قراءة وتعريف

تِرياقٌ نحْوَ مُعالَجةٍ تأصيليَّةٍ للشُّبهاتِ الفِكريَّةِ (قراءةٌ وتعريفٌ)
book
مطلق بن جاسر الجاسر
عنوان الكتاب: تِرياقٌ نحْوَ مُعالَجةٍ تأصيليَّةٍ للشُّبهاتِ الفِكريَّةِ
اسـم المؤلف: د. مطلق بن جاسر الجاسر
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: 1442هـ- 2021م
عدد الصفحات: 237

التَّعريفُ بمَوضوعِ الكتابِ:

إنَّ نقْدَ الدِّينِ وإثارةَ الشُّبهاتِ حوْلَه شأنٌ قَديمٌ، فلا يَخلو زَمانٌ مِن عدوٍّ مُبغِضٍ يَسْعى لهدْمِ الإسلامِ، وقدِ انْبَرى العلماءُ لتَفنيدِ تلك الشُّبهاتِ والرَّدِّ عليها، وبيانِ اعتقادِ الإسلامِ الصَّحيحِ وأدلَّتِه، إلَّا أنَّ ذلك كان يَتِمُّ في إطارِ المناظَراتِ بيْن العُلماءِ ومُثِيري الشُّبهاتِ؛ إذْ لم تكُنْ تلك الشُّبهاتُ تُثارُ على أسماعِ العوامِّ، وتَنتشِرُ فيهم اشتعالَ النَّارِ في الهَشيمِ؛ نظَرًا لِمحْدوديَّةِ وَسائلِ التَّشكيكِ، ونُدرةِ القَنواتِ الإعلاميَّةِ، فضلًا عن دِفاعِ الدَّولةِ عن الدِّينِ وصِيانةِ حرَمِه مِن ألْسنةِ المتطاوِلينَ والمُغرِضين، فلم يكُنْ يقَعُ في دائرةِ التَّشكيكِ إلَّا فِئةُ قُرَّاءِ الكُتبِ ومَن يُجالِسُ الزَّنادقةَ، ولكنْ لمَّا كثُرَت وَسائلُ الإعلامِ والتَّواصلِ، وانفجَرَ على النَّاسِ سَيلٌ هادرٌ مِن المعلوماتِ والأفكارِ الَّتي فيها الغَثُّ والسَّمينُ، وانجَرَفَ النَّاسُ في تيَّاراتِ الشُّبهاتِ؛ كان لِزامًا على عُلماءِ الإسلامِ الذَّبُّ عن حَوضِه بتَوضيحِ الحقائقِ، وإزالةِ العوائقِ الَّتي تُعِيقُ الفَهمَ الصَّحيحَ للدِّينِ، وتَرُدُّ على الشُّبهاتِ وتَقتلِعُ أُصولَها، بأسلوبٍ يَسهُلُ على العامَّةِ فَهْمُه.

وفي هذا الكِتابِ حاولَ المؤلِّفُ تحقيقَ ذلك، مُبتدئًا بنُقطةِ البِدايةِ، وهي تَصحيحُ مَصادرِ المعرفةِ، وذلك بعدَ تقريرِ بعضِ المقدِّماتِ المُهمَّةِ عن الشُّبهاتِ، ثم سَلَّط الضوءَ على المناهجِ المؤسِّسةِ للشُّبهاتِ، ذاكرًا أهمَّها، وناقدًا إيَّاها، ثم تناوَلَ الأُسسَ التي بُنيتْ عليها الشُّبهاتُ، ثم رسَم خريطةً عَمليَّةً لنَقضِ الشُّبهاتِ، تتضمَّنُ خُطواتٍ واضحةً، ثم ختَم الكتاب بنماذجَ مختارةٍ مِن الشُّبهات، محاولًا تَطبيقَ الخُطواتِ العَمليَّة في نقْضِها.

وقدْ قسَّم المؤلِّفُ كتابَه هذا إلى مُقدِّمةٍ وتمهيدٍ، وسِتَّةِ فَصولٍ رَئيسةٍ، تَناوَل تحْتَها مَسائِلَ البحثِ:

بيَّن في المقدِّمةِ الأسبابَ الَّتي دفَعَتْه إلى تَأليفِ الكِتابِ، وهو ما لاقاهُ -نَتيجةَ احتكاكِه بالشَّبابِ- مِن انتشارِ الشُّبهاتِ الَّتي تَدفَعُ إلى الإلحادِ بيْن كثيرٍ مِن الشَّبابِ، وأنَّ السَّببَ في ذلك هو الجهْلُ والبُعدُ عن دِينِ اللهِ. ثمَّ تَطرَّقَ إلى سَببِ تَسميةِ الكِتابِ، وأنَّه أراده دواءً للسُّمومِ الَّتي تُفسِدُ العقْلَ والنَّفْسَ والدِّينَ.

