مدرسة اكتشاف الإسلام هذه بحجة العمل بالدليل ونبذ التقليد.
 
لم لا نعمل بالقول الشاذ:
الجواب له أكثر من شق؛ أما أولها، فإن القول الشاذ مخالف إما للإجماع، أو لحكم الإجماع، وقد تقدم ذلك.
أما الشق الثاني، فإن العمل بالقول الشاذ يقتضي ترجيحه على قول أطبقت عليه الأمة جيلاً بعد جيل، خلا أفراد قلائل منهم، وهذا يتضمن أو يستلزم القول بخطأ الأمة، أو القول بتتابع علمائها جيلاً بعد جيل على الضلال، وترجيح الخطأ دون الصواب، وهذا محال عقلا وشرعًا، بل ويلزم منه أن الحق قد خلت الأرض منه مددًا من الزمن، وأن شيئا من دين الله لم يعمل به قرونًا من الزمن في أرض الله بعد بعثة رسول الله، وهذا مخالف لبدهيات دين الله الذي تكفل بحفظه!
 
ولا يقولن قائل إن الحقّ مع الدليل ولو قل من أخذ به، فإننا لا نتحدث عن قلة فيما يقابل الكثرة، ولكننا نتحدث عن شواذ مقابل جماهير عددها غالب ليس في طبقة واحدة ولا جيل واحد، ولكننا نتحدث عن جماهير العلماء جيلاً بعد جيل، ويبعد أن تتابع هذه الجماهير بأعدادها الغالبة على عدم الأخذ بالدليل الذي استند إليه الشاذ من الأقوال، بل إن الأقرب أن يقال بأن الجماهير الغفيرة من العلماء جيلاً بعد جيل تركت الأخذ بهذا الدليل إما لضعف فيه لم يتبين للمخالف، أو لعدم دلالة معناه على المقصود، أو لوجود معارض له قد خفي على المخالف أيضا.
 
وعلى هذا، فإن الثورة المعلوماتية، وإن أسهمت في إظهار المخبأ فلن تسهم في تغيير ديننا، ولن نصبح كأهل البدع والأهواء، كلما ظهر لهم من هو ألحن مِن سابقه تبعوه، فلم يبق لهم دين، ولن تساهم الاسطوانات المدمجة في اكتشاف معالم ديننا، أو في صناعة دين جديد لنا، والله حافظ دينه كله من قبل هذه التقنية، وسيحفظه بعدها، ودخول الجنة والنجاة من نار جهنم ليستا معلقة بأقوال في ديننا لم تكشفها إلا التقنية الحديثة.
 
وأما الشق الثالث: فهو ما تقدمت الإشارة إليه أن العمل بالقول الشاذ، مقارن للعمل برخص العلماء مجتمعة، وهو سبب للمروق من الدين، وطريق سهل إلى الجحيم، والله سيحاسبنا كما أراد، لا كما أردنا، وحسابه عسير، ونار جهنم يدخلها مع الكفار طوائف لا تحصى من المسلمين، لا يخلدون فيها، لكن يوما عند ربك كألف سنة مما يعدون، وصغائر الذنوب ليست حلالا ولا مباحة، وربما اجتمعت على المرء فأهلكته، ولذا حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم، هذه أسس "فكرية، عقدية، إيمانية، وعظية" أهملها بعضنا بحجة إصلاح حال الأمة، فأخشى أن لا تصلح الأمة في الدنيا، وأهم من ذلك وأكثر خطرًا أن يدخل كثير من أهلها نار جنهم، نسأل الله السلامة في الدنيا والآخرة.
 
بقي لدينا أمور لا يتسع لها هذا المقال، بحثت في الكتاب الأصل، أسأل الله أن ييسر إخراجه عما قريب:
الأول: لمَ لا نقول بأن القول الشاذ هو ما خالف الدليل؟
الثاني: الفرق بين القول الشاذ والضعيف.

الثالث: هل تبنى شيخ الإسلام ابن تيمية أياً من الأقوال الشاذة؟