قراءة وتعريف

صحيح مُعتَقد أبي الحَسَن الأَشعريِّ في توحيدِ الصِّفات (قراءة وتعريف)
book
محمَّد عبد العليم دُسوقي
عنوان الكتاب: صحيح مُعتَقد أبي الحَسَن الأَشعريِّ في توحيدِ الصِّفات
اسم المؤلف: أ.د. محمَّد عبد العليم دُسوقي
الناشر: دار اليسر - مصر
سنة الطبع: 1434 – 2013
عدد الصفحات: 311

 

التَّعريفُ بمَوضوعِ الكتابِ:

نشأ أبو الحَسنِ الأشعريِّ رَحِمه اللهُ على مَذْهبِ الاعتزالِ في بِدايةِ عهْدِه، ثمَّ انتقل إلى مَذْهَبِ ابنِ كُلَّابٍ الذي كان يُثبِتُ بعْضَ الصِّفاتِ ويُؤوِّلُ الأُخرى ثم ختَمَ اللهُ له بالخيرِ فانتقَلَ إلى مَذهبِ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ، ومَحَّصَ طَريقتَه بالرُّجوعِ إلى مَذهبِ السَّلفِ الصَّالحِ، وقال بما قالَه إمامُ أهلِ السُّنَّةِ العالِمُ الرَّبَّانيُّ أبو عبْدِ اللهِ أحمدُ بنُ حَنبلٍ الشَّيبانيُّ؛ وهذا الكتاب الذي نُعرِّفُ به (صَحيحُ مُعتقَدِ أبي الحسنِ الأشعريِّ في تَوحيدِ الصِّفاتِ) يُبيِّنُ صَحيحَ مُعتقَدِ أبي الحسنِ الأشعريِّ، ويُظهِرُ شيئًا مِن جُهودِه في إظهارِ هذا المُعتقَدِ ونشْرِه.

وقد قسَّم المؤلِّفُ الكتابَ إلى مُقدِّمةٍ، وتَمهيدٍ، وأربعةِ أبوابٍ:

فذكَرَ في التَّمهيدِ نُبْذةً مُختصَرةً عن أبي الحَسنِ الأشعريِّ وسِيرتِه؛ فذكَرَ أنَّ نسَبَه يَصِلُ إلى الصَّحابيِّ الجَليلِ أبي مُوسى الأشعريِّ رَضِي اللهُ عنه، ثمَّ ذكَر مَوْلدَه والخِلافَ في سَنةِ مِيلادِه؛ فقِيل: سَنةَ سِتِّينَ ومائتينِ، وقيل: سَنةَ سَبْعينَ ومائتينِ، وتَكلَّمَ عن نَشأتِه الصَّالحةِ وأنَّه حَفِظ القُرآنَ والحديثَ، وأتْقَن عُلومَهما، ودرَسَ الفِقهَ وأُصولَه، وعُلومَ اللُّغةِ وأُصولَ التَّفسيرِ.

ثمَّ ذكَر بعضًا مِن مَناقبِه وكَلامِ أهلِ العلمِ فيه، ونقَل عن الأستاذِ أبي إسحاقَ الإسْفِرائيينيِّ أنَّه قال: (كُنت في جَنْبِ الشَّيخِ أبي الحسنِ الباهليِّ كقُرَّةٍ في جَنْبِ بَحْرٍ، وسَمِعتُ الباهليَّ يقولُ: كُنتُ في جَنْبِ الأشعريِّ كقُرَّةٍ في البحْرِ)، ونقَل كذلك ثَناءَ البَيهقيِّ وابنِ عَساكرَ وغيرِهما عليه.

ثمَّ ذكَر أنَّ مُؤلَّفاتَ الأشعريِّ كَثيرةٌ جدًا تَزيدُ عن ثلاث مائةِ مُؤلَّفٍ؛ منها:

- جَوابُ مَسائلِ أهْلِ الثَّغرِ، وإيضاحُ البُرهانِ في الرَّدِّ على أهْلِ الزَّيغِ والطُّغيانِ، والإبانةُ في أُصولِ الدِّيانةِ، ومَقالاتُ الإسلاميينِ، وغيرُها الكثيرُ.