وفي التَّمهيدِ ناقَشَ مَسألةً ربَّما دفَعَت بالكثيرينَ إلى الجهلِ الذي نتَجَ عنه تَلقُّفُ الشُّبهاتِ وتَشرُّبُها؛ وهو أنَّ الإسلامَ لم يُحرِّمِ السُّؤالَ أبدًا، بلْ حرَّض عليه وأمَرَ به في كَثيرٍ مِن الآياتِ والأحاديثِ، كما أنَّ الإسلامَ يَدْعو إلى التَّعقُّلِ والتَّفكيرِ في الأمورِ، وعاب القرآنُ كَثيرًا على الكافرينَ عدَمَ التَّفكُّرِ والتَّأمُّلِ.

وفي الفصلِ الأوَّلِ ذكَرَ مُقدِّماتٍ عن الشُّبهاتِ في عِدَّةِ مَباحِثَ؛ فعرَّف في المَبحَثِ الأوَّلِ بالشُّبهاتِ وأنَّها الْتباسُ الحقِّ بالباطلِ؛ بأنْ يُؤتى بالباطلِ فيُلبَسَ ثِيابَ الحقِّ ليَنخدِعَ النَّاسُ. ثم في المَبحَث الثَّاني عرَّف بالوَسواسِ، وأنَّ الوسواسَ هو حَديثُ النفْسِ والأفكارِ، والوساوسُ أفكارٌ تَأتي للإنسانِ إمَّا مِن نفْسِه، وإمَّا مِن الشَّيطانِ فيأتي الوسواسُ بأمورٍ مُنكَرةٍ في حقِّ اللهِ ورَسولِه وشَريعتِه، وبيَّن أنَّ مُدافَعةَ هذه الوساوسِ وكَراهيتَها دليلٌ على صِحَّةِ الإيمانِ. وفي المَبحَثِ الثالثِ فرَّق بيْن الوسوسةِ والشُّبهةِ مِن أمرينِ؛ أحدُهما: أنَّ الموسْوَسَ غيرُ راغبٍ في ما يُفكِّرُ فيه ولا يَعتقِدُه، ولذلك فهو غيرُ مُحاسَبٍ عليه بخلافِ صاحبِ الشُّبهاتِ. الآخَرُ: أنَّ الموسْوَسَ قدْ يكون جاهلًا، فإذا ظهَرت له الحقيقةُ ربَّما لم تَنصرِفْ عنه الوسوسةُ، بخِلافِ صاحبِ الشُّبهةِ؛ فإنَّه إذا انكشَفَ له الأمرُ لم تَشتبِهْ عليه تلك الشُّبهةُ مِن جَديدٍ.

وفي المَبحَثِ الرابعِ بيَّن أنَّ عِلاجَ وَساوسِ العقيدةِ يكونُ بأربعةِ أمورٍ؛ أولًا: تأكيدُ العقيدةِ الصَّحيحةِ في النُّفوسِ، وثانيًا: تَطمينُ الموسْوَسِ بأنَّ الوسواسَ لا يدُلُّ على ضَعفِ الإيمانِ وقِلَّةِ الدِّيانةِ، وثالثًا: التَّحصينُ بالتعوُّذُ والأذكارِ، ورابعًا: الإعراضُ عن الوساوسِ والانشغالُ عنها. وفي المَبحَثِ الخامسِ تناوَل بعضًا مِن بَواعثِ الشُّبهاتِ، ومِن أبرزِها: عَمَى الانبهارِ بالحَياةِ والثَّقافةِ الغربيَّةِ، ونَزعةُ التَّمرُّدِ الَّتي تصِلُ إلى التَّمرُّدِ على الذَّاتِ الإلهيَّةِ، والبواعثُ النَّفسيَّةُ المتمثِّلةُ في الحَداثةِ والتَّنويرِ، والشَّهواتِ. وفي المَبحَثِ السادسِ تناوَلَ أقسامَ أصحابِ الشُّبهاتِ ومَناهجَ تَفكيرِهم، وأنَّهم بيْن مَنهجَينِ: مَنهجُ رفْضِ مَرجعيَّةِ الشَّريعةِ الإسلاميَّةِ، وهؤلاء هم غيرُ المسْلِمين من اليهودِ والنَّصاري واللَّادِينيِّين، والمنهجُ الثاني هو ادِّعاءُ قَبولِ مَرجعيَّةِ الشَّريعةِ الإسلاميَّةِ، ويَتبنَّاه قِسمانِ: المخادِعون الذين يُظهِرون قَبولَها علَنًا ولكنَّهم يَكفُرون بها باطنًا، والقسمُ الثاني هم الصَّادِقون في البَحثِ عن الحقيقةِ بعْدَ أنِ ابْتُلُوا بالوقوعِ في شَيءٍ مِن الشُّبهاتِ، فيَبحثون عن الجوابِ الكافي والدَّواءِ الشَّافي.

وتحدَّث في الفصلِ الثَّاني عن تَصحيحِ مَصادرِ المعرفةِ، وأنَّه يَنبغي إعطاءُ كلِّ مَصدرٍ منها حقَّه، وأنَّه لا يَنْبغي إضاعةُ الوقتِ مع مَن لا يَملِكُ القدرةَ على الفَهمِ والاستدلالِ، ثمَّ أوضَحَ أنَّ مَصادرَ المعرفةِ أربعةٌ؛ هي: الفطرةُ، والعقلُ، والحسُّ، والخبَرُ، فأوْضَحَ في المَبحَثِ الأوَّلِ الفِطرةَ، وأنَّها قوَّةٌ مُودَعةٌ في النفْسِ تُولَدُ مع الإنسانِ، تَقْتضي مَعرفةَ اللهِ تعالى وتوحيدَه، وإدراكَ المبادئِ العقليَّةِ الضَّروريةِ الَّتي تَسيرُ حياتُه مِن خَلالِها بشَكلٍ صَحيحٍ، بشَرطِ عدَمِ التَّأثيرِ الخارجيِّ الذي يُحَرِّفُ الفِطرةَ عن مَسارِها. وفي المَبحَثِ الثَّاني تناوَلَ (العقلَ)، وخلَصَ إلى أنَّه لفظٌ مُشترَكٌ لَفْظيٌّ يُستعمَلُ بإزاءِ أربعةِ مَعانٍ؛ وهي: أوَّلًا: الغريزةُ المدْرِكةُ، وثانيًا: العلومُ الضَّروريَّةُ، وثالثًا: العلومُ النَّظريَّةُ، وأخيرًا بمعنى العملِ بمُقْتضى العلمِ. وانْتَهى إلى أنَّ المرادَ مِن العقلِ الذي هو مَصدرٌ لمعرفةِ العلومِ الضَّروريةِ أو البَديهيَّاتِ العقليةِ. وفي المَبحَثِ الثالثِ: تناوَلَ (الحِسَّ)، وأنَّه مَصدرٌ للمعرفةِ، وقدْ أكَّدتْه الشَّريعةُ، كما قال تعالى: {لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 179]. وفي المَبحَثِ الرابعِ: بيَّن أنَّ الخبَر مِن مَصادرِ المعرفةِ، لكنْ يُشترَطُ فيه أن يكونَ الخبرُ صَحيحًا.