- وذكَر أنَّ أبا الحَسنِ الأشعريَّ بعْدَ حَياةٍ حافلةٍ بالعِلمِ، والسَّعيِ لتَحصيلِه، وبذْلِ الجَهْدِ والوقتِ في التَّأليفِ فيه؛ تُوفِّي ببَغدادَ سَنةَ (324 هـ) على عَقيدةِ السَّلفِ، بعْدَ أنْ تَبرَّأَ مِن كلِّ ما لا يَزالُ يُروَّجُ عنه إلى الآنَ، وانخلَعَ عنه بالكُلِّيَّةِ ومِن جُلِّ ما كان يَعتقِدُه مُتكلِّمةُ عصْرِه وغيْرُهم ممَّن يَدَّعون الانتسابَ إليه حتَّى يَومِنا هذا.

ثمَّ بدَأ المؤلِّفُ في الفَصلِ الأوَّلِ، وكان عن المراحِلِ الَّتي مرَّ بها إمامُ المذهبِ لتَصحيحِ مُعتقَدِه في الصِّفاتِ وما أُثِيرَ حوْلَ كِتابِه الإبانةِ.

فبدَأَ بذِكرِ مَرحلةِ اعتناقِ الأشعريِّ مَذهبَ الاعتزالِ، ثمَّ رُجوعِه عنه إلى مَذهبِ أهلِ الكلامِ، وأشار المؤلِّفُ إلى أنَّ المُتتبِّعَ لسِيرةِ أبي الحسنِ الأشعريِّ يُلاحِظُ أنَّه لا تَكادُ تُذكَرُ له تَرجمةٌ إلَّا ويَصحَبُها حَديثٌ عن رُجوعِه عن مَذهبِ المُعتزلةِ، وأنَّه قدْ كثُر ذِكرُ هذا التَّراجُعِ حتَّى أضْحَى في حُكمِ الخبَرِ المتواتِرِ.

ثمَّ ذكَر مَرحلةَ رُجوعِه عن مَذهبِ المُتكلِّمين إلى مَذهبِ الصَّحابةِ والتَّابعين، ونبَّه المؤلِّفُ إلى أنَّ هذه المرحلةَ تُعَدُّ مِن أدَقِّ مَراحلِ حَياتِه، وتَكمُنُ دِقَّتُها في كوْنِها لم تَأخُذْ حَظَّها مِن الشُّهرةِ ما أخذَتْه سابقتُها، وذلك على الرَّغمِ مِن أنَّها مِن الوُضوحِ والظُّهورِ بمَكانٍ؛ إذ ليْس بعْدَ ما كَتَبَه ودبَّجَه -وأضْحَى ظاهرًا للعِيانِ مِن خِلالِ كُتبِه (مَقالات الإسلاميِّين)، و(الإبانة)، و(رِسالة إلى أهلِ الثَّغْرِ)- عُذْرٌ لمُعتذِرٍ.

ثمَّ تَحدَّث المؤلِّفُ بعْدَ ذلك عن كِتابِ (الإبانة) لأبي الحَسنِ الأشعريِّ، ونَفَى التَّشكيكَ الحاصلَ أنَّه أُلِّف تَقيَّةً للحنابلةِ، وأنَّ الإمامَ ابنَ عَساكرَ ألَّفَ كِتابَه (تَبْيين كَذِبِ المُفتري) ردًّا على مَن قال بِهذا، ونقَلَ عن ابنِ عَساكرَ قولَه مُدافِعًا عن الأشعريِّ: (كيف يُصنِّفُ المسلِمُ كِتابًا يُخلِّدُه وهو لا يَقولُ بصِحَّةِ ما فيه ولا يَعتقِدُه؟!)، وقولَه: (ولمْ يَزَلْ كِتابُ الإبانةِ مُستصوَبًا عندَ أهلِ الدِّيانةِ).