ثم خصَّص الفصلَ الثَّالثَ للحديثِ عن المناهجِ المؤسِّسةِ للشُّبهاتِ، فأوْضَح في مَباحثِه الأربعةِ المنْهجَ السُّفسطائيَّ، وهو الذي يقومُ على أنَّ الحقيقةَ نِسبيةٌ مُتغيِّرةٌ، مبيِّنًا أقسامِ أتْباعِ هذا المنهجِ. وتَكلَّمَ عن مَنهجِ الغُلوِّ في العَقلِ، مبيِّنًا أنَّ المُغالِين فيه يَرَوْن أنَّ العقلَ الذي هو مَصدرُ المعرفةِ يَشمَلُ المعانيَ الأربعةَ الَّتي سبَقَ ذِكرُها، ولهذا يُفضي كثيرًا إلى التَّعارُضِ مع العقْلِ، ثم بيَّن بُطلانَ ذلك، وانتهى إلى أنَّ العقلَ إنما هو العلومُ الضَّروريَّةُ، وهذه لا تَتعارَضُ أبدًا مع الدِّينِ. ثُمَّ تناوَلَ المنْهجَ العِلمويَّ، وهو الاتِّجاهُ الفكريُّ الذي يُقرِّرُ أنَّ العِلمَ التَّجرِيبيَّ يُمكِنُه أنْ يُحقِّقَ كلَّ ما يَحتاجُه الإنسانُ، وأنَّه لا وُجودَ لشَيءٍ لا يُمكِنُ تَجريبُه، وهذا المنهجُ يُلْغي الخبَرَ والوحْيَ باعتبارِه مَصدرًا للمعرفةِ، وتحدَّثَ في هذه الجزئيَّةِ عن أسبابِ ظُهورِ تِلك النَّزعةِ، وهي كثرةُ الاكتشافاتِ العِلميَّةِ، وتأثيرُ الكنيسةِ الأُوروبيَّةِ، وتناوَلَ الإشكالاتِ الفكريَّةَ لهذا المنْهجِ؛ وهو أنَّه يُوهِمُ البشَرَ أنَّهم في غِنًى عن اللهِ، وأنَّ الإيمانَ بالإلهِ إنَّما نشَأَ عن جَهلٍ لتَفسيرِ بعضِ الظَّواهرِ، فقالوا: خلَقَها اللهُ، ومنها: افتراضُ مُضادَّةٍ بيْن العقلِ والشَّرعِ، وذكَرَ الأدلَّةَ على بُطلانِ المنْهجِ العِلمويِّ الذي يَحصُرُ المعرفةَ في المادِّيَّاتِ التَّجرِيبيَّةِ، ومِن دَلائلِ بُطلانِ هذ المنْهجِ أنَّ الادِّعاءَ لا يَثبُتُ إلَّا ببُرهانٍ، وأنَّه يُوقِعنا في مأزقٍ كَبيرٍ؛ وهو عدَمُ إمكانِ الاستدلالِ على المستحيلاتِ، كما أنَّ حصْرَ مَصادرِ المعرفةِ في مَصدرٍ واحدٍ فيه تَضييقٌ للمعرفةِ الإنسانيَّةِ، وأخيرًا فإنَّ المنْهجَ العِلمويَّ عاجزٌ عن إيجادِ وتَوحيدِ مِعيارٍ للأخلاقِ.

ثُمَّ سلَّطَ الضَّوءَ على مَنهجِ تَقسيمِ المسْلمين إلى إسلاميِّينَ وغيرِ إسلاميِّينَ، وأوْضَحَ أنَّه اصطلاحٌ حَديثٌ بثَّتْه المؤسَّساتُ السِّياسيةُ الغَرْبيةُ بهدَفِ تَقسيمِ المسْلِمين؛ خَشيةَ انتِهاضِهم ووَحدتِهم للدِّفاعِ عن دِينِهم وأوطانِهِم، بحيث يُجعَلُ الإسلاميُّ هو الوحيدَ المسؤولَ عن تَطبيقِ شَرْعِ اللهِ، بيْنما غيرُ الإسلاميِّينَ لهم دِينُهم الخاصُّ، فلا يُحرَّمُ عليهم شَيءٌ؛ لأنَّهم غيرُ إسلاميِّينَ، كما أنَّه ذَريعةٌ للقضاءِ على الإسلامِ والتدخُّلِ في شُؤونِه بحُجَّةِ القضاءِ على الإسلاميِّينِ الرَّاديكالِيِّينَ.

وأوضَحَ في الفصلِ الرَّابعِ الأُسسَ الَّتي بُنِيت عليها الشُّبهاتُ، وتناوَلَ ذلك في خَمْسةِ مَباحثَ؛ في المَبحَثِ الأولِ تناوَلَ الكذبَ في إثارةِ الشُّبهاتِ حوْلَ الإسلامِ وتَشويهِ صُورتِه. وفي المَبحَثِ الثاني بيَّنَ خلَلَ الاحتكامِ المرْجِعيِّ لتَحسينِ أمرٍ أو تَقبيحِه؛ فالمخالِفُ يَحتكِمُ إلى أغلبيَّةِ النَّاسِ، أو إلى سُلطةٍ مُعيَّنةٍ، أو إلى ثَقافةٍ عِلميَّةٍ سائدةٍ، دونَ أنْ يَرجِعَ إلى مَصادرِ المعرفةِ وأُسسِها الصَّحيحةِ. وفي المَبحَثِ الثَّالثِ كشَفَ عن أساسِ فخِّ الإجمالِ؛ وهو أنَّ مُثيرَ الشُّبهةِ دوْمًا ما يَعتمِدُ على كَلامٍ يَحمِلُ الخيرَ والشَّرَّ في طيَّاتِه، ولهذا حذَّر السَّلفُ مِن استعمالِ ألفاظِ أهلِ الكلامِ الَّتي لا تَتحدَّدُ بحَدٍّ ولا تَنضبِطُ بصُورةٍ، كالعرَضِ والجَوهرِ ونحوِ ذلك. وضرَبَ على ذلك مَثلًا بالمساواةِ الَّتي يُنادُون بها، وفرَّق بيْن المساواةِ وبيْن العدْلِ. وفي المَبحَثِ الرابعِ بيَّنَ أساسَ الإسقاطِ التَّاريخيِّ، وأنَّه يَعني إسقاطَ الواقعِ المعاصِرِ على الوقائعِ التَّاريخيَّةِ، وتَفسيرَها في ضَوءِ الخِبراتِ والمشاعِرِ الخاصَّةِ ممَّا يَعرِفُه الإنسانُ مِن واقعِ الحياةِ والمجْتمَعِ الحديثِ، وهنا تُثارُ الشُّبهاتُ اعتمادًا على مُغالَطةٍ مَنطِقيَّةٍ؛ وهي عدَمُ الاكثراتِ بالسِّياقِ التَّاريخيِّ واختلافِه عن السِّياقِ المعاصِرِ. وفي المَبحَثِ الخامسِ تناوَلَ عدَمَ مُراعاةِ التَّطوُّرِ الدَّلاليِّ للكلماتِ مع مُرورِ الزَّمنِ؛ فبعضُ الكلماتِ يَتطوَّرُ مَعناها مِن دَلالةٍ إلى أُخرى، دونَ أنْ يَعلَمَ مُثيرُ اللَّبْسِ بهذا، فيَزعُمُ أنَّ في الإسلامِ مُتناقضاتٍ، كتَحليلِ الخمْرِ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَشرَبُ النَّبيذَ، دونَ أنْ يَعلَمَ أنَّ النَّبيذَ حِينَها كان الماءَ الذي يُنبَذُ (يُنقَعُ) فيه التَّمرُ.

أمَّا في الفصلِ الخامسِ فتَناوَلَ الخُطواتِ العمليَّةَ لنقْضِ الشُّبهاتِ، وأنَّ على الإنسانِ الفِرارَ مِن الشُّبهاتِ قبْلَ الولوجِ فيها، ثم بيَّن طَريقَ نقْضِ الشُّبهاتِ، وأنَّه يَنْبني على ثلاثِ خُطواتٍ؛ الخُطوةُ الأُولى: تَفكيكُ الشُّبهةِ وتَحليلُ أجزائها، وبيانُ ما فيها مِن إجمالٍ، ومُراعاةُ التَّطوُّرِ الدَّلاليِّ فيها، واستحضارُ السِّياقِ التاريخيِّ الذي قِيلَت فيه الكلمةُ مَظِنَّةُ الشُّبهةِ. والخُطوةُ الثانيةُ: التَّثبُّتُ مِن صِحَّةِ النقْلِ. والخُطوةُ الثالثةُ: طلَبُ الدَّليلِ الصَّحيحِ.

وأمَّا الفصلُ السَّادسُ والأخير في هذا الكتاب؛ فقد خصَّص مَباحِثَه لمَجموعةٍ مِن الشُّبهاتِ والرَدِّ عليها:

ففي المَبحَثِ الأوَّلِ تناوَلَ مُشكلةَ الشَّرِّ، ولماذا يُوجَدُ في الكونِ؟ مع الرَّدِّ عليها. وفي المَبحَثِ الثَّاني تناوَلَ شُبهةَ تَعدُّدِ زَوجاتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مع الرَّدِّ عليها. وفي المَبحَثِ الثَّالثِ تناوَلَ شُبهةَ حدِّ الرِّدَّةِ في الشَّريعةِ الإسلاميَّةِ مع الرَّدِّ عليها. وفي المَبحَثِ الرابعِ تناوَلَ شُبهةً حوْلَ زواجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن أمِّ المؤمنينَ عائشةَ رَضِي اللهُ عنها، ثمَّ ردَّ عليها. وفي المَبحَثِ الخامسِ تناوَلَ شُبهةَ الحُدودِ الشَّرعيَّةِ، وهل هي قَسوةٌ أم رَحمةٌ؟

وفي خاتمةِ الكتابِ أوْصى المؤلِّفُ القارئَ بالوعيِ، والاعتزازِ بالدِّينِ، والهمَّةِ في طلَبِ العلمِ، والحرصِ على جَزالةِ المنْطِقِ وقوَّتِه.