وفي الحَديثِ عن التَّشكيكِ في نِسبةِ كِتابِ الإبانةِ للأشعريِّ، ذكَرَ عدَدًا ممَّن نسَبَ وأثْبَت كتابَ (الإبانةِ) للإمامِ الأشعريِّ؛ منهم: ابنُ عَساكرَ، وإمامُ القُرَّاءِ أبو عَليٍّ الفارسيُّ، والأستاذُ أبو عُثمانَ الصَّابونيُّ، والإمامُ البَيهقيُّ، وابنُ كَثيرٍ، وابنُ فَرْحونَ المالكيُّ، وغيرُهم.

وقدْ خلَصَ المؤلِّفُ في هذا الفصلِ إلى أنَّ ما استَقرَّ عليه أبو الحسنِ الأشعريُّ في نِهايةِ حَياتِه؛ هو عيْنُه مَذهبُ سَلفِ الأُمَّةِ الصَّالحِ، وهذا يَلزَمُ منه حَلُّ إشكاليَّةِ الدَّافعِ مِن وَراءِ تَأليفِ أبي الحسنِ الأشعريِّ إمامِ المَذْهبِ لكِتابِه (الإبانةِ)، وإشكاليَّةِ نِسبتِه إليه.

ثمَّ كان الفصلُ الثَّاني الذي خصَّصَه المؤلِّفُ للحديثِ عن مَعالِمِ الوسطيَّةِ في مَنْهجِ أبي الحسَنِ الأشعريِّ في صَحيحِ مُعتقَدِ الصِّفاتِ، وتَقريرِ مَذهبِه، وإساءةِ مُدَّعِي الانتسابِ إليه بخُروجِهم عن مَذْهبِه، وباتِّهامِهم إيَّاه أحيانًا بما هو منه بَريءٌ!

وقد أشار المؤلِّفُ إلى أنَّ منْهجَ الأشعريِّ الذي ارتَضاهُ بعْدَ رُجوعِه إلى مَذهبِ الصَّحابةِ والتَّابعينَ، قام على عِدَّةِ أُسسٍ وقَواعدَ رَئيسةٍ؛ منها:

اعتمادُ الوَحْيِ في إثباتِ ما أثْبَته اللهُ لنفْسِه مِن الأسماءِ والصِّفاتِ، وأثْبَته له رَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ونفْيِ ما نَفاهُ اللهُ عن نفْسِه، ونَفاهُ عنه رَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.

اعتمادُ أدلَّةِ العقْلِ المُستوحاةِ مِن أدِلَّةِ النَّقْلِ.

الأخْذُ بظَواهرِ النُّصوصِ في الآياتِ المُوهِمةِ للتَّشبيهِ دونَ ما وُقوعٍ في التَّشبيهِ، والإقرارُ بالإجماعِ في ذلك، وبأحاديثِ الآحادِ.

القولُ في الصِّفاتِ كالقوْلِ في الذَّاتِ، والقولُ في بعْضِ الصِّفاتِ كالقوْلِ في بعْضِها الآخَرِ... وغيرُها مِن القواعدِ والأُسُسِ.

ثمَّ أخَذ المؤلِّفُ في تَقريرِ مَنهجِ أبي الحَسنِ الأشعريِّ في مُعتقَدِ الصِّفاتِ، وأنَّ مَنْهجَه هو إثباتُ جَميعِ الصِّفاتِ بلا تَفويضٍ، ولا تَأويلٍ، ولا صَرْفٍ لها عن ظاهرِها.

وكذلك أشارَ إلى استنكارِ أبي الحسَنِ الأشعريِّ الشَّديدِ تَأويلاتِ مَن ادَّعَوا لأنفُسِهم شرَفَ الانتسابِ إليه ممَّن ليْسوا على مَذهبِه.

ثمَّ ردَّ المؤلِّفُ على بعْضِ الشُّبَهِ ممَّن انتسَبَ إلى الأشاعرةِ، كشُبهةِ استلزامِ إثباتِ عُلوِّه تعالَى وفوْقيَّتِه لإثباتِ أو لنفْيِ المكانِ أو الجِهةِ على الإطلاقِ، وشُبهةِ الاستدلالِ على الصِّفاتِ الخبَريَّةِ والفِعليَّةِ بقِياسِ التَّمثيلِ.

ثمَّ ختَم المؤلِّفُ الفصْلَ بذِكرِ مُوافَقةِ أبي الحَسنِ لِما عليه أئمَّةُ السَّلفِ في صَحيحِ مُعتقَدِ الصِّفاتِ.

ثمَّ كان الفصلُ الثَّالثُ الذي عَنْونَ له المؤلِّفُ بـ(عَوائِق في طَريقِ تَصحيحِ عَقيدةِ التَّوحيدِ وتَحقيقِ وَحْدةِ الأُمَّةِ على أساسِها).

وكان ممَّا ذكَره مِن عقَباتٍ:

فَهْمُ تَنزيهِ الخالقِ جلَّ وعَلا على نحْوِ ما فَهِمَه أهلُ البِدَعِ، لا كما فَهِمَه أهلُ السُّنَّةِ.

الطَّعنُ على ما ذكَرَه الأشعريُّ وعُمومُ أهلِ السُّنَّةِ مِن المُثبتِين، وبخاصَّةٍ ابنُ تَيميَّةَ وابنُ القيِّمِ.

دَعاوى التَّشبيهِ والتَّجسيمِ على الإمامينِ أحمدَ بنِ حَنبلٍ والأشعريِّ، وأتْباعِهما، وعُمومِ السَّلفِ وتابِعيهم بإحسانٍ.

أنَّ عَلامةَ جَهْمِ بنِ صَفْوانَ وأصحابِه، وغُلاةِ الأشاعرةِ وأتْباعِهم: اتِّهامُ أهلِ السُّنَّةِ المُثبتِين بأنَّهم مُجسِّمةٌ ومُشبِّهةٌ.

ثمَّ كان الفصلُ الرَّابعُ والأخيرُ، وكان عن أثَرِ سَلامةِ وصِحَّةِ مُعتقَدِ الصِّفاتِ في وَحْدةِ وإعادةِ هَيْكلةِ المجتمَعِ الإسلاميِّ مِن جَديدٍ؛ فتَكلَّم أوَّلًا عن أثَرِ صِحَّةِ مُعتقَدِ الصِّفاتِ في وَحْدةِ الأُمَّةِ ونَبْذِ الفُرْقةِ، وأوضَحَ أنَّ صَحيحَ المُعتقَدِ هو ما بُعِثَ الأنبياءُ لأجْلِه، وعليه مَدارُ حِفظِ الدِّينِ ووَحْدةِ المُسلِمين.

ثمَّ أشار إلى أنَّ صَلاحَ الأُمَّةِ ووَحْدتَها وتَمكينَها مُتوقِّفٌ على صِحَّةِ المُعتقَدِ، وأنَّه إستراتيجيَّةٌ ثابتةٌ للوَحْدةِ، وأساسٌ تُبْنى عليه أيَّةُ أُطروحاتٍ تَبْغي وَحْدةَ المجتمَعِ الإسلاميِّ، كما نبَّه المؤلِّفُ على أنَّ التَّخلِّيَ عن صَحيحِ المُعتقَدِ مُقترِنٌ بالتَّمكينِ لأعداءِ الإسلامِ، وأنَّه كَثيرًا ما كان أئمَّةُ العِلمِ يَربِطون بيْن التَّخلِّي عن صَحيحِ العقيدةِ وبيْن التَّمكينِ لأعداءِ الإسلامِ في دِيارِه.